أكد عبد الجليل أبو المجد، باحث في الشأن النقابي، أن القانون التنظيمي للإضراب، الذي صادق عليه مجلس النواب في قراءة ثانية، سيمنع أي جهة من خوض الإضرابات باستثناء النقابات. وأضاف أن المحكمة الدستورية ستفصل في الجدل الدائر حول هذا القانون، مشيرًا إلى أن المشرع منح للإضراب أهمية خاصة بإدراجه ضمن القوانين التنظيمية.
صادق مجلس النواب في قراءة ثانية على قانون الإضراب، في الوقت الذي خاضت فيه النقابات إضرابًا عامًا احتجاجيا. ما رأيك في التطورات الأخيرة بخصوص المصادقة على هذا القانون؟
الإضراب حق إنساني، وقد أكدت جميع الدساتير المغربية، منذ 1962، على هذا الحق، ونظّمته عبر قانون تنظيمي وليس قانونا عاديا، رغبة في الرفع من قيمته ومنحه أهمية خاصة. بينما في بعض الدول، مثل تونس أو بعض الدول الأوروبية، تم تنظيمه عبر قانون عادي أو مرسوم.
لماذا أصرت الحكومة على تمرير قانون الإضراب في هذه الظرفية، رغم مطالبة النقابات بالعودة إلى طاولة الحوار الاجتماعي والتوصل إلى قانون متوافق عليه؟
ينص دستور 2011 على ضرورة الحسم في جميع القوانين التنظيمية خلال الولاية التشريعية الأولى. وقبل 2016، أعدّت الحكومة مسودة قانون تضمنت عقوبات زجرية صارمة، لكنها قوبلت بالرفض من قبل مختلف الفاعلين. وبعد ذلك، تم إعداد صيغة جديدة عقب جلسات الحوار مع النقابات، غير أن الحكومة احتفظت بالعقوبات السجنية، التي أُلغيت لاحقا خلال جلسة المصادقة، والاكتفاء ببعض العقوبات المالية. ومن أسباب رفض النقابات لهذا القانون، عدم تعميق النقاش حوله، حيث تنظر إليه بريبة بسبب بعض مواده.
ماهي هذه الفصول؟
من بين القضايا المثيرة للجدل، مسألة الآجال. فهناك حالات مثل تأخر صرف الأجور أو عدم دفع مستحقات الضمان الاجتماعي، لا يمكن انتظار الآجال القانونية فيها قبل شن الإضراب. هذا الأمر اعتبرته النقابات تقييدا للممارسة الإضرابية.
بعد مصادقة مجلس النواب في قراءة ثانية على قانون الإضراب، ما هي الخطوة المقبلة حتى يدخل حيّز التنفيذ؟
لم يتم الحسم نهائيا في هذا القانون، فالإضراب مسألة عفوية في جميع دول العالم، خاصة في الدول التي تتمتع بمساحات واسعة من الحرية. ولا يمكن معالجته بالقانون فقط، ولكن بالعدل والإنصاف والحرص على أداء الحقوق، مما يساهم في تقليل معدلات الإضراب. هناك وجهتا نظر حول المصادقة على هذا القانون في المغرب: الأولى ترى أنه يهدف إلى تقييد الحق في الإضراب، بينما الثانية تعتبر أن الحكومة امتلكت الشجاعة لتنظيمه قانونيا تنفيذا لما ينص عليه الدستور. وبالعودة إلى سؤالك، فإن الخطوة المقبلة هي إحالة القانون على المحكمة الدستورية، كما يمكن للنقابات الغاضبة اللجوء إلى منظمة العمل الدولية للطعن فيه.
هل هناك جهة محددة مخوّل لها اللجوء إلى المحكمة الدستورية للطعن في قانون الإضراب؟
لا، فالقوانين التنظيمية تحال وجوبا على المحكمة الدستورية، نظرا لأهميتها. كما أن دستور 2011 تضمّن عدة قوانين تنظيمية جرى إخراجها إلى حيّز الوجود، ومع المصادقة على قانون الإضراب، يكون الدستور قد تم تنزيله بالكامل.
ما هي المدة التي تحتاجها المحكمة الدستورية للحسم في قانون الإضراب؟
في الحالات الاستعجالية، يمكن أن تُصدر المحكمة الدستورية قرارها في غضون ثمانية أيام، أما في الحالات العادية، فلديها مهلة شهر للحسم في القوانين التنظيمية، باعتبارها جزءا من الدستور ولها أهمية خاصة. من الجدير بالذكر أن المصادقة على القوانين التنظيمية داخل البرلمان تتطلب حضورًا مكثفًا للنواب، وهو ما لم يتحقق خلال جلسة المصادقة على قانون الإضراب، حيث سجل غياب العديد من البرلمانيين، علما أن هذا القانون له علاقة مباشرة بالمجتمع، والإنتاجية والاستثمار.
انتقدت بعض النقابات المنهجية التي اعتمدتها الحكومة في إعداد قانون الإضراب، معتبرة أنه كان من المفروض توسيع دائرة التشاور ليشمل جميع الفاعلين في المجتمع المغربي (نقابات، جمعيات المجتمع المدني، منظمات حقوقية..). ما رأيك؟
المعني الأول بهذا القانون هي النقابات، قبل أي جهة أخرى.
لكن هناك جهات أخرى قد تقرر خوض الإضراب مستقبلا، خصوصا أن المغرب عرف تجربة التنسيقيات التي خاضت إضرابات، كما حدث في قطاع التعليم؟
في ظل هذا القانون، سيتم منع جميع الجهات من خوض الإضراب، باستثناء النقابات، إذ سيصبح هذا الحق حصرا بيدها. وهذا من شأنه أن يعزز دور النقابات في المشهد الاجتماعي. أما التنسيقيات والجمعيات، فلن يكون بإمكانها خوض الإضراب إلا إذا كانت منضوية تحت لواء إحدى النقابات المعترف بها.