أريري: ما المانع من صعود الدارالبيضاء للبوديوم العالمي؟!

أريري: ما المانع من صعود الدارالبيضاء للبوديوم العالمي؟! عبد الرحيم أريري
من بين المقاييس التي يعتد بها لاختبار جاذبية مدينة ما، قدرتها على جذب الأجانب ذوي الكفاءات العلمية والفنية والتكنولوجية والمالية والتجارية والرياضية، من مختلف الأحواض القافية والحضارية بالعالم للاستقرار بها. 
 
فالأجانب مثلا يشكلون حوالي 40% من سكان جنيف وحوالي 25%  من سكان بروكسيل (وهكذا ذواليك في: ميلانو ونيويورك ولندن وفرانكفورت وبرشلونة ودبي....). وجود هؤلاء الأجانب ذوو الكفاءة العالية يعطي قيمة مضافة  للمدن المذكورة، مما يضفي عليها لمسة تجعلها دوما متوهجة وساحرة، بالنظر إلى أن الجودة تصبح هي الشعار السائد في كل الخدمات المقدمة بالمدينة(خدمات إدارية أو تجارية أو سياحية او إنارة عمومية ونظافة ونقل وبستنة، الخ....). 
 
الدار البيضاء، التي أريد لها من طرف الخطاب الرسمي أن تكون في مستوى الحواضر الإقليمية الجاذبة للعقول والكفاءات، لم تتمكن - حسب الإحصاء الرسمي - من استقطاب سوى 24.337 أجنبيا ، وهو عدد قليل جدا لا يشكل حتى 1% من سكان البيضاء (تحديدا يمثل الأجانب 0,7 % من سكان المدينة). علما أن هذا العدد يتشكل في جزء كبير منه من الفرنسيين  متبوعين بالإيطاليين، بشكل يفقد صفة العالمية عن هذا التوافد الأجنبي بالعاصمة الاقتصادية.
 
نعم الطريق ما زال شاقا وطويلا لإدخال الدار البيضاء إلى النادي العالمي. لكن إن تم تحديد سقف زمني في المدى القريب وفي المدى المتوسط، يمكن للعاصمة الاقتصادية أن تدخل للبوديوم الجهوي في أفق أن تصعد للبوديوم العالمي، خاصة وأن معظم المؤشرات تصب في صالح الدارالبيضاء (مقارنة مع باقي مدن معظم دول القارة السمراء)، لتحويلها إلى منصة المنظمات والشركات المالية والخدماتية والتجارية واللوجيستية على المستوى القاري، بفضل وجود قطب مالي صاعد ومطار محمد الخامس كمنصة دولية (HUB )، وبروز موجة من الأطر العليا من سلالة “الرحل الرقميون” الذين بدأوا يستقرون بالبيضاء قادمين من دول أخرى في إطار ظاهرة: ”NOMADISME NUMERIQUE” إلخ...
 
أما إذا تم الاشتغال والضغط (Lobbying)، لترحيل مقر منظمات ووكالات إقليمية وشركات دولية وتوطينها بالدارالبيضاء، فإن ذلك سيعطي جرعة إضافية “لعولمة” العاصمة الاقتصادية، وبالتالي إدراجها في الرادار الدولي. 
لنأخذ بروكسيل كمثال، فاللوبي Lobbying الذي مارسته بلجيكا في صمت طوال سنوات لتحويل العاصمة البلجيكية إلى موطن لمعظم المنظمات الأوربية، جعلها اليوم تقطف الثمار. فبروكسيل لوحدها تضم اليوم 40 ألف موظف دولي ينتمون ل 27 دولة، و 5000 ديبلوماسي، فضلا عن كونها مقرا  لحوالي 1300 جمعية ذات بعد دولي، مع ما يستتبعه هذا الزخم الجمعوي من وجود خبراء وأطر متعاقدة مع هذه الجمعيات يتجاوز 20 ألف إطار.
 
بروكسيل هي أيضا مقر الحلف الأطلسي، وهو المقر الذي جلب للعاصمة البلجيكية 6000 إطار عسكري سامي من خيرة ضباط الدول الأعضاء في الحلف (سلاح الجو والبر والبحر، الاستعلامات، الهندسة العسكرية، خبراء الجيوبوليتيك، المترجمون......).
 
وإذا أسقطنا واشنطن، فإن بروكسيل هي أول مدينة بالعالم التي توجد بها اللوبيات (اللوبي بالمعنى المؤسساتي والسياسي)، التي تتحرك في كواليس اللجنة الأوربية وكواليس البرلمان الأوربي للدفاع عن مصالح الممولين (فلاحة، تجارة، حريات فردية، تكنولوجيا، قرارات دولية،إلخ.....).
 
ما الذي توحي به هذه الخاصية؟
هناك معطى واحد مهم ومحوري، يتجلى في أن المدينة التي يقطن بها هذا الكم الهائل من الديبلوماسيين والموظفين الدوليين في القطاع المدني والعسكري، يفترض أن تكون في مستوى تطلعات هذه السلالة، بشكل يجعل المدينة مجبرة على أن تكون بهية وجميلة، وذات عرض غني ومتنوع في خدمات النقل والتنقل والمطاعم وأماكن الترفيه والمتاحف والمنتزهات والحياة الليلية الزاهية، فضلا عن جودة الخدمات المقدمة للجمهور سواء كانت خدمات مقدمة بالمرفق العام أو بالقطاع الخاص. 
 
فما المانع من عدم رفع سقف أحلامنا؟ ألا تستحق الدار البيضاء ذلك؟