عائشة العلوي: المواطن لجأ إلى تقليل استهلاك بعض المواد الأساسية أو البحث عن بدائل أقل تكلفة وأدنى جودة

عائشة العلوي: المواطن لجأ إلى تقليل استهلاك بعض المواد الأساسية أو البحث عن بدائل أقل تكلفة وأدنى جودة عائشة العلوي، أستاذة باحثة وخبيرة في الاقتصاد
شهدت‭ ‬أسعار‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬ارتفاعًا‭ ‬حادًا‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬خصوصًا‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬رمضان،‭ ‬الذي‭ ‬عادةً‭ ‬ما‭ ‬يشهد‭ ‬زيادة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬المواد‭ ‬الأساسية‭. ‬
 
بين‭ ‬رمضان‭ ‬2021‭ ‬ورمضان‭ ‬2025،‭ ‬تفاقمت‭ ‬الضغوط‭ ‬الاقتصادية‭ ‬على‭ ‬الأسر‭ ‬المغربية‭ ‬نتيجة‭ ‬عوامل‭ ‬محلية‭ ‬ودولية‭ ‬متشابكة،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬الغلاء‭ ‬عبئًا‭ ‬ثقيلًا،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬على‭ ‬ذوي‭ ‬الدخل‭ ‬المحدود‭.‬
 
بدأ‭ ‬هذا‭ ‬الارتفاع‭ ‬مع‭ ‬تداعيات‭ ‬جائحة‭ ‬كوفيد-19،‭ ‬التي‭ ‬أثّرت‭ ‬على‭ ‬سلاسل‭ ‬التّوريد‭ ‬العالمية‭ ‬وأدت‭ ‬إلى‭ ‬نقص‭ ‬بعض‭ ‬المواد‭ ‬الأساسية‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الأزمة‭ ‬لم‭ ‬تتوقّف‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الحدّ،‭ ‬بل‭ ‬تعمّقت‭ ‬مع‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬المحروقات‭ ‬عالميًا،‭ ‬وتأثير‭ ‬التّغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬على‭ ‬الإنتاج‭ ‬الزّراعي‭ ‬المحلي،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الأزمات‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬أسعار‭ ‬الحبوب‭ ‬والزّيوت‭ ‬النباتية‭.‬
 
إلى‭ ‬جانب‭ ‬هذه‭ ‬العوامل،‭ ‬شهد‭ ‬العالم‭ ‬تحولات‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬بنيته‭ ‬السّياسية،‭ ‬حيث‭ ‬تعززت‭ ‬سيطرة‭ ‬الأوليغارشيات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والمالية‭ ‬والتّكنولوجية‭ ‬على‭ ‬مراكز‭ ‬القرار،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المتقدّمة،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬النّامية‭. ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬أتاح‭ ‬للفئة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬استغلال‭ ‬الأوضاع‭ ‬العالمية‭ ‬غير‭ ‬المستقرّة‭ ‬لتحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬خاصّة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬المواطنين‭. ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬انعكس‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬ضعف‭ ‬آليات‭ ‬المراقبة‭ ‬وغياب‭ ‬دور‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬استمرار‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأسعار‭ ‬رغم‭ ‬استقرارها‭ ‬أو‭ ‬تراجعها‭ ‬عالميًا‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬ظلت‭ ‬أسعار‭ ‬المحروقات‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬12‭ ‬و14 درهمًا‭ ‬للتر‭ ‬رغم‭ ‬انخفاضها‭ ‬دوليًا،‭ ‬مما‭ ‬أثر‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬تكاليف‭ ‬الإنتاج‭ ‬وأسعار‭ ‬السّلع‭ ‬الأساسية‭.‬
 
في‭ ‬السياق‭ ‬نفسه،‭ ‬كشفت‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬عن‭ ‬هشاشة‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬المتبعة‭ ‬في‭ ‬القطاعات‭ ‬الزراعية‭ ‬والحيوانية‭ ‬والغابوية‭. ‬ورغم‭ ‬تصنيف‭ ‬المغرب‭ ‬ضمن‭ ‬الدول‭ ‬الأكثر‭ ‬عرضة‭ ‬لتأثيرات‭ ‬التغير‭ ‬المناخي،‭ ‬استمر‭ ‬الاستغلال‭ ‬العشوائي‭ ‬والمفرط‭ ‬للموارد‭ ‬المائية،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬المهددة‭ ‬بشح‭ ‬المياه،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬الإنتاج‭ ‬الفلاحي‭ ‬وتفاقم‭ ‬معاناة‭ ‬سكان‭ ‬البوادي‭ ‬والواحات‭ ‬والجبال‭. ‬ونتيجة‭ ‬لذلك،‭ ‬ارتفعت‭ ‬أسعار‭ ‬المنتجات‭ ‬الزراعية‭ ‬والحيوانية،‭ ‬مما‭ ‬أثر‭ ‬على‭ ‬مداخيل‭ ‬الفلاّحين‭ ‬الصّغار‭ ‬ودفع‭ ‬العديد‭ ‬منهم‭ ‬إلى‭ ‬النّزوح‭ ‬نحو‭ ‬المدن‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬فرص‭ ‬اقتصادية‭ ‬أفضل‭. ‬وقد‭ ‬انعكس‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬الأسعار‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬الأسبوعية،‭ ‬التي‭ ‬تعدّ‭ ‬المصدر‭ ‬الرئيسي‭ ‬للتسوّق‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمعظم‭ ‬الأسر‭ ‬ذات‭ ‬الدخل‭ ‬المتوسط‭ ‬أو‭ ‬المحدود‭.‬
 
نتيجة‭ ‬لهذه‭ ‬العوامل،‭ ‬سجل‭ ‬التّضخم‭ ‬ارتفاعًا‭ ‬ملحوظًا‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬الممتدة‭ ‬بين‭ ‬2021‭ ‬و2025،‭ ‬مما‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬الضّغوط‭ ‬الاقتصادية‭ ‬على‭ ‬المواطنين‭. ‬وكانت‭ ‬اللّحوم‭ ‬الحمراء‭ ‬والدّواجن‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أكثر‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬ارتفاعًا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬تفلح‭ ‬إجراءات‭ ‬الحكومة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬استيراد‭ ‬اللحوم،‭ ‬في‭ ‬كبح‭ ‬الأسعار،‭ ‬بل‭ ‬استمرت‭ ‬في‭ ‬الارتفاع،‭ ‬مثقلةً‭ ‬كاهل‭ ‬المستهلك‭ ‬المغربي‭. ‬كما‭ ‬ارتفعت‭ ‬أسعار‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬الأساسية‭ ‬الأخرى‭ ‬مثل‭ ‬الحبوب‭ ‬والزيوت‭ ‬النباتية‭ ‬والخضر‭ ‬والفواكه،‭ ‬حيث‭ ‬تجاوزت‭ ‬نسبة‭ ‬الزيادة‭ ‬50%‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الحالات‭. ‬والمفارقة‭ ‬أن‭ ‬المغرب،‭ ‬رغم‭ ‬تمتّعه‭ ‬بساحل‭ ‬طويل،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يوفر‭ ‬الأسماك‭ ‬بأسعار‭ ‬معقولة‭ ‬للمستهلكين،‭ ‬ممّا‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يخفف‭ ‬الضّغط‭ ‬على‭ ‬أسعار‭ ‬اللّحوم‭ ‬والدواجن،‭ ‬ويعزّز‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬والصّحي‭ ‬للمواطنين‭.‬
‮ ‬
في‭ ‬ظلّ‭ ‬هذا‭ ‬الواقع،‭ ‬وجد‭ ‬المواطن‭ ‬المغربي‭ ‬ذي‭ ‬الدخل‭ ‬المحدود‭ ‬نفسه‭ ‬أمام‭ ‬خيارات‭ ‬صعبة،‭ ‬إذ‭ ‬اضطر‭ ‬كثيرون‭ ‬إلى‭ ‬تقليل‭ ‬استهلاك‭ ‬بعض‭ ‬المواد‭ ‬الأساسية‭ ‬أو‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬بدائل‭ ‬أقل‭ ‬تكلفة‭ ‬وأدنى‭ ‬جودة‭. ‬كما‭ ‬أثرت‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬على‭ ‬نمط‭ ‬الاستهلاك‭ ‬خلال‭ ‬رمضان،‭ ‬حيث‭ ‬باتت‭ ‬الأسر‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬شراء‭ ‬الضروريات‭ ‬فقط،‭ ‬متخلية‭ ‬عن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬العادات‭ ‬الغذائية‭ ‬التقليدية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بهذا‭ ‬الشهر‭ ‬الكريم‭. ‬وقد‭ ‬تترتّب‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬آثار‭ ‬اجتماعية‭ ‬ونفسية‭ ‬وحتى‭ ‬سياسية،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬تداعيات‭ ‬صحية‭ ‬سلبية،‭ ‬خصوصًا‭ ‬على‭ ‬الأطفال‭ ‬والمسنّين‭ ‬والنّساء‭ ‬الحوامل‭.‬
 
ورغم‭ ‬أنّ‭ ‬الحكومة‭ ‬أقدمت‭ ‬على‭ ‬تخفيض‭ ‬الضّريبة‭ ‬على‭ ‬الدخل‭ ‬وإقرار‭ ‬إعفاء‭ ‬ضريبي‭ ‬تدريجي‭ ‬للمتقاعدين،‭ ‬إلاّ‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬تظل‭ ‬غير‭ ‬كافية‭ ‬ومحدودة‭ ‬التّأثير‭ ‬على‭ ‬النّموّ‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬خاصّة‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تشمل‭ ‬جميع‭ ‬الفئات،‭ ‬مثل‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬غير‭ ‬الرّسمي،‭ ‬الذين‭ ‬ازدادت‭ ‬أعدادهم‭ ‬مع‭ ‬تصاعد‭ ‬معدلات‭ ‬الفقر‭ ‬والهشاشة‭ ‬والبطالة‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يبيّنه‭ ‬الإحصاء‭ ‬العام‭ ‬للسّكان‭ ‬والسّكنى‭ ‬لعام‭ ‬2024‭ ‬الذي‭ ‬يؤكد‭ ‬استمرار‭ ‬الفوارق‭ ‬المجالية‭ ‬وتفاقم‭ ‬التّفاوتات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬بين‭ ‬الجهات؛‭ ‬والواقع‭ ‬المقلق‭ ‬للبطالة،‭ ‬حيث‭ ‬سجلت‭ ‬معدلات‭ ‬مرتفعة‭ ‬بين‭ ‬الشّباب‭ ‬وحاملي‭ ‬الشهادات،‭ ‬ممّا‭ ‬يعمّق‭ ‬الأزمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭. ‬فالتّحديات‭ ‬المستمرة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ضعف‭ ‬القدرة‭ ‬الشّرائية،‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬الضّغوط‭ ‬على‭ ‬الأسر‭ ‬المغربية،‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬صعوبة‭ ‬متزايدة‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬شؤونها‭ ‬اليومية‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يطرح‭ ‬تساؤلات‭ ‬جوهرية‭ ‬حول‭ ‬توجّهات‭ ‬الدّولة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬المغرب:‭ ‬هل‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬حماية‭ ‬كرامة‭ ‬المواطنين‭ ‬وضمان‭ ‬اندماجهم‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي،‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬تُكرِّس‭ ‬التّفاوتات‭ ‬وتزيد‭ ‬من‭ ‬الأعباء‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والنّفسية‭ ‬عليهم؟‭ ‬وهل‭ ‬بات‭ ‬التّضخّم‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬ظاهرة‭ ‬بنيوية‭ ‬قد‭ ‬تهدّد‭ ‬استقرار‭ ‬الدّرهم‭ ‬وما‭ ‬يترتّب‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬انعكاسات‭ ‬على‭ ‬السّياسات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والمالية،‭ ‬أم‭ ‬أنّه‭ ‬ظرفيّ‭ ‬ما‭ ‬يلبت‭ ‬أن‭ ‬يختفي‭ ‬إذا‭ ‬توفّرت‭ ‬الإرادة‭ ‬السّياسية‭ ‬لذلك؟
‮ ‬
في‭ ‬ظلّ‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬العالمية‭ ‬المستمرّة‭ ‬والمقلقة،‭ ‬يبقى‭ ‬دور‭ ‬المؤسّسات‭ ‬الحكومية‭ ‬والمجتمع‭ ‬المدني‭ ‬محوريًا‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬حلول‭ ‬مستدامة‭ ‬تضمن‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬وتحافظ‭ ‬على‭ ‬الاستقرار‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والسّياسي،‭ ‬كما‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تشديد‭ ‬الرّقابة‭ ‬على‭ ‬الأسواق،‭ ‬ومحاربة‭ ‬الاحتكار،‭ ‬وتشجيع‭ ‬الإنتاج‭ ‬المحلي‭ ‬لتحقيق‭ ‬الاكتفاء‭ ‬الذّاتي،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬توسيع‭ ‬برامج‭ ‬الدّعم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وتعزيز‭ ‬الوعي‭ ‬المجتمعي‭ ‬بالاستهلاك‭ ‬المسؤول‭. ‬وإلى‭ ‬أن‭ ‬تتحقّق‭ ‬سياسات‭ ‬أكثر‭ ‬فاعلية‭ ‬لضبط‭ ‬الأسعار‭ ‬وتحسين‭ ‬القدرة‭ ‬الشّرائية‭ ‬للمغاربة،‭ ‬سيظلّ‭ ‬التّضامن‭ ‬المجتمعي‭ ‬والوعي‭ ‬الاستهلاكي‭ ‬عنصرين‭ ‬أساسيين‭ ‬لمساعدة‭ ‬الأسر‭ ‬على‭ ‬التّكيف‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬التّحديات‭ ‬المتزايدة‭.‬
 
إلى ذلك الحين، أختم قولي: لله يكون في عون الأسر المغربية ذات الدخل المتوسط والمحدود في هذا الشهر الكريم.