كثيرا ما تطرح أسئلة حول أسباب مقاطعة فئات واسعة من المغاربة للانتخابات، وعن أسباب النسبة الضعيفة للمشاركة في الانتخابات، والتي لاحظ الجميع أنها أصبحت معضلة حقيقية تمس مشروعية المؤسسات المنبثقة عنها، .وكذلك عن سبب هذه النسبة الهزيلة للمغاربة المنخرطين في الأحزاب السياسية؟ لكن، بالمقابل، يتساءل الملاحظ عن سر هذا الاهتمام الكبير بحدث انعقاد مؤتمر حزب العدالة والتنمية، وعن الحضور المكثف للشأن العام في نقاشات المغاربة في اجتماعاتهم ودردشاتهم والتي تعبر عنها بجلاء مواقع التواصل الاجتماعي.
الواضح أن هذه الفئات الواسعة من المغاربة المقاطعين للانتخابات وغير المتحزبين يمتلكون وعيا سياسيا حقيقيا، و ليسوا عدميين أو لا مبالين بأوضاع بلدهم... ذلك أن مقاطعة جلهم للانتخابات ترشحا ومشاركة هو برهان عدم ثقة في لعبة غير نزيهة ومعدة نتائجها سلفا، وبلاعبين لا يحترمون قواعد التنافس الشريف، وبحكم متحيز لأطراف بعينها.. كما أن انقسام الرأي العام بين متعاطف مع بنكيران وحزبه، ومعترض على أدائه في الحكومات السابقة، يعبر بشكل جلي، عن وجود وعي سياسي، وعن وجود رأي عام، وعن وجود اهتمام بالشأن العام، وعن رغبة لدى المغاربة في وجود مؤسسات تمثيلية حقيقية ديمقراطية، منبثقة من إرادتهم الحرة، ومعبرة عن اتجاهات الرأي العام..
والأهم في هذا كله، أن هذه الفئات المقاطعة اتخذت قرارها عن وعي تام، أي أن الأمر يتعلق بمقاطعة سياسية، بعدما اكتشفت ان جل الاحزاب مصنوعة صنعا في المطابخ المعلومة، أو تم اختراقها وإلحاقها بفئة الاحزاب المسيرة بالتيليكوموند المعلوم، وأن العروض السياسية الموجودة لا تمتلك الاستقلالية ولا تعبر عن طموحاتهم، وهي مجرد كائنات معلقة في الهواء، تسيرها أياد خفية تضخها بالدعم والنفوذ..
المغاربة محتاجون اليوم اذن وبكل إلحاح، الى أحزاب حقيقية نابعة من الشعب، وسياسيين قريبين من الشعب، وبرامج تعبر عن طموحات وآمال الشعب في العيش الكريم..
حان الوقت اليوم لترفع "جهات ما" في الدولة يدها عن الشأن الحزبي، وتنتهي عن مهزلة تفريخ أحزاب مخزنية تجمع لوبيات الفراقشية لصوص المال العام والريع.. حان الوقت لكي تنتهي مهزلة تزوير الانتخابات وتفصيلها على المقاس.. حان الوقت لكي تقطع الدولة مع عادة الإتيان بقطعان الأعيان المفسدين وملء الحقل السياسي بهؤلاء الفراقشية الذين لا هوية ولا طعم لفعلهم السياسي، ولا تحركهم غير اللهطة على المال العام والنفوذ، حان الوقت لتكون الانتخابات مؤسسة للقرار السياسي، وأن تكون المؤسسات المنتخبة مصدر التشريع والرقابة بحق.. لم يعد هذا المشهد البئيس يثير غير الاشمئزاز والسخرية السوداء.. لم يعد هذا الوضع الحزبي المتعفن يعجب أحدا، غير فئة قليلة مستفيدة من ريعه..
أول الواجبات، أول مداخل الإصلاح والوطن على مرمى تحديات كبرى، إصلاح الحقل الحزبي ونزاهة الانتخابات، وحلّ الأحزاب الإدارية، والعزل السياسي لكل من تورط في الفساد والتسلط.. والتوقف عن تزوير الانتخابات، وعن التدخل في المشهد الحزبي..
اتركوا الشعب يؤسس أحزابه، ويختار ويحاسب من يحكمه، وكفى من ديمقراطية الواجهة واحزاب الكوكوت مينوت وأعيان المال الفاسد..
المغاربة يمتلكون ما يكفي من النضج والوطنية والمسؤولية والتجارب والأفكار والطاقات، لكي يؤسسوا أحزابا حقيقية، تعبر عن حركية المجتمع وعن آرائهم المختلفة وآمالهم وطموحاتهم وفق القانون والدستور.. والأكيد أن المغاربة سيحسنون الاختيار، والمؤكد في النهاية أننا شعبا ودولة سنكون بخير، وسنتقدم..