"إضفاء دينامية جديدة على مهام هذه المؤسسات الدستورية".. هذا ماجاء في بلاغ الديوان الملكي، الإثنين 24 مارس 2025، على خلفية التعيينات العليا التي همت المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والهيأة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها ووسيط المملكة.. تعيينات على رأسها تتوخى تعزيز تفاعلها مع مختلف المؤسسات الوطنية، في مواكبة مختلف الإصلاحات والأوراش الكبرى التي تعرفها المملكة، فمن يكون المعينون الجدد على رأس هذه المؤسسات:
عمارة القادم من المعارضة والوزير الأسبق
آخر منصب تولاه عبد القادر عمارة، القيادي في حزب العدالة والتنمية الذي تم تعيينه رئيسا للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، هو توليه وزارة التجهيز والنقل في حكومة سعد الدين العثماني سنة 2017، وقبل ذلك تولى اعمارة (63 سنة)، منصب وزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة بين 2012 و2013، ثم منصب وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة من 2013 إلى 2016.
ولد عبد القادر اعمارة بمدينة بوعرفة في الجهة الشرقية، حاصل على الدكتوراه من معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة بالرباط سنة 1986، شغل منصب أستاذ باحث بنفس المعهد إلى غاية 2002. كما عمل كمستشار علمي لدى المنظمة الدولية للعلوم بالسويد وذلك لمدة 10 سنوات.
حزبيا وسياسيا، تم انتخاب عمارة كنائب برلماني بدائرة سلا الجديدة بعمالة سلا، لأربع ولايات متتالية 2002، 2007، 2011، 2016. كما شغل منصب رئيس لجنة القطاعات الإنتاجية، ونائب رئيس المجموعة البرلمانية للحزب والنائب الأول لرئيس مجلس النواب.
وعلى المستوى الجمعوي، فإنه عضو مؤسس لجمعية البرلمانيين المغاربة ضد الفساد وعضو سابق للجنة الإدارية للنقابة الوطنية للتعليم العالي.
تعيين عمارة على رأس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وإن كان مجلس استشاريا، خلفا لرضا الشامي، سيجعل للمعارضة البرلمانية ممثلة في حزب العدالة والتنمية منصة من أجل الإدلاء برأيه في التوجهات العامة للاقتصاد الوطني والتنمية المستدامة، باستحضار روح الخطاب الملكي خلال تنصيب سابق للمجلس سنة 2011، عندما قال محمد السادس: "لن نقبل بتحويل هذا المجلس إلى غرفة ثالثة.. كلا، إننا نريده فضاء جديدا واسعا، يعزز ما توفره دولة المؤسسات.."
بنعليلو، الرجل المناسب في المكان المناسب
لم يغادر محمد بنعليلو، الذي تم تعيينه رئيسا للهيأة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، حي الرياض بالرباط، إذ لا يتطلب الانتقال من مقر مؤسسة وسيط المملكة، إلا دقائق قليلة، ومع ذلك فإن هذا الانتقال من مؤسسة مهمتها الدفاع عن حقوق المرتفقين في علاقتهم بالإدارة، والإسهام في ترسيخ سيادة القانون، وإشاعة مبادئ العدل والإنصاف، إلى مؤسسة لا تختلف من حيث الروح عن وسيط المملكة من حيث ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة وثقافة المرفق العام وقيم المواطنة المسؤولة، والإسهام في مكافحة الفساد، سيجعل من الرجل الجديد على رأس هيئة النزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، الرجل المناسب في المكان المناسب.
تدرج محمد بنعليلو، ذو الخلفية القضائية، (50 سنة)، في عدد من المسؤوليات، حيث ترأس مؤسسة وسيط المملكة منذ 13 دجنبر 2018، ويعتبر من الشخصيات البارزة في المجال القضائي والإداري في المغرب. حصل على وسام المكافأة الوطنية من درجة ضابط كبير.
شغل بنعليلو مهام قضائية، منها مستشار بمحكمة النقض، وقاض بالمحكمة الإدارية بالرباط، وقاضي التحقيق بالمحكمة الخاصة للعدل بالرباط، وقاض بالمحكمة الابتدائية بطنجة، كما تولى مسؤوليات ومهام إدارية؛ منها رئيس قطب الشؤون الإدارية والتكوين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ومدير الموارد البشرية بوزارة العدل، ومدير الدراسات والتعاون والتحديث بوزارة العدل والحريات، ورئيس ديوان وزير العدل والحريات، ومستشار وزير العدل في السياسة الجنائية، ورئيس قسم القضايا الجنائية الخاصة بوزارة العدل، ورئيس مصلحة تنفيذ المقررات القضائية في المادة الجنائية بوزارة العدل، وعضو اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة، وعضو وحدة معالجة المعلومات المالية (هيئة متخصصة في مكافحة غسل الأموال)، إضافة إلى اضطلاعه بمهام استشارية عديدة، وشغله مهنة التدريس لسنوات بجامعات متعددة.
يغادر بنعليلو، مؤسسة وسيط المملكة، بعد أن بصم فيها بتسييره الإداري، وقبل ذلك بإنسانيته، في حل عدد من الملفات التي استعصى حلها على حكومة اخنوش، وأبرزها ملف المحامين المرسبين، منهيا إضرابا عن الطعام كاد يودي بحياة المعنيين به، وكذا ملف طلبة الطب والصيدلة وطب الأسنان بعد مقاطعة للدراسة والتداريب الاستشفائية لأشهر طويلة.. كما أن وسيط المملكة في عهد بنعليلو، استطاعت تبوء مكانة عربية ودولية في المنظمات المشابهة التي لها نفس النشاط الوسائطي، ومنها جمعية الأمبودسمان والوسطاء الفرانكوفونيين، حيث انتخب المغرب نائبا أولا لها، وهو نفس المنصب في المعهد الدولي للأمبودسمان..
يدخل محمد بنعليلو، اليوم مقر هيئة النزاهة، وهو يجر معه توصية بارزة في التقرير السنوي الأخير لمؤسسة وسيط المملكة، محذرا فيها من تحول الإدارة المغربية من أداة حاضنة للإصلاح، وعنصر فاعل فيه ومنتج لآلياته، إلى “إدارة معرقلة له”، مؤكدًا أن “النصوص القانونية التنظيمية لورش الدعم الاجتماعي المباشر تطرح العديد من التساؤلات”.
كما يدخل بنعليلو لمقر هيئة النزاهة ووضعية الفساد في البلاد، لاتسر أحدا، من حيث تفشي مظاهره في الوسط الإداري، وتقهقر المغرب في ترتيب مكافحة الفساد، بما يكلفه هذا الأخير من أعباء مالية كبيرة، كان للأوضاع أن تتغير لو وجدت هذه الأموال وأشكال الريع طريقها السريع نحو التنمية المستدامة.
حسن طارق: القادم من تونس لوسيط المملكة
اعتبر احد المتابعين أنه، إذا كان من سياق زمني في هذه التعيينات، فإن ذلك سيكون من خلال تعيين حسن طارق، في منصب وسيط المملكة خلفا لمحمد بنعليلو، فمنذ أيام قليلة وبالضبط يوم 20 مارس 2025، احتفلت تونس بيومها الوطني، تونس التي كان حسن طارق سفيرا بها، قبل أن يتم استدعاؤه للتشاور في أواخر شهر غشت 2022، بعد أن استقبل الرئيس التونسي قيس سعيّد زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي، الذي دُعي للمشاركة في القمة اليابانية الأفريقية للتنمية، خصوصا بعد أن "ضاعفت تونس مؤخرا من المواقف والتصرفات السلبية تجاه المملكة المغربية ومصالحها العليا"، وفق ماجاء في بلاغ/القطيعة للمغرب مع تونس..
ومنذ غشت 2022، طال مقام حسن طارق في المغرب، وأصبح منصب السفارة في المغرب شاغرا، ولم تكن هناك إشارات من البلدين بشأن استئناف العلاقات الديبلوماسية، فكان لتعيين حسن طارق (51 سنة) رسالة واضحة لحاكم تونس، وهي تعليق للعلاقات إلى حين..
تعيين حسن طارق، الكاتب العام الأسبق للشبيبة الاتحادية، والنائب البرلماني عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية(2016.2011)، في منصب وسيط المملكة، سيكون اختبارا حقيقيا لأستاذ جامعي، حصل على الدكتوراه في القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط. كما تولى مهمة منسق لشبكة رؤساء شعب القانون العام والعلوم السياسية بالمغرب.
ولاشك أن تجربة الجامعة والعمل الديبلوماسي، ستكون حاضرة في هذه التجربة الجديدة لحسن طارق، وقبل ذلك تجربته مفتشا بوزارة المالية، ثم مستشارا بديوان كاتب الدولة المكلف بالشباب ما بين 2002 و2007.. كل هذا الرصيد وما راكمته إدارة وسيط المملكة في تعميق المكتسبات، عبر الاستمرار في تحديث آليات تدخل المؤسسة (رقمنة، قرب ..) بشأن مفهوم أوسع “للوساطة”، سيساهم في تعزيز الدور المركزي لمؤسسة الوسيط في تحسين التواصل والعلاقات بين الإدارة والمواطنين.