إدريس الفينة: هل تقف الصين وراء النزاع الهندي الباكستاني؟

إدريس الفينة: هل تقف الصين وراء النزاع الهندي الباكستاني؟ هل تستخدم باكستان كورقة استراتيجية لإبقاء خصمها الجنوبي الهند منشغلاً ومكبلاً؟
في الوقت الذي تشتعل فيه جبهات التوتر بين الهند وباكستان من حين لآخر، تلوح في الأفق قوة آسيوية عظمى تُتهم بالوقوف في الظل: الصين. فهل تلعب بكين دورًا خفيًا في تأجيج النزاع بين القوتين النوويتين في جنوب آسيا؟ وهل تستخدم باكستان كورقة استراتيجية لإبقاء خصمها الجنوبي الهند منشغلاً ومكبلاً؟

تاريخيًا، كانت الصين دائمًا طرفًا غير مباشر في النزاع الهندي الباكستاني. ففي حرب 1965، وجهت بكين إنذارًا للهند يهدد بفتح جبهة جديدة على الحدود الشرقية، ما أجبر نيودلهي على إعادة توزيع قواتها، في خطوة اعتبرها كثيرون دعمًا غير مباشر لإسلام آباد. وبعد عقود، واصلت الصين دورها عبر وسائل أكثر دقة وعمقًا: تسليح، دعم نووي، حمايات دبلوماسية، واستثمارات بمليارات الدولارات.

دعم سري وأسلحة حديثة
المثير أن الصين ليست مجرد حليف سياسي لباكستان، بل المزود الأول لسلاحها. وفق معهد ستوكهولم للسلام، تمثل الصين أكثر من 80% من واردات الأسلحة الباكستانية في السنوات الأخيرة. من الطائرات المقاتلة إلى الغواصات، أسهمت بكين في بناء قدرات الجيش الباكستاني ليقف نداً أمام الهند، الدولة الأكبر في جنوب آسيا.

ولم تقتصر المساعدة على السلاح التقليدي. فخلال العقود الماضية، زُوّدت باكستان بتقنيات نووية وصاروخية ساعدتها على دخول النادي النووي، في خطوات وصفها خبراء بأنها كانت ستستغرق باكستان عقودًا أطول لولا الدعم الصيني السري.

الممر الاقتصادي: استثمار أم تطويق؟
في عام 2015، دشنت الصين مشروع “الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني” (CPEC)، باستثمارات تجاوزت 60 مليار دولار، يربط غرب الصين بميناء جوادر في باكستان. هذا المشروع الضخم لا يمر فقط عبر أراضٍ متنازع عليها في كشمير – مما أثار اعتراض الهند – بل يمنح الصين منفذًا مباشرًا إلى بحر العرب، ويعزز وجودها العسكري والاقتصادي في خاصرة الهند الغربية.

وبينما تصر بكين على الطابع التنموي للمشروع، ترى الهند في CPEC خطوة جيوسياسية مقلقة، ترسّخ نفوذ الصين في محيطها الإقليمي، وتفتح الباب لتطويقها في حال اندلاع أي نزاع مستقبلي.

الورقة الباكستانية في لعبة القوى الكبرى
في خضم المنافسة المتصاعدة بين الصين والولايات المتحدة، تبرز الهند اليوم كمرشح غربي قوي لموازنة النفوذ الصيني. وهذا ما يجعل بكين ترى في باكستان حليفًا استراتيجيًا، ليس فقط لردع الهند، بل لإشغالها عن التفرغ لمنافسة الصين إقليميًا ودوليًا.

التحليلات الاستراتيجية تشير إلى أن بكين تستخدم إسلام آباد ضمن مقاربة مزدوجة: مواجهة مباشرة مع الهند على الحدود، وتوريطها في نزاعات مستمرة مع باكستان من الجهة الغربية. كل ذلك بهدف منع نيودلهي من أن تتحول إلى خصم كامل التركيز ضد الصين.

صراع ثلاثي بوجوه مزدوجة
ليس من المبالغة القول إن النزاع بين الهند وباكستان لم يعد نزاعًا ثنائيًا صرفًا. فالصين، عبر تحالفاتها العميقة مع باكستان، تسهم في إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للمنطقة. وما دامت الهند تصعد كقوة اقتصادية وتكنولوجية، فإن بكين – التي تنظر بعين الريبة إلى هذا الصعود – ستواصل، على الأرجح، دعم إسلام آباد كخط دفاع أول ضد أي تفوق هندي محتمل.

في رقعة الشطرنج الجيوسياسية لآسيا، تبدو باكستان اليوم قطعة مهمة في يد الصين، تُستخدم حين تدعو الحاجة، ليس فقط لتحقيق التوازن، بل للحفاظ على التفوق.