عبدالرحيم الرماح: الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للقانون التنظيمي للإضراب

عبدالرحيم الرماح: الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للقانون التنظيمي للإضراب عبدالرحيم الرماح
صدر في الجريدة الرسمية 7389 ظهير شريف رقم 1.25.34 بتاريخ 24 مارس 2025 القاضي بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، وسيبدأ العمل به بعد ستة أشهر من هذا التاريخ ونظرا لما لهذا الموضوع من أهمية فقد ظل يعرف نقاشا واسعا داخل الأوساط الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية وبين جميع مكونات المجتمع المغربي، وفي هذا الإطار أكتب هذا المقال بعنوان : "الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للقانون التنظيمي للإضراب".

مرت ممارسة حق الإضراب من العديد من المراحل والمحطات ولم يكن الإضراب في المغرب وسيلة فقط للدفاع عن حقوق الطبقة العاملة والمهنيين، بل ساهم بدور كبير في تحقيق الاستقلال وفي ما تحقق في مجال توسيع الحريات العامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان من خلال ثمان مراحل بدءا من :

1- مرحلة الاستعمار الفرنسي :
وقد تميزت هذه المرحلة بخوض نضالات مريرة من أجل إخراج المستعمر تطلبت تضحيات كبيرة من شهداء ومعتقلين حيث كان الاستعمار الفرنسي يمنع الطبقة العاملة المغربية من ممارسة حق الإضراب إلى أن تمكنت خلال المراحل الأخيرة من تأسيس إطارها النقابي الاتحاد المغربي للشغل في 20 مارس 1955 بتنسيق مع الحركة الوطنية.

2- بداية الاستقلال 1956-1959 :
والتي عرفت خوض إضرابات كثيرة وإصدار العديد من القوانين ذات الأهمية ومنها ظهير 17 أبريل 1957 حول الاتفاقيات الجماعية وظهير 16 يوليوز 1957 بشأن النقابات المهنية وظهير 19 أبريل 1957 حول شروط استخدام العمال الفلاحيين وأداء أجورهم والظهير الشريف رقم 1.59.148 المؤرخ في 30 جمادى الثانية 1379 (31 دجنبر 1959) بشأن نظام الضمان الاجتماعي وظهير 29 نونبر 1960 المنظم للمجلس الأعلى للاتفاقيات الجماعية حيث اشتغل هذا المجلس لفترة زمنية قبل إصدار الظهير كما عرفت هذه المرحلة ارتفاع عدد كبير من المنخرطين في العمل النقابي.

3- مرحلة من 1960 إلى 1975 :
والتي عرفت فك الارتباط بين الحركة النقابية والحركة السياسية التقدمية والتضييق على ممارسة الحق النقابي والاعتقالات والقمع وتراجع نسبة المنخرطين في العمل النقابي وطيلة هذه المرحلة كانت هناك العديد من المحطات ذات الأهمية عانى فيها المناضلون النقابيون عدة أشكال من الاعتقالات ومن الطرد من العمل.

4- مرحلة 1975-1981 :
وبعد المسيرة الخضراء وبتزامن مع الانتخابات الجماعية والبرلمانية عرفت هذه المرحلة ارتفاع عدد المنخرطين في العمل النقابي وتأسيس العديد من النقابات الوطنية بالقطاع العام والوظيفة العمومية، ثم تأسيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل في شهر نونبر 1978 وخوض العديد من الإضرابات ومنها إضراب 30 مارس 1979 يوم الأرض للتضامن مع الشعب الفلسطيني وإضرابات 10-11 أبريل 1979 بقطاعات التعليم والصحة والبترول والغاز والإضراب العام ل 20 يونيو 1981، وتعد هذه المرحلة من أهم المراحل الأساسية في تاريخ الحركة النقابية.

5- مرحلة 1982-1990 :
والتي عرفت التضييق على ممارسة الحق النقابي والاعتقالات والطرد من العمل والتراجع في عدد المنخرطين بالعمل النقابي نتيجة ذلك ، مما أدى إلى توفير الشروط لتوحيد النضال النقابي والسياسي في المرحلة الموالية والتي كان لها تأثير كبير على كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

6- مرحلة 1990-2011 :
والتي عرفت الإضراب العام ل 14 دجنبر 1990 نتج عنه إحداث رجة كبيرة داخل المجتمع المغربي حيث تم ارتفاع عدد المنخرطين في العمل النقابي والسياسي، كما عرفت هذه الفترة تنظيم العديد من المسيرات المليونية في مدينتي الرباط والدار البيضاء من أجل الدفاع عن القضايا الكبرى ومنها التضامن مع الشعب الفلسطيني وقضية المرأة والقضايا الاجتماعية كما عرفت هذه المرحلة في علاقتها بالمراحل السابقة التي أشرنا إليها تحقيق النتائج التالية :
- المكتسبات التي تحققت حول القضايا الاجتماعية للطبقة العاملة :
- توسيع ممارسة الحق النقابي
* تكريس ممارسة حق الإضراب ومنها على سبيل المثال :

- ما حصل بالنسبة لإضراب 5 يونيو 1996 مقارنة مع ما حصل بالنسبة لإضراب 20 يونيو 1981 وإضراب 14 دجنبر 1990 حيث أصبحت الإضرابات العامة تتم بشكل طبيعي دون تضييق عليها ونفس الشيء بالنسبة للإضرابات القطاعية حيث قلت نسبة المضايقات ونفس الشيء بالنسبة للإضرابات في القطاع الخاص وإن كان التضييق بالنسبة للقطاع الخاص لا زال يعرف كثير من المضايقات.
- إبرام أربع اتفاقات اجتماعية (التصريح المشترك لفاتح غشت 1996 - اتفاق 23 أبريل 2000 ، اتفاق 30 أبريل 2003 – اتفاق 26 أبريل 2011) والتي تضمنت عدة مكتسبات لفائدة أجراء القطاع العام او القطاع الخاص
- المكتسبات التي تحققت على مستوى قطاعات الوظيفة العمومية.
- المكتسبات التي تحققت بالنسبة لأجراء القطاع الخاص ومنها مدونة الشغل.
- المكتسبات التي تحققت حول الحماية الاجتماعية.
* المكتسبات التي تعني القضايا المجتمعية :
- فصول دستور فاتح يوليوز 2011 ذات العلاقة.
- المكتسبات التي تحققت في مجال الحريات العامة.
- المكتسبات التي تحققت في مجال حقوق الإنسان.
- المكتسبات التي تحققت في مجال الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
- تنظيم الاحتجاجات السلمية بما يخدم مصلحة الجميع وتوفير الاستقرار السياسي.
* وقد جاءت المكتسبات نتيجة الكثير من التضحيات التي قدمتها الحركة النقابية بسبب خوضها للإضرابات مثلا :
- الاعتقالات والطرد من العمل والتي جاءت على إثر إضرابات 10-11 أبريل 1979
- الشهداء والمعتقلين والمطرودين من العمل والتي جاءت على إثر الإضراب العام ل 20 يونيو 1981
- الاعتقالات والقمع والتي جاءت على إثر الإضراب العام ل 14 دجنبر 1990
- الاعتقالات والقمع التي عرفتها الإضرابات القطاعية
- الاعتقالات والعقوبات والطرد من العمل التي عرفها القطاع الخاص.

7- مرحلة 2012-2021 :
والتي عرفت في المرحلة الأولى العديد من المبادرات النضالية ووحدة العمل النقابي وتنظيم مسيرة الكرامة في 27 ماي 2012 ثم الإضراب العام في 29 أكتوبر 2014، وكان من الممكن أن تتواصل الخطوات وفق ما صارت عليه في المراحل الماضية غير أن حكومة السي عبد الإله بنكيران كان لها رأي مخالف، وهو ما حال دون تحقيق المزيد من المكتسبات.
وفي المرحلة الثانية خلال مرحلة حكومة سعد الدين العثماني التي عرفت ابرام اتفاق 25 أبريل 2019 وكان من الممكن أن تسير الأمور أحسن مما عرفته لو أن السيد رئيس الحكومة أعطى للموضوع ما يستحق من أهمية لكونه كلف وزارة الداخلية بهذه المهمة وهو ما لم يكن كافيا .

8- المرحلة من 2022 إلى 2026 :
وبعد مجيء حكومة السيد عزيز أخنوش التي جدت ظروف متوفرة أحسن من غيرها بحكم ما تحقق من تراكمات خلال المراحل الماضية بفضل التضحيات التي قدمتها الطبقة العاملة وبفضل ما عرفه الحوار الاجتماعي من تقدم ومن تطور كبير جعلها تسرع بإبرام اتفاق وميثاق 30 أبريل 2022 غير أنها لم تعمل بالجدية اللازمة على تنفيذ ما تضمنه هذا الاتفاق، وكان من الممكن لو تم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه أن يؤدي ذلك إلى التوافق ليس فقط على قانون الإضراب بل على مجموع القضايا المطروحة على مائدة الحوار الاجتماعي وهي سلسلة تتكامل فيما بينها وإيجاد الحلول لها يتطلب أن تتم مناقشتها في آن واحد بشكل متوازي والعمل على ما يلي :

*اعتماد الحوار الاجتماعي وفق منظور شمولي وذلك عن طريق :
1- تفعيل اللجنة العليا التي يجب أن تشتغل بشكل مباشر وبحضور فعلي لجميع أعضائها بمن فيهم رئيس الحكومة والأمناء العامون للمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية ورئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، قصد الإشراف ومتابعة جميع مراحل الحوار ودون ذلك لا يمكن للحوار الاجتماعي أن يسير بشكل طبيعي وأن يتم إيجاد الحلول للقضايا المطروحة على الوجه المطلوب.
2- تفعيل الحوار ثلاثي الأطراف ةالذي يجمع في آن واحد كل من رئيس الحكومة والوزراء ذوي العلاقة والمكاتب التنفيذية في المركزيات النقابية والاتحاد العام لمقاولات المغرب .
3- تفعيل الحوار القطاعي على جميع قطاعات الوظيفة العمومية وأن لا يرتبط فقط بميزان القوى لبعض القطاعات.
4- تفعيل الحوار على مستوى الجهات والأقاليم وهو ما لم يتم على أرض الواقع .
5- تفعيل الحوار على مستوى القطاعات المهنية وتقوية دور اتفاقيات الشغل الجماعية
6- تفعيل اللجان الموضوعاتية بشكل دائم بين دورة أبريل ودورة شتنبر قصد اقتراح الحلول للقضايا المطروحة على طاولة الحوار الاجتماعي والمتمثلة في :
1- تعميم وتقوية الحماية الاجتماعية وإصلاح صناديق التقاعد
2- ملائمة الأجور والأسعار
3- مراجعة أنظمة الوظيفة العمومية وتعميم وإحداث الأنظمة الأساسية لقطاعات الوظيفة العمومية
4- احترام الحريات النقابية وتعديل قانون النقابات المهنية
5- تطبيق مقتضيات مدونة الشغل وتعديل المواد التي يتطلب تعديلها بالتوافق
6- تنظيم حق الإضراب
المراحل التي عرفها تنظيم حق الاضراب
أولا: تنظيم ممارسة حق الإضراب منذ مرحلة الاستعمار الفرنسي بدءا من :
- إصدار ظهير 19 يناير 1946
- ثم ظهير 17 أبريل 1957
- المجلس الأعلى للمفاوضة الجماعية ظهير 29 نونبر 1960
- المفاوضة الجماعية مواد مدونة الشغل من 92 إلى 102
- الاتفاقات الاجتماعية واتفاقيات الشغل الجماعية
- ما تكرس على أرض الواقع من خلال الممارسة
ثانيا : تنظيم حق الإضراب من خلال الممارسة :
- من خلال الممارسة على أرض الواقع تم التوصل إلى :
- توسيع الحق في ممارسة حق الإضراب الذي اصبح يشمل أغلبية الاجراء
- تجاوز الاختلاف حول ممارسة الإضراب في بعده الاجتماعي والسياسي
- إقرار الإضراب التضامني
- إقرار الإضراب من أجل حماية الحق النقابي
- إقرار الإضراب من أجل تطبيق القانون
- تحديد مهلة الإخطار بالإضراب في أجل 48 ساعة من أجل الإخبار القبلي
- ممارسة الإضراب داخل أماكن العمل عندما تقتضي الضرورة ذلك دون عرقلة حرية العمل
- تحديد قواعد توفير الحد الأدنى من العمل
ثالثا - أسباب نشوء الإضرابات والتي تتمثل في :
- التضييق على الحريات النقابية
- عدم تطبيق مقتضيات مدونة الشغل
- عدم تطبيق قانون الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي
- رفض الحوار عند تأسيس المكاتب النقابية وعند تقديم الملفات المطلبية.
- -غيار الحوار في جل قطاعات الوظيفة العمومية
- عدم تسوية وضعية الفئات بقطاع الوظيفة العمومية
- عدم احترام دفاتر التحملات من طرف المقاولات المتعاقدة
- عدم احترام مقتضيات مدونة الشغل عند تسوية نزاعات الشغل الجماعية خاصة فيما يتعلق بتركيبة اللجان والاجالات
- التأخير في اداء الاجور وعدم احترام دورية الأداء
- التهرب من الحوار عند تقديم الملفات المطلبية للمقالات
- نقص حصيلة الاتفاقيات الجماعية رغم المجهودات التي تبدل
رابعا - الحوار الثلاثي الأطراف :
ومن خلال ما أشرنا إليه في الثلاث نقط السابقة يتضح أنه كان من الممكن الوصول إلى التوافق حول قانون الاضراب من خلال الحوار الثلاثي الأطراف، بما يأخذ بعين الاعتبار مصالح الأطراف الثلاث وبما يخدم المقاولة والاقتصاد الوطني.

7- دور النقاش الفكري والعلمي :
- وكان من الممكن لو تم استثمار النقاش الفكري والعلمي أن يتم إيجاد الحلول لجميع القضايا المطروحة على مائدة الحوار الاجتماعي بما في ذلك التوافق على ممارسة حق الإضراب باعتباره وسيلة أساسية لتحقيق التوازنات بما يخدم مصلحة جميع الأطراف، وهو ما يستدعي مستقبلا ضرورة توسيع النقاش الفكري والعلمي بمشاركة السلطة الحكومية والأكاديميين والمركزيات النقابية وأرباب العمل والهيئات الحقوقية قصد وضع تصور لما يمكن القيام به مع مراعاة التوازنات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والحفاظ على ما تحقق من تراكمات خلال المراحل الماضية.
وقصد تدارك التقصير الحاصل يتطلب أن يتم خلال المراحل المقبلة الممتدة من شهر ماي 2025 إلى شهر أبريل 2026 تنظيم ثماني ندوات على الشكل التالي :
1- تفعيل الحوار الاجتماعي وفق ما جاء به اتفاق وميثاق 30 أبريل 2022
2- تقوية دور المؤسسات الاجتماعية وتعميم الحماية الاجتماعية على جميع الأجراء وإصلاح صناديق التقاعد
3- ملائمة الأجور والأسعار
4- مراجعة نظام الوظيفة العمومية وتعميم الأنظمة الأساسية على قطاعات الوظيفة العمومية
5- حماية ممارسة الحق النقابي وتعديل قانون النقابات المهنية
6- تطبيق مقتضيات مدونة الشغل وتعديل المواد التي يتطلب تعديلها التوافق
7- وضع تصور لممارسة حق الإضراب وفق ما يخدم مصالح جميع الاطراف
8- ابراز دور الحوار الاجتماعي في علاقته بالقضايا الاجتماعية والمجتمعية

8- القضايا الكبرى الاجتماعية والمجتمعية :
إن تفعيل الحوار الاجتماعي وفق ما تحقق من تراكمات خلال المراحل الماضية من شأنه أن يؤدي إلى إيجاد الحلول للقضايا المطروحة على مائدة الحوار الاجتماعي والمتعلقة بتحسين الأوضاع الاجتماعية للطبقة العاملة أن يؤدي أيضا إلى تقوية المقاولة وتقوية الاقتصاد الوطني وإزالة أسباب التوترات الاجتماعية وتوفير مناخ اجتماعي سليم وتقوية التماسك الاجتماعي وتقوية المنظمات النقابية والأحزاب السياسية.
 
عبدالرحيم الرماح، رئيس المنتدى المغربي للتنمية الاجتماعية