ظل الصديقان يلحان علي عدة أسابيع في محاولة لإقناعي بضرورة فتح موقع إخباري على الشبكة الزرقاء... كنت في كل مرة أجد الأعذار دون أن أكون مقتنعا بذلك... لكني في نهاية المطاف وافقت واتفقنا على اسم الموقع وبرمجة الحلقات.....
الفكرة
كنت على علم أن المواد التاريخية رغم أهميتها للحفاظ على الذاكرة الوطنية لا تحظى باهتمام جماهيري واسع، بل أكدت الإحصائيات أن الناس يفضلون الأقاويل والخرافات والأخبار الكاذبة بل كانوا يسعدون بطلاق ممثلة أو مرض لاعب في كرة القدم أو إلقاء القبض على أحد المؤثرين... تحولت مجالات الشبكة العنكبوتية إلى «تسونامي للفضائح ومس كرامة الناس والكذب على الأحياء فما بالك بالأموات إلى جانب التشهير والابتزاز.
الموافقة
عندما وافقت على فتح موقع كنت أعلم كل هذا إضافة إلى أنني لا أحسن التعامل مع المعطيات الإلكترونية الضرورية للإنتاج والمونطاج وولوج مساحات واسعة لمس الكثير من الناس... ورغم ذلك تحمست للمشروع واعتبرته واجبا أخلاقياً ووطنيا لابد له من العناد والصبر لإيجاد ولو ثقب صغير ينفذ عبره إلى رواد التواصل الاجتماعي.
الهزيمتان
لقد اخترت أن أبدأ بالحديث عن السلطان الحسن الأول الذي حكم واحداً وعشرين سنة (1873 (1894) في ظروف صعبة واجه خلالها مشاكل داخلية معقدة وضغوطات استعمارية بهدف احتلال المغرب وتحويله إلى مستعمرة... استطاع الحفاظ على استقلاله ووحدته في قارة رفعت الراية البيضاء أمام القوات الاستعمارية... وجد الحسن الأول نفسه أمام تداعيات هزيمتين عسكريتين وما نتج عنهما من مضاعفات داخلية هددت الاستقرار والوحدة الترابية... بدأ ذلك في إيسلي - ضواحي وجدة - حين انهزم الجيش المغربي أمام القوة العسكرية الفرنسية فكان توقيع اتفاقية للامغنية، فقدنا خلالها ذكرى انتصاراتنا السابقة وخاصة في وادي المخازن علمتنا هذه الأزمة ضرورة بناء جيش قوي قادر على مواجهة الأطماع الخارجية... لكن الحظ لم يكن إلى جانبنا سنة 1860 حين هجمت الجيوش الإسبانية انطلاقا من سبتة، واحتلت تطوان. وإذا كانت هزيمة إيسلي لم تتطلب سوى معركة دامت يوماً واحداً فإن هزيمة تطوان سجلت ملاحم للجيش المغربي وصراعا طويلا ومعارك دامت عدة أسابيع... لكننا لم نقوى على مواجهة جيوش إسبانية فاقت المائة ألف جندي.
المشاكل
كان على المغرب ليس فقط أن يضمد جراحه ويتحمل ديونا ثقيلة مقابل انسحاب القوات الأجنبية من ترابه الوطني مما عقد الأزمة الاقتصادية والمالية وما نتج عنها من فراغ في صندوق الدولة»... أضف إلى ذلك ظهور المحميين وهم من المغاربة الذين تأمروا للحصول على حماية أجنبية عبر القناصل... هذه الحماية تجعلهم لا يدفعون الضرائب ولا يخضعون لقوانين الدولة بل لا يقفون أمام القضاء حتى ولو كانوا ظالمين.
النتائج
شرحت كل هذا بتفصيل في عدة حلقات وتعرضت للرحلات (الحركة) التي قادها الحسن الأول تارة للتذكير بمغربية المنطقة التي يزورها وتارة لمفاوضة قوى أجنبية للانسحاب وأخرى للاقتراب من السكان والاستماع إلى مطالبهم وأخيراً لضرب القبائل الخارجة عن الإجماع.
والحقيقة أنني لم أهتم بعدد المتابعين لهذا الموقع بل كان الصديقان المشاركان يخبراني مندهشين بأن عدد المتابعين في ارتفاع وأن النتائج فاقت ما توقعاه وما تكهن به.... ولا أذيع سرا أنني فرحت ليس الارتفاع عدد المتابعين والمشاركين والمعلقين ولكنني سعدت لكون مواضيع لا تحظى عادة بالمتابعة استطاعت لفت الانتباه والحصول على اهتمام يعكس رغبة الناس في معرفة تاريخ بلادهم وما واجهته من مشاكل ومؤامرات والجهود المبذولة للصمود أمام التيارات الاستعمارية الأوروبية.
رمضان
دامت هذه الرحلة طيلة شهر رمضان تمكنت خلالها من إضافة حلقات خاصة عن حياتي المهنية اخترت لها عنوان «أيام زمان وهو عنوان مذكراتي.... لقيت هذه الحلقات إقبالا كبيراً فاق بدوره كل التوقعات....
وكانت المفاجأة في ليلة العيد حين أخبرني الصديقان بأن عدد المشاهدين فاق المليون والنصف وعدد المشاركين فاق ثلاثين ألفا وعدد التعاليق تسعة ألفاً.
وقفة تأمل
شعرت بالمسؤولية اتجاه هؤلاء الزوار والمهتمين وطلبت مهلة للتفكير والاستعداد وأعلنت عن توقيف التسجيل لمدة قصيرة أسترجع خلالها أنفاسي وأستعد لجولة جديدة .... واستمرت ذاكرة الملوك.