أهمية تنظيم مباريات للمنتخب المغربي بمدينة الحسيمة لتعزيز الوحدة والانتماء

أهمية تنظيم مباريات للمنتخب المغربي بمدينة الحسيمة لتعزيز الوحدة والانتماء استضافة المباريات الدولية في الملعب الكبير بالحسيمة تعد خطوة هامة في تطوير المدينة من حيث السياحة والاقتصاد
تمثل الرياضة، وعلى رأسها كرة القدم، ظاهرة اجتماعية وثقافية تجمع بين مختلف فئات المجتمع، وتلعب دورا محوريا في تعزيز الانتماء الوطني وترسيخ قيم التضامن والتلاحم بين أبناء الوطن الواحد. وفي إطار هذا الدور الحيوي، تبرز أهمية تنظيم مباريات المنتخب المغربي بمدينة الحسيمة كخطوة استراتيجية تحمل أبعادا متعددة تتجاوز المجال الرياضي لتمس الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

تعد الحسيمة، بموقعها الجغرافي المتميز وتنوعها الثقافي، نموذجا للاندماج الوطني، مما يجعلها خيارا مثاليا لاستضافة الفعاليات الكبرى التي تبرز وحدة المغرب وتؤكد على عدالة التوزيع الجغرافي للاستثمارات الرياضية. كما أن تنظيم مثل هذه التظاهرات يعكس حرص الدولة على تعزيز مبدأ اللامركزية وتقريب الخدمات والأنشطة من جميع المواطنين، مما يعزز ثقتهم في المؤسسات ويقوي شعورهم بالانتماء.

إضافة إلى ذلك، فإن استضافة مباريات المنتخب الوطني في الحسيمة سيكون لها أثر إيجابي كبير على النسيج الاجتماعي، حيث ستساهم في إذابة الفوارق المجالية وتشجيع الحوار بين الثقافات المغربية المتنوعة. كما أنها ستفتح آفاقا جديدة للشباب المحلي، الذين سيجدون في هذه الأحداث مصدر إلهام لتحقيق طموحاتهم الرياضية والاجتماعية.
 
أولا: الأبعاد الاجتماعية والنفسية لتنظيم مباراة للمنتخب بالحسيمة.
 
تعزيز الانتماء الوطني و الشعور بالوحدة الترابية.
إن تنظيم مباريات للمنتخب المغربي بالحسيمة سيساهم في توحيد المشاعر الوطنية بين سكان المنطقة وتعزيز الثقة بين الدولة والمواطنين، مما يعكس الاهتمام الرسمي بجميع المناطق دون استثناء. كما أن ترسيخ الهوية المغربية في نفوس الشباب يصبح أمرا ضروريا، خصوصا في ظل التحديات الجيوسياسية التي تواجهها بعض المناطق.

 
الحسيمة، التي عرفت خلال السنوات الأخيرة حراكا اجتماعيا وفكريا جلب اهتماما كبيرا داخليا وخارجيا، بحاجة إلى مثل هذه المبادرات التي تعزز الشعور بالانتماء الوطني والتماسك الاجتماعي. حراك الريف، الذي كان نتيجة لمجموعة من المطالب الاجتماعية والاقتصادية، كشف عن التوترات والفراغات في العلاقة بين بعض المناطق والدولة. لكن من خلال الرياضة، يمكن تحقيق التصالح الرمزي مع أبناء هذه المناطق، حيث تعتبر مباريات المنتخب الوطني في الحسيمة فرصة للمصالحة وتجديد الثقة بين الدولة والمواطنين، وتعزيز شعورهم بأنهم جزء من نسيج الوطن الذي يعتز بكل مكوناته.
 
إن تنظيم مباراة للمنتخب في الحسيمة لا يقتصر على كونه حدثا رياضيا، بل هو أيضا بمثابة جسر للتواصل بين كافة شرائح المجتمع المغربي، بما يسهم في توحيد المشاعر وتعزيز الوحدة الوطنية.
 
التصالح الرمزي عبر الرياضة.
لطالما كانت كرة القدم أداة فاعلة في توحيد الشعوب، فهي لغة يتحدثها الجميع بلا استثناء. ليست مجرد منافسة بين فرق، بل تجمع بين الشعوب والمجتمعات، وتخلق رابطًا قويًا بين الأفراد بمختلف ثقافاتهم وتوجهاتهم. من خلال الرياضة، يمكن للجماهير أن تذوب الفوارق الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، لتصبح هي اللحظات التي تجمع الوطن بأسره. إن استضافة مباراة للمنتخب المغربي في الحسيمة ستكون فرصة لتعزيز هذا الشعور بالانتماء الوطني، بحيث يشعر سكان المنطقة بأنهم جزء لا يتجزأ من هذا الفخر الوطني الجماعي الذي يعم جميع أنحاء المملكة.
ستساهم المباراة في تعزيز التصالح الرمزي بين الدولة والمواطنين، خصوصا في المناطق التي شهدت توترات في الماضي مثل منطقة الريف، التي كانت محط أنظار خلال حراك الريف. هذه المباراة ستكون بمثابة رسالة من الدولة لجميع المغاربة، مفادها أن كل منطقة من مناطق الوطن تحظى باهتمام خاص، وأن الجميع سواسية في دعم وتشجيع المنتخب الوطني. كما أنها تفتح بابا جديدا للتواصل بين مختلف مكونات المجتمع المغربي، مما يعزز الوحدة الوطنية ويجسد مبدأ التلاحم الاجتماعي.

 
من خلال الرياضة، يمكن للمجتمعات المحلية أن تشعر بأنها جزء من النجاحات الوطنية، مما يدفع إلى تعزيز الثقة المتبادلة بين المواطن والدولة. فالأحداث الرياضية ليست مجرد لحظات من الترفيه، بل هي لحظات تحمل في طياتها رسائل عميقة تساهم في تقوية الروابط الاجتماعية والوطنية، وخصوصا في المناطق التي قد شعرت بالتهميش في السابق.
 
تحقيق انتعاش اقتصادي وسياحي.
إضافة إلى البعد الرمزي، فإن استقبال الحسيمة لمباراة دولية للمنتخب سيشكل فرصة ذهبية للترويج السياحي للمدينة، المعروفة بجمالها الطبيعي وسواحلها الخلابة. الحركية التي سترافق الحدث ستنعش الفنادق والمطاعم والأسواق، مما سيساهم في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي.

 
دحض الصور النمطية وتعزيز التنوع الثقافي.
لا تزال بعض الصور النمطية العالقة في الأذهان تحتاج إلى تصحيح، وتنظيم مباريات بالريف سيكون وسيلة فعالة لكسر هذه القوالب الجاهزة. جمهور الحسيمة معروف بشغفه الكبير بكرة القدم، وسيكون داعما قويا للمنتخب الوطني كما هو الحال في باقي المدن المغربية، مما يرسخ قيم التنوع الثقافي والتلاحم الوطني.

 
تشجيع الشباب ومحاربة التهميش.
تواجه بعض المناطق، بما فيها الحسيمة، تحديات تتعلق بالشعور بالتهميش أو البطالة بين الشباب. إن تنظيم مباريات للمنتخب المغربي سيكون رسالة قوية تؤكد على أهمية إشراك الشباب في الفعاليات الوطنية، مما يعزز ثقتهم في المستقبل. كما أنه يوفر نموذجا إيجابيا يحتذى به، حيث يصبح اللاعبون المحترفون قدوة للشباب في الاجتهاد والانضباط. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه المبادرات تساعد في تقليل الظواهر السلبية مثل الهجرة غير الشرعية أو الانحراف، من خلال إتاحة فرص للاندماج في الحياة العامة.
 
ثانيا: تنظيم مباراة للمنتخب بالحسيمة تكريس سيادة الدولة وتعزيز الوحدة الوطنية.
تنظيم مباراة للمنتخب الوطني بالحسيمة ليس مجرد حدث رياضي، بل هو تعبير رمزي عن السيادة الوطنية على كل شبر من تراب المملكة. من خلال برمجة المباريات في مختلف المدن، تؤكد الدولة حضورها الفعلي وحرصها على إدماج جميع المناطق في المشروع الوطني الشامل.

 
إن مثل هذه المبادرات تساهم في محو أي شعور بالإقصاء أو التهميش، وتجسد رؤية شاملة تجعل من كل جهة جزءا من الرؤية التنموية الكبرى. وعلاوة على ذلك، فإن مباريات المنتخب تُضفي على المنطقة ديناميكية جديدة، مما يعزز إحساس السكان بأنهم شركاء فاعلون في المسيرة الوطنية، وليسوا مجرد متفرجين على الهامش.
 
ثالثا: تجارب دولية، المنتخب الإسباني نموذجا.
تعتبر إسبانيا واحدة من أبرز النماذج الدولية في استخدام الرياضة لتعزيز الوحدة الوطنية، حيث تنظم مباريات المنتخب في جميع أقاليم البلاد بما في ذلك المناطق التي تشهد توترات سياسية مثل كتالونيا والباسك. تبقى المباريات فرصة لتوحيد الشعب الإسباني عبر دعم المنتخب الوطني، مما يعكس قدرة الرياضة على تجاوز الخلافات السياسية.
تنظيم هذه المباريات في مختلف الأقاليم يعزز الهوية الوطنية المشتركة ويوفر منصة للترابط بين المواطنين بمختلف خلفياتهم السياسية. ومن خلال هذه التجربة، يمكن للمغرب أن يستفيد من فكرة تنظيم مباريات المنتخب في كافة جهاته، و من بينها مدينة الحسيمة، لتعزيز الوحدة الوطنية وبناء جسور التفاهم بين مختلف مكونات المجتمع.

 
رابعا: مقترحات لتعزيز حضور المنتخب الوطني بالريف.
برمجة مباريات ودية أو رسمية بالحسيمة في إطار سياسة تهدف إلى توزيع المباريات على مختلف المدن المغربية.
تنظيم معسكرات تدريبية للمنتخب بالريف للاستفادة من مرافق الملعب الجديد وتعزيز التواصل بين الفريق والجمهور المحلي.

 
إطلاق مبادرات كروية في المنطقة، مثل تنظيم دورات تكوينية لفائدة الشباب أو مباريات استعراضية بمشاركة لاعبين دوليين.
 
وفي الأخير يمكن القول أن تنظيم المباريات للمنتخب الوطني في مدينة الحسيمة له دور كبير في تعزيز الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي بين مختلف الجهات المغربية. ورغم الأهمية الكبيرة التي تكتسبها المباريات الدولية بين المنتخبات الأجنبية التي تنظم بالحسيمة، كان من الأجدر أن يتم تدشين الملعب الكبير للحسيمة بمباراة للمنتخب الوطني، حتى وإن كانت ودية. ذلك أن المباراة الافتتاحية للملعب كانت ستعكس رمزية كبيرة في تعزيز الانتماء الوطني لمختلف أبناء الشعب المغربي، وتبرز الحسيمة كجزء أساسي من النسيج الرياضي الوطني.
 
وقد افتتح الملعب الكبير للحسيمة مؤخرا باستضافة مباراتين دوليتين للمنتخبات الأفريقية، حيث تم تنظيم المباراة الأولى في 18 نوفمبر 2024 بين منتخبي جزر القمر و مدغشقر، فيما شهدت المباراة الثانية في 24 مارس 2025 مواجهة بين منتخب غانا ومنتخب مدغشقر. على الرغم من أن تنظيم المباريات مع المنتخبات الأجنبية له دور في تعزيز العلاقات الدولية وجلب الانتباه السياحي والاقتصادي، إلا أن تنظيم مباراة ودية للمنتخب الوطني كان سيكون له تأثير أكبر في تعزيز مشاعر الفخر والانتماء لدى سكان الحسيمة والمناطق المجاورة.
 
إن استضافة المباريات الدولية في الملعب الكبير تعد خطوة هامة في تطوير المدينة من حيث السياحة والاقتصاد، ولكن لا يجب أن نغفل عن الأثر الاجتماعي والنفسي الكبير الذي قد يحدثه تنظيم مباراة للمنتخب الوطني.
محمد بنصديق،  نقابي و فاعل حقوقي.