أكد الموقعون على مبادرة الخطوة الحرة أن "تخليق" الحياة العامة يمثل أحد المفاهيم الأكثر حضورا في خطابات الملك محمد السادس منذ توليه العرش (خطابات العرش 2005، 2011، 2013، 2016، 2017، مثلا)، ما يؤكد الحاجة إلى تجديد الوعي الأخلاقي، مشيرة بأن ذلك المفهوم المحوري لم يحظ في النقاش العمومي بالمكانة اللائقة وبما ينسجم مع إرادة تخليق المرفق العام، كونه على تماس مباشر مع المواطن.
كما سجلت بأن المسألة الأخلاقية في واقعنا لا تزال تخضع لثلاث مقاربات ضيقة:
أولا، مقاربة معظم الأحزاب السياسية، والتي قام بعضها بصياغة مواثيق أخلاقية على خلفية حملة التطهير الجارية، لكنها أفقرت البُعد الأخلاقي حين اختزلته في عدم وجود ما يستوجب أي متابعة قضائية!
ثانيا، مقاربة معظم قوى التكنوقراط، والتي دأبت على اختزال السياسة في مجرد أبعاد تقنية تُهمش أسئلة القيم والسلوك المدني، وتضع المسؤوليات الأخلاقية للعيش المشترك على هامش التدبير السياسي.
ثالثا، مقاربة معظم القوى المحافظة، والتي تختزل المسؤولية الأخلاقية للإنسان في مجرد شكليات تندرج أصلا ضمن حرمة الحياة الخاصة للأشخاص.
وأكدت مبادرة الخطوة الحرة بأن السياسة نشاط إنساني يدور حول مبدأ الصالح العام، وهو مبدأ أخلاقي يُبنى في الأذهان قبل الأعيان، ولذلك يكون النفور الغريزي لدى البعض من المبادئ الأخلاقية العقلية مجرد كسل معرفي يعيق إمكانية تخليق الحياة العامة، ومن ثم تستشري أمراض الجشع والحسد والحقد والطمع.
وذكرت أن الإمكانيات التي بدأ يتيحها الذكاء الاصطناعي، من حيث إمكانيات استعماله في التزييف الجذري، والتغليط العميق، واقتحام حرمة الحياة الخاصة للأشخاص، تجعل من تخليق الحياة العامة إحدى أولويات العيش المشترك، وهو الأمر الذي ينبغي أن تنخرط فيه مؤسسات التنشئة الاجتماعية، الأحزاب السياسية كافة، ومعها قوى المجتمع المدني بكل مجالاتها، من المجال الحقوقي إلى المجال البيئي، ومن المجال الثقافي إلى المجال التنموي، وإلى المجال الرياضي.
كما دعت إلى تجديد القوانين الوطنية والدولية لأجل إعادة ضبط الثورات المتسارعة في الذكاء الاصطناعي، والتعديل الوراثي، واستعمالات الفضاء، وهو ما يتطلب الرفع من مستوى تكوين المشرعين في مؤسساتنا التشريعية، كما أكدت أيضا الحاجة إلى تحديث أخلاقيات المواطنة على أساس مبدأ الصالح العام للوطن، ومبدأ الصالح العام للحضارة الإنسانية، ذلك أن دائرة المسؤولية الأخلاقية تبقى أوسع من دائرة المسؤولية القانونية، بل هي التي تضمن لها النجاعة والفعالية، طالما تضرب بجذورها في وجدان الإنسان من حيث هو كائن عاقل يشعر بقيمته وكرامته، ويأنف الشرور التي تحط من كرامته حين يسقط عنها الستار، أو هكذا يُفترض.
وتعتبر أن التأصيل الأخلاقي لمفهوم الصالح العام داخل الوجدان العام، باستعمال آليات التثقيف الشعبي والتنوير العمومي، هو أساس تخليق مجال تدبير الشأن العام، وذلك بعيدًا كل البُعد عن ثقافة الوعظ والنصح والتي لا تعطي أكلها على الدوام، بل قد تُعطي نتائج عكسية في بعض الأحيان، لا سيما حين تُبنى على قيم الترهيب والترغيب.