مصطفى المتوكل الساحلي: من هنا انطلق تأسيس الدولة السعدية بجماعة تيدسي نيسندالن بإقليم تارودانت

مصطفى المتوكل الساحلي: من هنا انطلق تأسيس الدولة السعدية بجماعة تيدسي نيسندالن بإقليم تارودانت المنطقة ما زالت تحتاج إلى مشاريع تنموية مهيكلة

تعتبر الجماعة القروية تيدسي نيسندالن التابعة لدائرة أولاد تايمة، المحاذية لجماعة توفلعزت وجماعة آيت عبد الله بدائرة إغرم، ـ وهي جماعات ـ من أكبر مراكز الوطنية والمقاومة التي عطلت بجهادها قوى الإحتلال الغاشمة حتى 1934، حيث اضطرت لاستعمال قوات سلاحها الجوي لدعم مشاتها كما وقع في آيت باعمران بسوس ومناطق أخرى بالأطلس المتوسط نذكر منها بالخصوص منطقة آيت عطا.

التاريخ والمجال والإنسان والموقع

جماعة تيدسي نيسندالن من الجماعات القروية التابعة لدائرة أولاد تايمة وقيادة مشرع العين بإقليم تارودانت، وتبلغ مساحتها 191 كلم مربع، حيث تضم 5424 نسمة، حسب الإحصاء العام للسكان والسكنى سنة 2014، وعدد الأسر بها 1142.

يقع مركز الجماعة ملاصقا للطريق الإقليمية رقم 1723، ويبعد عن مدينة تارودانت بحوالي 30 كلم. كما تبعد منطقة الزيارة عن تارودانت بحوالي 52 كلم، استغرق زمن السفر حوالي ساعة ونصف لكثرة المنعرجات وصعوبتها. وقد سبق أن زرت المنطقة في سنة 1992، قبل تعبيد الطريق تطلبت قرابة ثلاث ساعات، نظرا لخطورة المنزلقات صعودا وهبوطا بسبب الحصى، وكانت وسائل التنقل محدودة جدا في ملكية ساكنة المنطقة تعتمد على سيارات "نيسان" المستعملة لنقل البضائع والإنسان والحيوان.

ومن المعلوم أن جماعة تدسي نيسندالن تتكون من 28 دوار: "تيدسي/ أمشتوتل/ أموسلك/ إيمي يغزر/ تاواجوت/ أسيل/ تمنهروت/ أكنغرار/ توريرت/ تلوم/ أجاريف/ إيداوبران/ تيلازين/ إيغيل البرج/ واغيلاس/ آيت بنهوا/ الگوض/ وانمسا/ تازروت/ تونين/ آيت برايم/ تيفغلت/ آيت حمو/ إنيلف/ والمو/ أفرني"

تقع قبيلة "نيسندالن" بالأطلس الصغير بسوس وسط المغرب، وتحدها شرقا قبيلة "إيندوزال"، وشمالا قبيلة "كطيوة" بلاد الشهيد إبراهيم الروداني، و "قبائل هوارة"، وغربا قبيلة "إيدوسكا إيزدار" وقبيلة "مزداكن" التابعتين لقبائل "إيلالن" والتي تسمى ايضا "هيلالة"، وقبيلة "إيداومنو" الشتوكية، وجنوبا قبيلة "توفلعزت" من قبائل إيلالن التي من مجاهديها وقياديها العظام زمن الاحتلال سي عبد الله زاكور.

وتعتبر من المراكز الأولى التي انطلق منها تأسيس الدولة السعدية خلال القرن 16، لتنتشر حركتها ويتوسع نفوذها، مما وحد حكم المغرب تحت لواء الدولة السعدية، وليمتد إشعاعها ونفوذها جنوبا في أقطار إفريقيا. وتوحد المغاربة تحت رايتهم لطرد الغزو الإيبيري الإسباني والبرتغالي. ولقد كان فقهاء سوس الجزوليين من ركائز قيام الدولة السعدية في تيدسي، وأقاموا عاصمة المغرب بمدينة تارودانت التي تبعد عن مدينة تيدسي بحوالي 30 كيلومترا لتتحول العاصمة لاحقا إلى مدينة مراكش لاعتبارات استراتيجية. وحكموا المغرب من سنة 915 إلى 1069هـ. ـ 1511 ـ 1670م.

اتجه إلى تلمسان الجيش السعدي زمن الملك أبو عبد الله محمد الشيخ ابن أبي عبد الله القائم بأمر الله، فأبعد الأتراك عنها وحررها منهم، وامتد حكمهم إلى وادي شلف فيما يسمى اليوم الجزائر. وفي حقبة المنصور خضعت له بلاد "توات" و "تيكرارين"، وتمكن من فتح بلاد السودان الغربي (سنغاي) واستثمر الذهب الذي يتوصل به من منطقة السودان، واشتغل أهل الاختصاص على صياغة الحلي والنقد، وبسبب هذا سمي بالمنصور الذهبي لوفرة الذهب. قال الفشتالي في "مناهل الصفا عن زمن المنصور" ما يلي: "فكلمة المنصور نافذة فيما بين بلاد النوبة والبحر المحيط من ناحية المغرب". ووثق الحسن الوزان في كتاب (وصف افريقيا) أخبارا عن مدينة تيدسي بسوس التي زارها في رحلته سنة 920هـ / 1515م ، والتي عرفت أراضيها في السهل بالفلاحة وبزراعة قصب السكر.

زيارة ميدانية وتشخيص لتخوم المنطقة

وبخصوص زيارتنا للمنطقة سبق أن التزمت مع الأخ الحاج محمد مماد أن أزوره بمسقط رأسه بدوار "واغيلاس" بمنطقة "إيغيل ن الروط" للاستطلاع وللتعرف على بعض البرامج التنموية الرائدة، وحالت الظروف دون ذلك، إلى أن وقع ما يجعلني عازما على الزيارة لسبب رئيسي هو وفاة والدته، ولسبب ثان التعرف على مسقط رأس الأخ أحمد أبوهوش الذي توجد جذور أسرته في الشق الملاصق لموقع الزيارة بالجماعة الترابية "إيلالة " التابعة لإقليم آيت باها والذي لا يفصله عن منزل سي محمد مماد سوى حوالي 10 كلم، فحددنا يوم الأربعاء 9 أبريل 2026 م الموافق لـ 10شوال 1446 هجرية.

انطلقنا الساعة 9 صباحا من تارودانت مرورا بجماعة مشرع العين، ومنطقة بوغانيم بجماعة أصادص، فالدخول لجماعة تيدسي نيسندالن عبر الطريق الوطنية 1723 لنمر على مناطق : "إيمي إيغزر" ودوار "يول" ومنطقة "تاوريرت" ثم "تلوم" وصولا إلى منطقة "إيغيل ن الروط" فدوار "واغيلاس"، حيث كنا على موعد مع محمد مماد المناضل والزعيم الميداني المرتبط منذ عرفته بخدمة المواطنين والمواطنات في علاقة بالصالح العام منذ أن كان بتارودانت في حي "بوتاريالت البرانية" إلى أن اضطر للعودة إلى مسقط رأسه لرعاية والديه المتقدمين في السن حيث أسس مع ثلة من المواطنين جمعية واغيلاس للتنمية والتعاون المؤسسة عام 2003 ، ثم تأسيس "جمعية الرحمة للماء الصالح للشرب منظومة آيت بن هاوا بجماعة تيدسي نيسندالن" على مقربة من الحدود مع إقليم شتوكة آيت باها حيث يفصل بينهما في أكثر من موقع وادي "إيدا وبران"

ونحن نعبر مجالات توفلعزت وجدنا بعض الآثار الخفيفة لأمطار كانت محدودة خلال الأشهر الماضية مما أضعف نمو الربيع بفعل الحرارة وقلة التساقطات في غالبية سوس ماسة، كما وجدنا الجو متقلبا بين رياح قوية وغبار وتساقطات مطرية ضعيفة جدا تتبخر بفعل حرارة الأرض. والإيجابي هذه السنة هو الحمولة المائية التي عرفها وادي "أسيف إيداوبران" حيث استفادت المياه الجوفية بشكل مهم طمأن الساكنة بتدارك نقصها بسبب جفاف السنوات الماضية.

حصيلة تنموية بجهود المجتمع المدني والشركاء

استمر عمل المجتمع المدني بتعاون ودعم الساكنة وأبنائها المتواجدين بمختلف مناطق المغرب وبدول خارج المملكة ليقوموا بمبادرات مهمة جدا في المنطقة .ومن المبادرات الإيجابية تأسيس جمعية "الرحمة للماء الصالح للشرب منظومة آيت بن هاوا بجماعة تيدسي نيسندالن" عام 2013 إضافة إلى تنوع أعمالها، انصب اهتمامها وجهدها وترافعها لتتوفر الدراسات اللازمة انطلاقا من تحديد موقع البئر، إلى مسارات القنوات في ممرات جبال الاطلس الصغير، وتحديد محطات لتجميع المياه وضخها إلى مختلف الدواوير، من أقصى الجنوب الغربي على حدود إقليم آيت باها إلى دوار آيت حمو المطل على سهل سوس المشرف على هوارة وتارودانت.

بفضل تعاون الجهات المتدخلة والشريكة، وهي وزارة الداخلية، وجماعة تيدسي نيسندالن من جهة، ثم الجمعية والساكنة من جهة أخرى" والذين قاموا بأدوار محورية لتيسير تنفيذ الإجراءات الإدارية والتراخيص ذات الصلة بالمشروع، انطلق الشطر الأول بشركاء الجماعة، والجمعية، إلى جانب منظمة ألمانية بتنفيذ وإشراف المكتب الوطني للماء الصالح للشرب. ويهم 10 دواوير من المشروع بـ : حفر بئر جنب وادي "أسيف إيداوبران" وجعله جاهزا للاستغلال بتمديد قنوات على طول حوالي أربع كيلومترات لضخها بالمحطة الأولى لتزود الصهريج الأول بدوار إيداوبران بسعة 30 متر مكعب لتجميع المياه وضخها.  وتزويد دوار إداوبران من جهة، ثم ضخ المياه إلى المحطة الثانية "أفا أوكني" التي سعة صهريجها 40 متر مكعب، تزود الدواوير التالية: "اجاريف" و "تاوريرت" و "تلوم"، مع ضخ الماء لصهريج المحطة الثالثة بموقع "أفا إغيل نيسحاق" بسعة 50 متر مكعب، تمد الدواوير التالية "آيت واكوري" و "آيت بن هاوا" و "إيكنغرار" و "واغيلاس" ثم "إغيل ن البرج" و "تيلازين" .

أما شركاء الشطر الثاني المتمم للمشروع فنذكر، الجماعة الترابية، إلى جانب وزارة الداخلية، والجمعية، وقد انتهت الاشغال به مؤخرا، حيث سيتم ربط المنازل بشبكة الماء ابتداء من شهر ماي 2025.

ويحتوي المشروع على بناء صهريج بـ "أفا إيغيل نيسحاق" جوار المدرسة العتيقة سيدي الحاج سليمان بسعة 150طن ليزود صهريجا بسعة 50 طن بمحطة "تازروت" لتزويد الدواوير التالية: دوار وانمسا، ودوار تونين، ثم دوار آيت براييم، بالإضافة إلى دوار تازروت، ودوار إين إيلف، فضلا عن دوار أفرنين، ودوار أ الكوض. وسيتم تزويد صهريج آخر بسعة 12 طن، وسيزود كل من دوار آيت حمو، ودوار والمو. ثم تزويد محطة سعتها 12 طن بدوار إيكر ن غرار، وتزويد دوار تيفغلت. إلى جانب محطة أخرى سعتها 12 طن بدوار تاوريرت لتزود دوار يول، ودوار تامنهريوت.

إن أهمية هذا المشروع وقوته تكمن في تعقيدات وصعوبات المنطقة بطرقها الرئيسية والفرعية وبالتضاريس الوعرة بجبال الأطلس الصغير، وضعف الفرشة المائية إلى عدم توفرها في أغلب مناطق جماعة تيدسي باستثناء موقع يوجد بوادي "أسيف إيداوبران" الذي يفصل بين جماعة تيدسي بإقليم تارودانت وجماعة إيلال بإقليم شتوكة أيت باها.

هكذا اشتغل مغاربة العالم ميدانيا

لقد عانت هذه الجماعة وساكنتها مثل غالبية العديد من الجماعات القروية من التهميش والعزلة لعقود ما بعد الاستقلال، وكان للمهاجرين منها للخارج وللمدن المغربية المختلفة منذ أزمنة المقاومة دور أساسي قي سد ما يمكن من خصاص ساكنة الأطلس الصغير على مستوى مختلف ضرورات العيش، وصيانة الطرقات الترابية، وحفر الآبار وبناء خزانات الماء "الْمَطْفِيَاتْ"، مع صيانة وبناء المساجد والمدارس العتيقة وأداء أجور الأئمة، وأداء نسبة مهمة من تكاليف تمويل وتسيير المدارس العتيقة، فضلا عن إحداث أقسام بالتعليم النظامي، والمساهمة في إحداث قاعات للرعاية الصحية، وإبرام شراكات مع القطاعات الحكومية المعنية بتعبيد الطرق التي انطلقت منذ أوائل التسعينات لتربط بين الجماعات والأقاليم المجاورة وخاصة بالأطلس الصغير من إقليم تارودانت وإقليم شتوكة آيت باها وإقليم تزنيت وإقليم سيدي افني، وساهموا حتى في تمويل أبراج الهاتف النقال.

المنطقة ما زالت تحتاج إلى مشاريع مهيكلة تنمويا منها :

ـ ضرورة إتمام تعبيد الطرق الرابطة بين المناطق والدواوير بين إقليمي تارودانت وإقليم شتوكة ايت باها باعتبارهما امتداد قبلي وعائلي وفلاحي وغابوي وسياحي، تأهيل وتثمين المؤسسات التعليمية والخدماتية.

ـ التعجيل ببناء سد على وادي "أسيف إيداوبران" الذي سيعود بالفائدة على الإقليمين على مستوى تغدية الفرشة المائية، وتثمين المجالات البيئية، والإستفادة منه في الأغراض الفلاحية، وتوفير الماء الشروب.

ـ إيلاء الاهتمام اللازم للتعريف بتاريخ المنطقة وأدوارها في مراحل الدولة المغربية، والوطنية والمقاومة بما فيها مواجهة الاحتلال. والتعريف بتراثها المادي واللامادي مع حفظه وتثمينه، وإبراز أدوار المدارس العتيقة والفقهاء والعلماء على امتداد الأطلس الصغير.

وخلاصة القول فإننا نؤكد على أن أهل تيدسي أدرى بالمشاريع الواجب إنجازها وأعلم بملفاتهم المطلبية الساعية إلى إقرار عدالة تنموية مجاليا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.