أي رعبٍ يسكن النظام الجزائري حتى يُجن جنونه إن اقتربت العدالة من أحد عيونه في باريس؟
ألهذه الدرجة تخيفه المعارضة الرقمية؟ أم أن أمير بوخرص وحده يهدم ما عجزت عنه أجيال من المعارضين؟ العجيب أن النظام، وهو يصرخ في وجه فرنسا، لم يسأل نفسه: ماذا لو فعلتها باريس على أرض الجزائر؟ هل كانت لتسامحها باسم "التفاهم الثنائي"؟...ثم تأمّل المشهد: دولة تزعم أنها ذات سيادة، لكنها ترتعد من تغريدة، وتنكر تورطها رغم أن هاتف الموظف يفضحها. وحين تضيق بها الحجة، تتحوّل إلى شاعر هجّاء، يُلقي اللوم على مؤامراتٍ فرنكوفونية، وعلى جهاتٍ حاقدة لا تريد للعلاقات الثنائية أن تُزهر! كأن النظام لا يزال يعيش في دهاليز الحرب الباردة، يقرأ في دفاتر بائدة، ويظن أن فرنسا لا تزال تسأل الإذن قبل أن تتنفس...لقد أفرطت الجزائر في حب السيادة، حتى أنها تُمارسها خارج حدودها، وتُخرقها في داخلها. فالمواطن الجزائري لا يتمتع بضمانات الموظف القنصلي، والمعارض لا يجد سفارة تحميه، بل يجد سفارة تلاحقه. وهكذا تصبح الدولة، لا حامية لرعاياها، بل صيادًا يطاردهم أينما كانوا.
إنها مأساة مكتملة: نظام يعتقد أن الحصانة تعني الحصانة من الأخلاق، وأن العلاقات الدولية تُدار بمنطق القبيلة. لكن هيهات. فالعالم قد تغيّر، والعدالة لم تعد تسكن القصور، بل تسري في أسلاك الهاتف. وإن كان النظام لا يخجل من توظيف سفاراته لاصطياد معارض، فلا أقل من أن يخجل حين يُضبط متلبسًا،..أما البيان، فكان تحفة خطابية تصلح أن تُدرّس في فن صناعة العدم: كثير من العويل، قليل من الحجة، وشحنة زائدة من النرجسية الوطنية المصطنعة. دولة اختزلت الدبلوماسية في العتب، والسيادة في الصراخ، والعدالة في "توقيت غير مناسب للعلاقات الثنائية".
حقًا، وحده نظام مأزوم يُمكن أن يرى في محاكمة موظف متورط "مساسًا بالكرامة الوطنية"، بينما هو يُمارس خرقها يوميًا تحت عنوان: "الحفاظ على الأمن القومي".