إدريس الاندلسي: نعيمة سميح في قلب المغاربة

إدريس الاندلسي: نعيمة سميح في قلب المغاربة إدريس الاندلسي
سيظل صوتُ نعيمة سميح خالدًا في قلوب أبناء بلادها. رحلت عن عالمنا بعد عناءٍ ممزوجٍ بالإبداع وسحرِ غناءٍ وصفه الشاعر إبراهيم طوقان بـ"سر الوجود". وُلِد صوتُها ببُحَّتِه من رحمِ المجتمع المغربي بأحيائه العتيقةِ والشعبية، ومعاناةِ أبنائه، وفرحهم، وتدفُّقِ أشكالِ إبداعهم. كان مرورُها خفيفًا، ووقعُ صوتِها عميقًا، وأغانيها صفحاتٍ سُطِّرت عليها تعبيراتٌ تسكن كلَّ من يعيش ليحيى، ومن يحيى ليعشق جمالَ الصدق.

رحلت نعيمة سميح، وكم كان بودِّ الملايين، ممن ملأت قلوبَهم بجودةِ وصدقِ أدائها لفنها وبأخلاقها، أن يشيِّعوها إلى دار البقاء. بَكاها مثقفون وفنانون، وتمنَّوا لو أُتيحت لهم فرصةُ حضورِ جنازتِها وتقديمِ واجبِ العزاءِ لأسرتِها، والصلاةِ على جثمانِها في مسجدٍ تتراصُّ فيه الصفوف، وترتفع فيه الأصواتُ بالدعاء لها، ومواساةِ ابنِها الفنان شمس وكافةِ أسرتها.
 
عاشت بين جيرانٍ وعائلة، وكانت مثالًا للتضامنِ الإنساني والاجتماعي. يموت الفنانُ الأصيلُ ويترك إرثًا غنيًّا لشعبه، ولقد تركت نعيمة سميح إرثًا كبيرًا لا يعرف قيمتَه من يعتبرون الفنَّ مخالفًا لشريعةٍ صنعوها وقدَّسوها، واعتبروا أن الفرحَ والسعادةَ ليستا من النِّعَمِ التي يحبُّ الله تعالى أن يرى آثارَها على عباده.
 
غنَّت نعيمة سميح بجوارحها، وكانت كريمةً وسخيَّةً بأدائها، وروعةِ صوتِها، وعمقِ بُحَّتِها. رافقها في مسيرتها الإبداعية شعراءُ كبار، أمثال: علي الحداني، والطيب لعلج، ومصطفى بغداد، وغيرهم. ونسج الألحان فنانون كبار، أمثال: عبد القادر الراشدي، وعبد القادر وهبي، وسعيد الشرايبي، وعبد الله عصامي، ونعمان لحلو، ومولاي أحمد العلوي، ومحمد بن عبد السلام.
 
عشق فنَّها فئاتٌ عريضةٌ من المغاربة؛ منهم اليمينيُّ واليساري، والمثقفُ والأمِّي، وساكنُ المدينةِ والقرية. وحفظ أغانيَها أهلُ شمالِ المغربِ وجنوبِه وشرقِه وغربِه.
 
إذا كان توديعُ فنانةِ الشعبِ نعيمة سميح قد شهد غيابَ محبِّيها عبر الوطن، فيجب أن تكون أربعينيَّتُها لحظةَ اعترافٍ رسميٍّ وشعبيٍّ بما قدَّمته لبلادها بسخاءٍ وحب. وسيظل صوتُها وفنُّها ملكًا لشعبٍ ردَّد معها: "ياك أجرحي جريت وجاريت". قالت وهي ترحل: "أمري لله".