يقدم إدريس قصوري، أستاذ جامعي ومحلل سياسي، قراءة لمستجدات ملف الصحراء المغربية، مسلطًا الضوء على التحولات الجيوسياسية والدبلوماسية التي جعلت من مقترح الحكم الذاتي خيارًا واقعيًا ومدعومًا دوليًا. ويرى قصوري أن المغرب تجاوز مرحلة الدفاع عن المقترح نحو مرحلة التنفيذ، مدفوعًا بإجماع أممي واعتراف قوى كبرى كأمريكا وفرنسا. كما تطرق إلى الأبعاد الإقليمية المرتبطة بالملف، والتحديات المرتقبة فيما وصفه بـ"إتقان النهاية".
ما مدى تأثير مواقف الدول الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن (مثل الولايات المتحدة وفرنسا) في صياغة القرار النهائي بخصوص ملف الصحراء المغربية؟
ما نلاحظه اليوم هو زخم دولي في الاعتراف بمغربية الصحراء من كلّ الوحدات الدولية، ومن كلّ القارات، وعلى جميع المستويات، مما يمكن اعتباره استفتاءً دوليًا وأمميًا على مغربية الصحراء والحكم الذاتي، بشكل صريح وشفاف ونزيه، لم يسبق أن حصل إجماع دولي على قرار مثله من قبل.
وقد حُسِم الأمر بتبني الولايات المتحدة وفرنسا، من موقع مكانتهما ودورهما وعلاقتهما بالملف، لنتيجة هذا الاستفتاء بالإجماع، وبه وجهت الأمم المتحدة المبعوث الأممي وكلفته بتنزيل الحكم الذاتي باعتباره الحلّ الوحيد والنهائي لنزاع الصحراء على أرض الواقع.
وبذلك، لم يعد هناك نقاش حول الحكم الذاتي أو غيره من الحلول، وإنما أصبح النقاش الدولي والمسؤولية الدولية، اليوم، ذا بُعد إجرائي تنفيذي للحكم الذاتي، حيث دقّت ساعة الحزم بعد الحسم.
وقد سبق للملك محمد السادس أن قال في إحدى خطاباته إنّ المغرب لا يتنازل عن صحرائه ولا عن الحكم الذاتي، وإنما يبحث سُبُلَ تنزيل الحكم الذاتي وكيفية حلّ النزاع بطرق الشرعية الدولية، والتي هي السلم.
لتوضيح الأسس الاستراتيجية للمبادرة الأمريكية تجاه فرض الحكم الذاتي حلًا وحيدًا ونهائيًا لنزاع الصحراء، ننطلق من خطاب تنصيب ترامب في ولايته الثانية، حيث أراد أن يظهر بأنه صوت سلام وحلّ للنزاعات الدولية والمزمنة، مثل نزاع الصحراء، عبر التفاوض الجدي، أي التفاوض الذي يفضي إلى نتيجة راسخة ولا يترك أية فرصة للتلاعب وضياع الوقت.
وهي خطة تقوم على حشر الخصم في الزاوية والضرب بالضربة القاضية وأحادية الموقف حين لا يحقق التفاوض النتيجة المطلوبة.
فترامب حسم موقفه من نزاع الصحراء هو والأمين العام الأممي، وقد أوحى للمغرب بتطبيق الحكم الذاتي بشكل أحادي وفرض الأمر الواقع.
ولا شيء كان سيمنع انفراد المغرب بتطبيق الحكم الذاتي سوى وفاة ترامب.
فالعمل الآن ليس على مبدأ الحكم الذاتي، وإنما على شكل الحكم الذاتي ونوعه وحدوده. وهذا هو موضوع النقاش مع الجزائر.
وقد سبق للملك محمد السادس قبل سنتين أن أكّد في خطاب له بأنّ المغرب لا يتفاوض على صحرائه، وإنما يبحث عن أسلوب لحلّ هذا النزاع.
وهذا ما طلبه المبعوث الأممي دي ميستورا من المغرب توضيحه الآن.
والمغرب سيعمل ربما على تنزيله دستوريًا أولًا في القريب. وبين هذا وذاك، سيتم وضع أعضاء البوليساريو الذين يُقال إنهم موجودون بالجزائر، والمغرب لا يقبل منهم سوى المسجلين في العهد الإسباني، وأغلبهم توفي.
وسيتم الضغط على الجزائر بتسجيل البوليساريو كمنظمة إرهابية، وبفرض العقوبات.
هل تمثّل القرارات الأخيرة لمجلس الأمن تمهيدًا لاعتبار الحكم الذاتي الحل الوحيد؟
القضية الآن، وكأنها أُدخلت الحكم الذاتي في خانة الفصل السابع الإلزامي.
والوضع الحالي يشير إلى أن القرار بتنزيل الحكم الذاتي كمخرج وحيد قد اتُّخذ أمميًا، بعد اتفاق أمريكا وفرنسا عليه.
فأمريكا أكدت موقفها من الحكم الذاتي، وهي مقتنعة بمغربية الصحراء، وفرنسا أبلغت الجزائر بضرورة طيّ الملف وقلب الصفحة والرضوخ للأمر الواقع.
وهو ما تتحرك عليه الآن إقليميًا، علمًا بأنّ روسيا والصين لا تمانعان ضمنيًا، ولا تعارضان أي قرار أممي.
وما الزيارات المكوكية لناصر بوريطة سوى تبليغ الموقف وشرحه للدول وطلب التأييد والدعم لتحقيق مزيد من الإجماع.
وقد لعب استقباله في أمريكا دورًا تيسيريًا لتبليغ الرسالة الأمريكية.
والدول فهمت الرسالة واستوعبت الدرس.
وهذا ما جعل زيارات بوريطة ناجحة وتحظى باهتمام لا يعكس فقط تأييد الحكم الذاتي، وإنما هو رسائل تهنئة للمغرب بطيّ هذا الملف لصالحه.
وهذه التهاني/الإجماع هي استفتاء دولي على واقعية الحكم الذاتي، وهي أكبر مؤشر على قرب صدور القرار الأممي بكتابة أمريكية فرنسية وتأييد دولي.
إلى أي حد نجحت الرباط في فرض رؤيتها كخيار واقعي وجدي لحل النزاع؟
بخصوص نجاح الرباط في فرض رؤيتها، فهذا تحقق منذ أن اعترف ترامب بمغربية الصحراء في ولايته الأولى، وتم تأكيده باعتراف إسبانيا ودول أخرى، وتكرّس الآن بانضمام فرنسا وتجديد أمريكا لموقفها حاليًا.
إنّ المغرب تعامل بذكاء مع ملف الصحراء منذ عودته إلى البيت الإفريقي، وعقده ألف شراكة مع الأفارقة حتى أصبح صوت إفريقيا.
المغرب جعل من الصحراء عمقًا استراتيجيًا للتنمية الدولية والمصالح الدولية كمنصة اقتصادية نحو إفريقيا ومن أجل حمايتها سياسيًا من أي تهور عسكري جزائري.
وقد لعب أدوارًا كبيرة في البنية الإفريقية، وأصبح لاعبًا محوريًا موثوقًا به في تنمية إفريقيا، والمساهمة الناعمة في حل مشاكلها، وتولي مهام دولية فيها.
واقتنع الجميع بأنه هو بوابة إفريقيا، ولا يمكن لا لفرنسا ولا لأمريكا ولا لعدة دول التواجد أو الاستمرار في التواجد من دون بوابة المغرب.
ولعل حصة أمريكا في إفريقيا ضعيفة جدًا، وهي تريد أن تقوي حصتها في قارة غنية واستراتيجية مستقبلًا.
وهذا ما جعل المغرب مساهمًا وفاعلًا وفعالًا وموثوقًا.
فانتزع الاعتراف من الحلفاء والأصدقاء، بل وحتى من حلفاء الخصوم.
أما الجزائر، فقد صُنّفت غير مرغوب فيها حتى من أقرب حلفائها، كعدم الانضمام إلى البريكس، وتصريح لافروف بأنّ الجزائر بلا سمعة.
وإنّ النظام الدولي الجديد والمقبل هو من حسم الأمور لصالح المغرب.
كيف تقيم أداء الدبلوماسية المغربية في حشد التأييد الدولي لمبادرة الحكم الذاتي؟
التأثير ظهر ونتائجه تتحقق على أرض الواقع من خلال زيارات بوريطة، ومن خلال تناسل مواقف التأييد.
وهذه الدينامية هي في ظاهرها مغربية، ولكن في ثناياها يوجد الموقف والرسائل الأمريكية والفرنسية.
والمشكل الآن ليس في صياغة القرار، بل في كيفية إنهاء المخيمات بشكل طبيعي ومرضي ودون آثار جانبية قد تسببها الجزائر، وفي إيجاد ملاجئ لأعضاء البوليساريو بعد تفكيك المخيمات، خاصة إذا كان الوضع قد يفرض تصنيف البوليساريو منظمة إرهابية.
فيجب ترتيب الأوراق مع عدة دول لاستقبالهم.
والمشكل أيضًا في الاستعداد للتقدّم مسافات في الصحراء نحو الحدود الجزائرية، وكيفية إدارة المنطقة في ظهر إدارة الحكم الذاتي ووجهًا لوجه مع عسكر الجزائر.
فالمشكل إذن في كيفية إتقان النهاية التي تبدو أنها دخلت المرحلة الحاسمة والحرجة.
والمشكل يكمن في المحفزات المرضية التي يمكن أن يقدمها المغرب للجزائر، مثل النافذة على الأطلسي ومسارات أخرى.
والمشكل في سلاح البوليساريو.