أكد المشاركون في اللقاء التواصلي حول قانون المالية 2025، المنظم بمدينة تاونات يوم 22 فبراير 2025، من طرف "منتدى كفاءات إقليم تاونات"، بشراكة مع "منتدى الباحثين بوزارة الاقتصاد والمالية" وبتعاون مع جماعة تاونات، أن التحديات الكبرى التي تواجه قانون المالية الحالي تتعلق بتثبيت الدولة الاجتماعية، وتوطيد دينامية الاستثمار، ومواصلة تمويل إنجاز الأشغال المهيكلة الكبرى، حيث يتوخى من الميزانية العامة للدولة أن تستجيب لانتظارات المواطنين في خلق المزيد من فرص الشغل، وتعميم التغطية الاجتماعية، وتيسير الولوج إلى الخدمات الصحية، وخفض أسعار المواد الغذائية الأساسية، وامتلاك السكن الملائم، وتحقيق العدالة الضريبية، فضلا عن مواصلة إنجاز الأشغال الكبرى المرتبطة بدعم البنيات التحتية.
وإعتبر ادريس الوالي رئيس "منتدى كفاءات إقليم تاونات"، في الجلسة الافتتاحية في اللقاء التواصلي ،أن الغاية من عقد هذا اللقاء هو نقل مناقشة قانون المالية من إطاره المركزي إلى مناطق بعيدة ونائية كتاونات، من أجل إشراك المجتمع المدني في هذا النقاش العام، وفتح المجال للأطر العليا المتخصصة لتحليل مضامين قانون المالية وتبسيط مقتضياته، والاستماع إلى ملاحظات وحاجيات المواطنين، كما يأتي هذا اللقاء، يضيف الوالي، في سياق حرص المنتدى على الاهتمام بكفاءات الإقليم في كل القطاعات، ومنها قطاع الاقتصاد والمالية، خدمة لقضايا التنمية بالإقليم ومتطلبات سكانه.
في حين اعتبر عثمان المودن، رئيس "منتدى الباحثين بوزارة الاقتصاد والمالية"، أن انعقاد هذا اليوم الدراسي، الذي احتضنه مركز التكوينات التابع لوزارة التربية الوطنية بتاونات، يندرج ضمن قافلة تجوب بعض مناطق المغرب يُتوخى منها تكريس النقاش العمومي على موضوع ذي طابع نخبوي، وإشراك المجتمع المدني في مناقشة وفهم مقتضيات قانون المالية، وتحليل بعض مضامينه والاستماع إلى ملاحظات المواطنين.
وقال عبد الرزاق الهيري، أستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله، في مداخلة حول "السياق والتحديات والتوجهات المستقبلية لقانون المالية 2025"، أن قانون المالية الحالي يتضمن طموحات كبيرة على مستوى تمويل الأوراش الكبرى المهيكلة، ومواصلة بناء الدولة الاجتماعية، والمحافظة على موازنة الدين الخارجي، إلا أن هذه الطموحات تصطدم بإكراهات عديدة؛ منها تفاقم أزمة التضخم، وانخفاض نسبة النمو المتوقعة هذا العام بسبب استمرار الجفاف، واستمرار غلاء الأسعار مقابل تدني القدرة الشرائية للمواطنين، وهشاشة القطاعات غير المهيكلة.
وأشار الهيري في هذا الإطار إلى أن التزامات الحكومة بتخفيف نسبة البطالة وتوسيع قاعدة التغطية الصحية وتحسين جودة التعليم، باتت في مهب الريح في ظل الإكراهات البنيوية التي تواجه المغرب، ومنها ارتفاع نسبة الفقر المدقع على الصعيد الوطني ب 3.9 في المائة، وارتفاع هذه النسبة إلى 9.2 في المائة بجهة فاس مكناس كأول جهة من حيث استفحال الفقر على المستوى الوطني، وارتفاع نسبة البطالة، حيث تشير المعطيات الرسمية إلى وجود 4 مليون و400 ألف شاب تتراوح أعمارهم ما بين 15 و34 سنة بدون شغل ولا تكوين وخارج أسوار المدرسة.
كما توقع المتدخل مجموعة من المخاطر الخارجية التي قد تواجه قانون المالية لسنة 2025، ومنها الإجراءات الحمائية التي اتباعها الرئيس الأمريكي الحالي التي تؤثر سلبا على ارتفاع المواد الاستهلاكية الأساسية بالمغرب، وكذا تباطؤ النمو العالمي، وعدم المساواة في مجال استعمال التقنية والذكاء الاصطناعي، والتغيرات المناخية.
وفي ظل هذا الوضع، اعتبر الأستاذ عبد الرزاق الهيري أن الحلول العملية التي يفترض أن ينهجها المغرب لمواجهة هذه الإكراهات، هو الاستثمار في العنصر البشري، وتطوير البنية التحتية، والعمل على الاستقرار الماكرو اقتصادي، وتعزيز الأمن الرقمي، وتشجيع الابتكار، والحفاظ على التماسك الاجتماعي، والتصدي للمعلومات المضللة والمشككة، وإشراك الشباب في المشاريع الوطنية، ومحاربة الفوارق الاجتماعية والمجالية. قائلا: "نريد مغربا ضمن الاقتصاديات العالمية الصاعدة".
من جهته، أوضح البرلماني محمد احجيرة، رئيس لجنة مراقبة المالية العمومية بمجلس النواب، أن قانون المالية لسنة 2025 يأتي في سياق خاص، حيث يتزامن مع ذكرى مرور 25 سنة عن تربع جلالة الملك محمد السادس على عرش أسلافه المنعمين، وهي مناسبة تحمل دلالات كبرى وعميقة في ارتباط الشعب بالعرش المجيد، كما أن هذا القانون يأتي بعد انصرام نصف ولاية الحكومة الحالية، مما يطرح ثلاثة رهانات كبرى لاستكمال الالتزامات التي جاء بها البرنامج الحكومي؛ يتعلق الرهان الأول بمواصلة تثبيت الدولة الاجتماعية، ويرتبط الرهان الثاني بتوطيد دينامية الاستثمار وخلق فرص الشغل، ويتعلق الرهان الثالث بمواصلة إنجاز الأشغال المهيكلة الكبرى.
وفي هذا الإطار أكد المتدخل احجيرة أنه تم رصد 345 مليار درهم للاستثمار في المشاريع المهيكلة، ومنها تمويل المشاريع المرتبطة بتظاهرتي كأس إفريقيا وكأس العالم، ورصد 85 مليار درهم لقطاع التعليم، وتخصيص 34 مليار درهم لقطاع الصحة، وهي ثالث ميزانية بعد التعليم والداخلية، وتهم تأهيل 540 مركزا صحيا بكافة التراب الوطني، وإحداث 6500 منصب شغل في القطاع، وكذا رصد 14 مليار درهم لخلق فرص الشغل، وحوالي 10 مليار درهم لقطاع السكن، و10 ملايير درهم لتعزيز الحماية الاجتماعية (التغطية الصحية والاستفادة من تعويض فقدان الشغل، وإصلاح أنظمة التقاعد)، فضلا عن مواصلة تمويل مبادرة دعم امتلاك السكن التي استفادت منها حوالي 25 ألف أسرة حتى شهر أكتوبر الماضي.
ولاحظ النائب محمد احجيرة أن مجموعة من الإكراهات تواجه تنزيل التزامات الحكومة في قانون المالية الحالي، على رأسها استمرار أزمة التضخم، وآثار الفيضانات التي حصلت في بداية الموسم الحالي، ومخلفات زلزال الحوز، فضلا عن استمرار عواقب الجفاف وحدة الوصول إلى الماء الصالح للشرب، دون إغفال تفاقم معضلة التهرب الضريبي، رغم التحسن الملحوظ في مداخيل هذا القطاع بفضل المجهودات الكبيرة التي بذلها المغرب في الآونة الأخيرة التي مكنت من تحصيل 19 مليار درهم في ظل سنة واحدة.
وأشار النائب البرلماني على هامش عرضه إلى أن إقليم تاونات يحظى بحقه في التنمية من خلال الميزانية العامة للدولة؛ من خلال تخصيص 300 مليون درهم لحل مشاكل التزود بالماء الصالح للشرب، وبناء الطرق، خاصة مواصلة إنجاز الطريق المزدوج بين فاس وتاونات، والإبقاء على مشروع إحداث نواة جامعية بالإقليم.
وفي عرض ثالث حول "تعميم ورش الحماية الاجتماعية: أية حصيلة؟" شدد حاتم سراج، باحث في الاقتصاد والتنمية، أن ورش تعميم الحماية الاجتماعية يأتي في صلب الأولويات ببلانا؛ بدليل أنه ورد في عشر خطب ملكية خلال السنوات الأخيرة، ويتعلق هذا الورش أساسا بتعميم التعويض الإجباري عن المرض، وتعميم الدعم الاجتماعي المباشر، والتعويض عن فقدان الشغل؛ مبرزا في هذا السياق أن برنامج تغطية الصحية مكّن لحد الآن من تحقيق نسبة 87 في المائة من المغاربة الذين ولجوا نظام التغطية الصحية الإجبارية، وهو ما كلف خزينة الدولة 11 مليار و400 مليون درهم، في حين أن الدعم الاجتماعي المباشر للأسر المحتاجة الذي صرفته الدولة لحد الآن ناهز 27.5 مليار درهم.
وسجل المتدخل سراج من جهة أخرى وجود عجز في الأنظمة الصحية، ما يطرح أعباء إضافية على نفقات الدولة، والحل يكمن في كيفية التحكم في النفقات، وتدبير مخاطر صحتنا، والتحلي بالقيم والأخلاق.
على صعيد آخر، اعتبرت هند بوشان، إطار بالإدارة العامة للضرائب، أن مشروع قانون المالية الحالي يواجه تحديات كبيرة في ظل إكراهات دولية ومحلية عديدة، مما سينعكس على مجموعة من القطاعات الحيوية، إلا أنه ينبغي ألا يتخلى عن مجموعة من الرهانات الوطنية الكبرى؛ وفي مقدمتها مواصلة الأوراش الاجتماعية التي تهم المعيش اليومي للمواطنين، ودعم الأشغال المهيكلة الكبرى، وتعزيز المزيد من المكتسبات المرتبطة بتحقيق العدالة الضريبية.
وأكدت المتدخلة بوشان في عرضها بعنوان "المقتضيات الضريبية لقانون المالية 2025: تحليل الفرص والتحديات"، أن الإصلاح الجبائي الذي جاء به القانون الإطار 69/ 19من شأنه تحقيق العدالة الضريبية، وتنزيل الالتزامات الحكومية الواردة في الحوار الاجتماعي، ومكافحة التهرب الضريبي، ومعالجة هشاشة القطاعات غير المهيكلة. وأكدت أن تنزيل مقتضيات الإصلاح الضريبي من شأنه تخفيف العبء الضريبي عن ذوي الدخل المحدود وتحقيق العدالة الضريبية، ومكافحة التهرب الضريبي، وتعزيز الثقة بين الإدارة الضريبية والمواطنين.
وتمحورت مداخلة المهندسة غزلان عماري، خبيرة معتمدة لدى وزارة السياحة، حول سبل النهوض بالاستثمار السياحي، حيث اعتبرت أن النهوض بهذا القطاع أصبح أحد الرهانات الكبرى لبلادنا، خاصة في ظل الاستحقاقات الرياضية الكبرى التي ينتظرها المغرب في تنظيم كأس إفريقيا وكأس العالم، لذلك أطلقت الدولة، في هذا السياق مبادرة "كو سياحة" التي ترمي إلى تشجيع كل الفاعلين والمنعشين في هذا القطاع على إيلاء الاهتمام لبنيات الاستقبال والإيواء والإطعام والترفيه، حيث تتراوح مساهمة الدولة لدعم مبادرات السياحية ما بين 35 إلى 90 إلى المائة، وتهم مشاريع الإيواء والإطعام التي تحترم معايير الجودة في الخدمات وحسن التدبير ، وأيضا المبادرات السياحيات الصديقة للبيئة.
في سياق آخر، أكد المصطفى القيطوني،الخبير في المالية العمومية و أستاذ زائر بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أن الدولة استطاعت ضمان قدر كبير من الشفافية والنزاهة في تمرير الصفقات العمومية، من خلال رقمنة مساطر المشاركة عن طريق البوابة الإلكترونية التي تم إحداثها في سنة 2006 من لدن وزارة الاقتصاد والمالية.
واعتبر المتدخل في عرضه حول "دور بوابة الصفقات العمومية في تعزيز شفافية الشراء العمومي"، أن البوابة الإلكترونية مكنت المقاولات من قاعدة معلومات آنية وكافية عن الصفقات العمومية، وساهمت في تطوير وتبسيط المساطر، كما ساهمت في حسن تدبير المال العام، ووفرت المناقصات الإلكترونية، وفتحت الباب للشركات الدولية للمشاركة...
ودعا المتدخل المصطفى القيطوني في هذا الإطار إلى تشبيك نظام البوابة الإلكترونية مع أنظمة المداخيل والنفقات من أجل التقليل من أخطاء العامل البشري، وضمان المزيد من الشفافية والنزاهة، كما دعا المقاولات الصغرى والمتوسطة بتاونات إلى الإقبال على البوابة الإلكترونية للمشاركة في الصفقات العمومية على امتداد التراب الوطني، وتحيين التوقيع الإلكتروني كل ثلاث سنوات لتفادي أي إخلاق بقانون الصفقات.
في آخر هذا اللقاء فتح المجال للحاضرين من أجل مناقشة مضامين العروض، حيث تم التركيز على أن قانون المالية ينبغي أن يكون واقعيا ومنصفا، بحيث يراعي التوزيع العادل للاستثمارات العمومية، ويسمح للمناطق النائية والفقيرة من حقها في فرص التنمية الحقيقية، ويراعي النفقات غير المتوقعة المرتبطة بالظواهر الطبيعة القاهرة، ويزيد من الاعتمادات المالية المخصصة للحماية الاجتماعية في مجالات الشغل ومحاربة البطالة والهدر المدرسي والولوج للخدمات الصحية، دون إغفال اعتماد المزيد من الصرامة في التصدي للتهرب الضريبي.
وتجدر الإشارة أن هذا اللقاء تخلله تكريم وجه نسائي معروف ويتعلق الأمر بالأستاذة الجامعية بالرباط العضو في منتدى كفاءات إقليم تاونات فاطمة الحمدان بحير، التي قامت بإقتدار بتسيير هذا اللقاء الهام المنعقد لأول مرة بمدينة تاونات.
ويندرج هذا التكريم للأستاذ فاطمة الحمدان تقديرا لمسارها ومسيرتها المهنية الغنية والمتنوعة التي تمتد لأكثر من 40 سنة في الجامعة المغربية.
كما كانت مناسبة لمنتدى كفاءات إقليم تاونات للإحتفاء بالتلميذة دعاء البقال عبر تشجيعها بدعم مالي إعتبارا لمساهمتها في إنجاز أحسن تغطية صحفية (خاصة بتلميذات وتلاميذ مستوى الباك بإقليم تاونات) خلال اليوم الدراسي حول تقنين القنب الهندي الذي نظمه المنتدى يوم 29 دجنبر 2024 بمدينة تاونات حيث حصلت على الجائزة الأولى من طرف لجنة إعلامية برآسة الأستاذ عبد السلام الزروالي الحايكي (مندوب جهوي سابق لوزارة الإتصال) و الصحافيين كل من : محمد الزوهري (أستاذ جامعي للتواصل والإعلام بكلية سايس بفاس) ومريم المغاري (من إذاعة فاس) وحميد الأبيض (عن جريدة "الصباح").
تاونات نت