عبد الرحيم بوعيدة: بين البوز والحوز!!

عبد الرحيم بوعيدة: بين البوز والحوز!! عبد الرحيم بوعيدة
نحن لا ننتقد لأننا نحب الحقيقة، بل لأن “البوز” صار مودتنا الجديدة، ومارك زوكربيرغ رائدنا في الانتقاد.
نصرخ في صفحاتنا لا لنغيّر، بل لنُرى، لنجمع اللايكات، لنؤكد أننا أحياء وأن للفراغ أصواتاً أيضاً.
السيد رئيس الحكومة…
قلتم إننا نبحث عن البوز، لا عن الوطن، ونسيتُم – أو تناسيتم – أنكم أنجزتم كل شيء.
إنجازات ضخمة، لا ينقصها سوى تغيير نظاراتنا لنرى المعجزات.
السيد الرئيس…
بين البوز والحوز، حرف واحد، لكنه الحرف الذي يفرّق بين الصراخ من أجل الضوء، والصمت من أجل الخبز.
هؤلاء الذين يسكنون المغرب العميق لا يعرفون ما معنى “البوز”، يعرفون فقط معنى الجدار… معنى الخيمة… ومعنى أن يبكي العجوز لأن الشتاء دخل من نافذة لا باب لها.
المواطن، يا سيادة الرئيس، لم يعد يبحث عن لغة الخشب، عن الشعارات الرنانة!!
هو فقط يريد أن يتذوّق طعم اللحم، رائحة السردين، عن الدجاجة التي كانت على مائدته ذات يوم.
أحلام صغيرة أصبحت مستحيلة في عهدكم المزدهر.
من حسن حظكم أنكم جئتم في زمن لا مناضلين سياسيين فيه.
لا الشيخ إمام يغنّي، ولا فؤاد نجم يصرخ بالشعر.
جئتم في زمن “أوطوروت” و”مهبول أنا”، زمن اختصار الطرق لا بناءها.
لم تعد الأحذية تُستهلك في النضال ولا الشهادات الجامعية سلّماً للترقي، هي رقصة في لحظة، مصافحة في زمن، وتوقيع على عقد يُنسيكَ كل سنوات النضال.
العروي والجابري ماتا، وماتت معهم البيانات الإيديولوجية، اليوم هناك كُتّاب تحت الطلب، وإعلام ينهل من صنابير الإشهار، وتغرق معه الكلمات الحرة، مثل قشة في فيضان زائف.
السيد الرئيس، لستم وحدكم من اجتمع في فندق خمس نجوم!! جلّ أحزابكم فعلت، وفي تلك القاعات المكيفة، يتعلّم الإنسان كيف يحبّ الكذب.
تصير اللغة ناعمة، والأرقام أنيقة، والوجوه تبتسم لأن كل شيء في الخارج يُنسى.
خارج الفندق، هناك واقع آخر!!
وأنا المتخن بالجراح، أكاد أصدق أنكم حقاً أنجزتم كل شيء، فقط لأنني رأيت “بوفيه مفتوح”، لكن اللعنة على اللحظة، وعلى قطعة لحم تشوّه ذاكرتي وتنسيني “الحوز” و”طاطا” و”تنغير”، حيث “الجن حمو” باع الوهم لقبائل تبحث فقط عن خيط أمل.
كم كنا سنكون صادقين يا سيادة الرئيس، لو عقدنا لقاءاتنا في الجبال!! هناك حيث لا أرقام تتضارب، ولا لغة تتجمّل.
كنا سنرى المنجزات من غير عرض تقديمي.. ونعرف من يستحق الوزارة، ومن يستحق أن يكون نائباً عن الأمة.
في الفنادق نسمع عن واقع آخر، وأنا أكره الصالونات المكيفة، لأنها تخنق الحقيقة، وتجمّل الأكاذيب.
والتصفيق!! وحده من يملأ الصمت.
السيد الرئيس…
أنتم تقودون حكومة عقدها يشبه “زواج المتعة”.
وللأسف، حتى في السياسة، من يتمتع ليس أنتم.
الضرر واقع، والمحاسبة قادمة، إن لم تكن قد بدأت فعلاً بلحم فاسد وسعر فاسد.
احذروا سيدي أن يتحوّل هذا الزواج إلى زواج كاثوليكي…
حيث لا طلاق، ولا تراجع، بل ندم أبدي.
هي مصارحة موجعة، أعرف…
لكنها أصدق من كذب ناعم.
نحن، أبناء هذا الوطن، نقول: “قاسح ولا كذّاب”.
ومن يكون خارج اللعبة، يرى المشهد بعيون لا تخطئ، لأن الألم لا يُزوّر!!