الشرقاوي: سوق الأدوية المضادة للسرطان بالمغرب.. غنيمة للشركات الدوائية أم هاوية مالية للتأمين الصحي الإجباري؟

الشرقاوي: سوق الأدوية المضادة للسرطان بالمغرب.. غنيمة للشركات الدوائية أم هاوية مالية للتأمين الصحي الإجباري؟ الدكتور أنور الشرقاوي
أصبحت بعض الأدوية المضادة للسرطان اليوم نجوماً ساطعة في سماء مختبرات الدواء الأمريكية، تُدرّ عليها الأرباح كما يدرّ الوابل الغزير على أرض عطشى.
 
لقد تحوّلت المناعة، نعمة الخالق في جسد الإنسان، إلى تجارة هائلة؛ ومنذ عام 2014، جنى تجار الصحة والأدوية أكثر من 130 مليار دولار، وأعلنوا للعالم انتصار السوق على الإنسان.
 
وفي عام 2024 وحده، اقتربت مبيعات هذه العقاقير من 30 مليار دولار، فحققت رقماً فوق رقم، وأسطورة فوق أسطورة، تحت لافتة "الابتكار" و"الأمل"، فيما الحقيقة المؤلمة أن جيوب المرضى قد نزفت قبل أن تُنزف أورامهم.
ليست هذه الطفرة سوى مشهد من مشاهد التحول العالمي، حيث أصبحت علاجات السرطان، من الأدوية الموجهة إلى العلاجات المناعية، سلعة لا يطالها إلا أصحاب المال والنفوذ، بأسعار ارتفعت حتى وصلت إلى قلاع شاهقة لا تراها عيون الفقراء.
 
وهل طالت هذه العاصفة المغرب أيضاً؟ 
وهل يسير دواؤنا كما تسير رياح الأسواق العالمية، علماً وعلةً، ثم ألماً وهزيمةً؟
إن نفقات علاج السرطان في العالم ستتجاوز، عما قريب، 300 مليار دولار، والمستشفيات في دول الشمال تصرخ: كفى! والأنظمة الصحية تنهار تحت وطأة الابتكار المسموم بالمال.
 
أما نحن في المغرب، فقد بدأنا نشعر بنَفَس هذه العاصفة: علاجات موجهة وعلاجات مناعية دخلت خجولة إلى بعض المراكز المختصة، لكنها كالأحلام في عيون المرضى، تقف أمامها جدران الأسعار العالية والقدرة الشرائية المتهالكة.
 
تتحرك صناديق التأمين الصحي عندنا (الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي سابقاً) ببطء ثقيل، تَردّ طلبات الاسترجاع، أو تبت فيها بعد طول انتظار، ليبقى العلاج حلم الأغنياء وكابوس الفقراء.
 
هل يستطيع المغرب أن يقف أمام هذا " التسونامي العلاجي " القادم ؟
يترقب أطباؤنا تطورات السوق العالمية، يرون بأعينهم أعداد الإصابات بالسرطان تتزايد، خاصة بين النساء والشباب، ويسمعون نداء المرضى المتعطشين لعلاج يُعيد لهم الحياة.
 
ولكن أين المستشفيات العمومية من هذا كله؟ بالكاد تستطيع أن توفّر العلاج الكيميائي التقليدي، فكيف بها أن تلحق بركب العلاجات الجينية والمناعية؟
 
في بلد تتسع فيه الفجوة الاجتماعية كما تتسع الهاوية، يصبح الحديث عن "عدالة العلاج" ضرباً من الأمل البعيد، بل ربما من السخرية السوداء.
 
نحو نموذج مغربي للأدوية المضادة للسرطان؟
أمام هذه الرياح العاتية، هل يصنع المغرب نموذجه الخاص، بعيداً عن منطق الاستسلام؟
لدينا بعض التجارب، نعم، ولكنها تحتاج إلى تقييم عميق، وإلى عقل يُثريها ويُطورها.
 
بين استيراد الأدوية الجنيسة، والتفاوض الجاد على أسعار الابتكارات الدوائية، وبناء شراكات حقيقية، يمكن أن لمغرب الأدوية الفعالة والتطورة ان يشق طريقه.
 
ولكن هذا الطريق، لكي لا يكون وهماً، يحتاج إلى إرادة سياسية صلبة، وإلى ضمير صحي حي، وإلى رجال ونساء لا يبيعون وجع المرضى في مزادات المال والنفوذ.