بقلم الدكتور أنور الشرقاوي بالتعاون مع الدكتور بونهير بومهدي، طبيب أخصائي في الأشعة
رجلٌ مستلقٍ على طاولة الفحص، عيناه مغمضتان، غارق في نوم عميق.
حولَه، تتحرك الأجهزة بصمت، مستعدة لالتقاط ما لا يُرى.
في زاوية من الغرفة، يراقب الدكتور "ب.ب." شاشة تضيء بهدوء.
ليست مجرد شاشة مراقبة، بل نافذة مفتوحة على عقل نائم.
بفضل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (IRMf)، تسجل الآلة نشاط الدماغ في الزمن الحقيقي، متتبعة حركة الدم وتوزيع الأوكسجين في مناطق مختلفة من الدماغ.
الهدف؟ فهم كيف تولد الأحلام والكوابيس، وربما في يوم من الأيام، كشف أسرارها.
عندما يرسم الدماغ حلماً
في المراحل الأولى من النوم الحالم، وهي الفترة التي تكون فيها الأحلام أكثر حدة، يكشف التصوير بالرنين المغناطيسي مشهداً مذهلاً.
الجزء الخلفي من الدماغ، وتحديداً القشرة البصرية في الفص القذالي، يضيء.
هذه المنطقة مسؤولة عن معالجة الصور، وتضفي شكلاً وألواناً على الرؤى التي نراها أثناء الحلم.
ثم، في عمق الدماغ، ينشط الفص الصدغي.
وهو مركز الذاكرة واللغة، حيث يتم نسج شذرات من الذكريات وحوارات متفرقة داخل عالم الحالم.
وفي مركز الدماغ، يدخل النظام الحوفي في العمل، وهو موطن العواطف.
هناك، يقوم الحُصين، المسؤول عن تخزين الذكريات، واللوزة الدماغية، التي تنظم مشاعر الخوف، بصياغة الأجواء العاطفية للأحلام.
فرح ، حزن ، دهشة ... كل حلم هو فسيفساء من المشاعر
.
عندما يتحول الحلم إلى كابوس
لكن فجأة، تتغير الصورة على الشاشة.
تزداد الإشارات في اللوزة الدماغية، تلك البنية الصغيرة على شكل لوزة، والمسؤولة عن تنظيم ردود الفعل المرتبطة بالخوف.
يتسارع نبض قلب النائم، وترتجف جفونه.
لقد بدأ الكابوس.
في هذه اللحظة، يصبح النشاط الدماغي فوضوياً.
تتداخل موجات دماغية سريعة، تعرف بموجات ألفا وبيتا ودلتا، مما يدل على اضطراب داخلي.
ورغم أن الشخص لا يزال نائماً بعمق، إلا أنه يعيش تجربة مقلقة، يغلب عليها القلق والشعور بالتهديد.
لماذا تتحول بعض الأحلام إلى كوابيس؟
لا يزال التصوير الطبي لا يقدّم جواباً نهائياً.
لكن الباحثين يرجحون أن الكوابيس ترتبط بذكريات صادمة مدفونة أو بتوتر نفسي حديث.
ويتيح التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي رصد اللحظات التي يبدو فيها الدماغ وكأنه يستحضر خوفاً قديماً ويحاول معالجته أثناء النوم.
الاستيقاظ والنسيان
ثم، فجأة، يتوقف كل شيء. يفتح الرجل عينيه. وتعود الإشارات على الشاشة إلى مستوياتها الطبيعية.
وكأن شيئاً لم يكن...