الطيب دكار: ملاحظات حول تقرير "دي ميستورا"

الطيب دكار: ملاحظات حول تقرير "دي ميستورا" الطيب دكار
أعتبر نفسي من بين الذين لهم رأي سلبي حول عرض دي ميستورا أمام مجلس الأمن، حيث أنه لم يستعمل - ولو مرة واحدة - عبارة "الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية" في عرضه، الذي يمتد على صفحتين كبيرتين (النسختان الفرنسية والعربية).

وما أزال أعتقد أن هذا الوسيط الأممي يفتقر بشكل خطير إلى الموضوعية والحياد، ويبدو أن اهتمامه منصب  أكثر نحو مصطلح "الحكم الذاتي الحقيقي"   الوارد في البيان الصحفي لكاتب الدولة الأميركي ، الذي يشير إليه باسمه العائلي (روبيو) خلال محادثاته مع بوريطة (نفس الشيء). ويتجاهل عمدا الإشارة إلى أن هذا الحكم الذاتي يندرج "تحت السيادة المغربية"، مؤكدا على محتوى الحكم الذاتي و"الصلاحيات" التي ستكون من اختصاص الهيئات المسؤولة عن إدارة الحكم الذاتي.

ويبدو أن الوسيط الأممي يجهل أن تطبيقات الحكم الذاتي معروفة في جميع أنحاء العالم، وأنها تطبيقات ُناجحة في إسبانيا وألمانيا ومناطق أخرى ، وأن الحكم الذاتي في الحالة هذه  سيكون موضوع مفاوضات بين الأطراف وأن المغرب اكتفى بطرح هذا الاختيار كحل للنزاع. وتعني "السيادة المغربية"، من جانبها، مجموعة من الصلاحيات التي تحتفظ بها السلطة المركزية بالرباط.

ولا يرى دي ميستورا  في مخيلته سوى مخيمات تندوف، في حين لا يفي بكلمة واحدة في حق الغالبية العظمى من سكان الأقاليم الجنوبية المغربية. ولا كلمة واحدة عن هذه الساكنة التي واكبت التغيرات الاقتصادية والاجتماعية الهائلة، والتي تعيش في رخاء وراحة مادية.   

لماذا يفكر دي ميستورا في الصلاحيات التي ستخول لسلطات الحكم الذاتي - والتي يتوق إلى معرفتها - في "الصحراء الغربية تحت الحكم الذاتي" .وهي  تسمية لوح بها في عرضه أمام مجلس الأمن، ويجب رفضها على الفور، لأن الوضع الرسمي المستقبلي للصحراء لن يكون، مبدئيا، سوى "الصحراء المغربية".

لا أدري ما هو المعنى الذي ينوي إعطاءه لـ "استفتاء ذي مصداقية" حول تقرير المصير  الذي سيعقب المفاوضات والإتفاق بين جميع الأطراف على الحكم الذاتي  إذ ستصادق جميع الأطراف على الحكم الذاتي و ستسعى للدعاية من أجل الموافقة عليه..و لا يمكن استبعاد تصويت سلبي هامشي.

ومن ناحية أخرى، فإن الوسيط الأممي لم يكن متوازناً في تقريره. ففي مخيمات تندوف، قال الوسيط الأممي إنه التقى بممثلي المجتمع المدني والنساء، بينما في العيون، التي يبلغ عدد سكانها 260 ألف نسمة و50 ألف تلميذ مسجلين في 117 مدرسة عامة و116 مدرسة خاصة، لم يلتق بأي امرأة أو ممثلين عن المجتمع المدني. وهو تحيز صارخ، مع العلم أن هؤلاء السكان يتنقلون بحرية في أنحاء البلاد ويسافرون إلى الخارج، دون أي قيود، على عكس سكان مخيمات تندوف، الذين يصفهم بـ"اللاجئين"، رغم أنهم ليسوا كذلك بموجب القانون الدولي، لأنهم غير مسجلين وليسوا أحراراً في التنقل، وخاصة الذهاب إلى البلد الذي يختارونه للعيش فيه. يتم احتجازهم قسرا في تندوف ليكونوا بمثابة عملة للابتزاز بين يدي المجلس العسكري في الجزائر.

في العمق، فإن التحول الذي عرفته القضية الوطنية ليس من صنع دي ميستورا، بل من صنع الولايات المتحدة الأميركية، التي وضعت كل ثقلها لفرض هذا التحول، قبل ساعات قليلة من اجتماع مجلس الأمن. وكان تقرير دي ميستورا سيكون مختلفا تماما لولا تدخل الولايات المتحدة وفرنسا.
 
الطيب دكار/ صحفي وكاتب