بعد انقطاع الكهرباء بإسبانيا.. مامدى جاهزية المغرب للتعامل مع أحداث مماثلة؟.. الجواب على لسان الخبير ملاوي

بعد انقطاع الكهرباء بإسبانيا.. مامدى جاهزية المغرب للتعامل مع أحداث مماثلة؟.. الجواب على لسان الخبير ملاوي عبد الصمد ملاوي، أستاذ جامعي وخبير دولي في تكنولوجيا الطاقات المتجددة
أعاد انقطاع الكهرباء الذي شهدته مؤخرا مناطق واسعة بإسبانيا والبرتغال وأجزاء من فرنسا، إلى الواجهة إشكالية أمن الشبكات الكهربائية في ظل التغيرات المناخية والاعتماد المتزايد على الطاقات المتجددة.
في هذا السياق، يبرز سؤال جوهري حول مدى جاهزية المغرب لمواجهة أحداث مماثلة، خاصة مع توسيع شبكاته وربطه الإقليمي. لفهم أبعاد هذه التحديات واستشراف آفاق التعامل معه، فتحت
"أنفاس بريس" النقاش مع الخبير في شؤون الطاقة، عبد الصمد ملاوي، أستاذ جامعي وخبير دولي في تكنولوجيا الطاقات المتجددة، لتسليط الضوء على الدروس المستخلصة والإجراءات الملحة التي باتت تفرض نفسها مع طموحات المغرب الطاقية.


 

"بداية، يجب أن نذكر الطريقة التي تولد بها إسبانيا الكهرباء وعلاقتها بدول الجوار، لكي نفهم ما وقع بالضبط، خصوصًا مع الدول المجاورة مثل فرنسا والبرتغال وحتى المغرب.
إسبانيا تنتج حوالي 56% من الكهرباء من مصادر متجددة، منها الرياح بحوالي 23%، والطاقة الشمسية 17%، والطاقة النووية بحوالي 20%، والباقي من الطاقة المركبة والأحفورية.
ترتبط إسبانيا مع دول الجوار بكابلات كهربائية تتبادل عبرها الكهرباء. مع فرنسا، تصل القدرة إلى حوالي 2900 ميجاوات، ومع البرتغال تصل إلى 4450 ميجاوات، وكذلك مع المغرب عبر كابلين يمران عبر جبل طارق بقدرة تصل إلى 1400 ميجاوات، وهناك تخطيط لإضافة خط ثالث مستقبلا.
هذه المقدمة مهمة لفهم ما يقع وما يمكن أن يقع مستقبلاً، وكذلك أهمية الشبكات الكهربائية في التبادل الكهربائي بين إسبانيا والدول المجاورة. تستفيد إسبانيا كما تستفيد الدول الأخرى من هذه الروابط، مما يساعد على استقرار الشبكات الكهربائية.
فمثلا المغرب يستورد أحيانا من إسبانيا ويصدر إليها الفائض من إنتاجه الكهربائي، خصوصًا الناتج عن مشاريع الطاقة المتجددة.
حادثة الانقطاع الأخيرة للكهرباء أظهرت أهمية تعزيز الربط الكهربائي الإقليمي لضمان الاستمرارية وضمان الأمن الكهربائي، خاصة وأن الكهرباء أصبحت ضرورية في عدة مجالات حيوية مثل المستشفيات، العمارات، النقل، المطارات، المصاعد، والإدارات العمومية.

الأهمية تزداد سواء بالنسبة لإسبانيا أو البرتغال أو المغرب، خصوصًا مع اقتراب تنظيم تصفيات كأس العالم، مما يفرض تحدي ضمان استقرار الشبكة الكهربائية وتأمينها، حيث سيكون لذلك تأثير كبير في نجاح هذا الحدث العالمي.

التحقيقات الأولية حول أسباب الانقطاع أشارت إلى أن هناك ظاهرة جوية ناتجة عن مرور نجم أو بعض الأجسام الفضائية، مما تسبب في اضطرابات بالمجال الكهرومغناطيسي الأرضي، وأثر على خطوط الجهد العالي.
هذا أدى إلى فقدان حوالي 60% من القدرة الكهربائية في ظرف وجيز يقدر بخمس ثوانٍ، مما تسبب في الانقطاع الكبير.

هناك فرضيات أخرى مثل احتمال تعرض الشبكة لهجوم إلكتروني أو ببساطة خلل عادي ناتج عن تزايد الطلب على الكهرباء، لكن لم يتم تأكيد أي فرضية حتى الآن.
هذه ليست المرة الأولى التي تعرف فيها أوروبا حوادث انقطاع كهربائي مماثلة، مثل ما حدث سنة 2021 جراء حرائق الغابات بالجنوب الفرنسي، أو نونبر 2006 عندما انقطع التيار عن أكثر من عشرين مليون شخص في دول أوروبية متعددة.

ورغم أن السبب الحقيقي لم يعلن بعد، إلا أن الدروس المستخلصة مهمة، خاصة للمغرب، نظرًا لقربه الجغرافي من إسبانيا وارتباطه بشبكة كهربائية مشتركة، إلى جانب خططه المستقبلية لتعزيز الربط الكهربائي مع البرتغال وإسبانيا.
اشتراك المغرب مع إسبانيا والبرتغال في تنظيم كأس العالم 2030 يزيد من أهمية تعزيز البنية التحتية للطاقة الكهربائية وطنياً وإقليمياً.

تعزيز الشبكة يتطلب استثمارًا كبيرًا في تحديث وصيانة الشبكات، وزيادة قدرتها على استيعاب الإنتاج المرتفع من مصادر الطاقة المتجددة، وتحمل الطلب المتزايد خصوصًا بسبب النمو السكاني، ارتفاع الحرارة، وتطور الاقتصاد الوطني والأوروبي.

التطور في مصادر الطاقة المتجددة يفرض كذلك ضرورة تعزيز خطوط النقل الكهربائي، لتفادي أي ضغط قد يؤدي إلى أزمات.
المغرب مطالب بالاعتماد على نفسه وتحسين جاهزيته، بالإضافة إلى تحسين خطط الطوارئ الكهربائية لضمان استمرارية تزويد المنشآت الحيوية كالمستشفيات، مراكز البيانات، المطارات، والقطارات، مع أهمية تزويدها بمولدات احتياطية ذات قدرة كافية.

هذه الحادثة تدفع إلى التفكير الجدي في تعزيز التعاون الإقليمي، وتبادل الخبرات مع الدول المجاورة، وتحسين تكامل شبكات الطاقة الكهربائية.

تجدر الإشارة إلى أن المغرب، تحت الرؤية الملكية السديدة، انطلق خلال السنة الماضية في تعزيز الربط الكهربائي الداخلي من الجنوب إلى وسط المملكة، وتحديث الشبكات الوطنية لنقل الكهرباء المنتجة من مصادر متجددة، بالإضافة إلى المشروع الجاري لربط المغرب بموريتانيا كهربائيًا، في إطار تأمين الصادرات والواردات الكهربائية وتعزيز ممرات الطوارئ إذا تطلب الأمر ذلك".