سعيد الكحل: تعديل مدونة الأسرة يكشف عداء جماعة ياسين للنظام وللنساء

سعيد الكحل: تعديل مدونة الأسرة يكشف عداء جماعة ياسين للنظام وللنساء سعيد الكحل
لا تختلف جماعة العدل والإحسان عن النظام الجزائري. فكلاهما يعانيان من عقدة النظام الملكي/المخزن، ويعلقان عليه كل المشاكل مهما كانت بسيطة كعدم صلاحية ملعب كرة القدم في الجزائر، أو وجود خلاف بين زوجين في أسرة مغربية. فكلاهما يتخذان من العداء للملكية/المخزن مادة لتصريف أحقادهما. ذلك أن جماعة ياسين، ومن شدة حقدها وعدائها للنظام الملكي، تعتبره، من جهة، مصْدر كل المشاكل والشرور، ومن جهة ثانية، العائق الرئيسي أمام كل الحلول. لهذا لا تكف الجماعة عن اشتراط إزاحة النظام الملكي وإقامة نظام بديل أيا كانت طبيعته ما عدا النظام الوراثي. فالجماعة» لا يعجبها العجب ولا الصيام في رجب«. لهذا تجزم الجماعة، بخصوص تعديل المدونة، أن "اختزال كل المشاكل في نص قانوني لن يعالج تلك الاختلالات التي أفرزها التنزيل طيلة عقدين من الزمن. وهذا لا يعني التنقيص من أهمية التشريع، ولكن لأنها ترتبط بقضايا خارج النص القانوني، فهي مرتبطة بمنظومة الحكم وطريقة التدبير لقضايا السياسة والاقتصاد والمجتمع".

عداء للنظام وظلم للنساء.

تفوح كتب مرشد الجماعة وبياناتها وما تصدره من وثائق بالحقد المقيت للنظام الملكي والسعي للإطاحة به إما "بالقومة" أو بحمل السلاح. طبعا الدولة المغربية حازمة في اجتثاث أي جماعة تسعى لتشكيل جناحها العسكري أو استغلال الشارع لأهدافها الانقلابية. ولا تتطرق الجماعة لأي قضية مجتمعية إلا ووضعت الشرط الرئيسي لحلها هو تغيير النظام. وهذا الذي ركزت عليه في مذكراتها الثلاث المتعلقة بمناقشتها لتعديل مدونة الأسرة بتاريخ 21 نونبر 2023، و4 يناير 2024، ثم 24 يناير 2025. علما أن جلالة الملك هو من بادر، في خطاب العرش 2022، إلى الدعوة لتعديل المدونة. الأمر الذي يضع الجماعة في كثير من التناقضات، يمكن إجمالها في التالي:

1 ـ مناهضة مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية: رغم أن المشروع جاء بمبادرة من حكومة صاحب الجلالة لرفع الظلم الاجتماعي والقانوني عن النساء، فإن الجماعة ناهضت المشروع وشاركت في مسيرة 12 مارس 2000 بالدار البيضاء إلى جانب حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح. إذ بدل المساهمة في تقديم المقترحات ودعم الإصلاح، قررت التصدي له. وقبل المطالبة بتعديل المدونة، لم يصدر عن الجماعة أي مطلب برفع الظلم الاجتماعي والقانوني في المدونة؛ ما يعني أنها كانت راضية على وضعية التبخيس والظلم التي عانت منها النساء لعقود.

2 ـ شعار العدل مقابل تكريس الظلم: في الوقت الذي يقر فيه النظام بوجود ظلم قانوني واجتماعي للنساء، ويتبنى المطالب النسائية بالإصلاح والمراجعة، ثم يفتح ورش التعديل بإشراك فعاليات المجتمع وقواه الحية، تصطف الجماعة إلى جانب مناهضي حقوق النساء لرفض التعديلات التي وافق عليها المجلس العلمي الأعلى، رغم تواضعها ولم تكن في مستوى انتظارات الجمعيات النسائية والحقوقية. وهذه نماذج من الظلم الاجتماعي والقانوني التي تكرسها مذكرات الجماعة الثلاث:

أ ـ سياق وزمن تعديل مدونة الأسرة غير مناسبين: فالجماعة لا تعتبر الاختلالات والانحرافات التي كشف عنها تطبيق المدونة، ولا الظلم القانوني الذي تعاني منه النساء قضايا ذات أولوية أمام "الظروف التي يعيشها المغرب في مقدمتها الزلزال الذي ضرب أنحاء متعددة من المغرب والذي ما زال المتضررون يعانون تداعياته، والاحتقان الشعبي بسبب عدد من الملفات الاجتماعية الحارقة بالإضافة الى الاعتداء الصهيوني الغاشم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني خصوصا في قطاع غزة... بما يجعل فتح ورش كبير ومصيري في هذه السياقات يفوّت لا شك فرصة التعبئة له والمشاركة فيه، ويصرف

الأنظار عن عدد من القضايا المهمة". تبرير لا يستقيم مع الإرادة السياسية للدولة وللأحزاب وهيئات المجتمع المدني المصرة على تحمل مسؤولياتها في فتح مشروع تعديل المدونة والمشاركة الفعالة في معالجة الاختلالات. وليس غريبا على تيار الإسلام السياسي أن يواجه المطالب النسائية بكون السياق غير مناسب، أو أن المراجعة ليست من الأولويات، أو أن المطالبين بالتعديل يخدمون أجندات أجنبية تسعى لتفكيك الأسرة وتخريب المجتمع.

ب ـ تدبير الأموال الزوجية: تعرف الجماعة الأموال الزوجية "تلك التي حصلت عليها الأسرة بعد الزواج، وجاءت نتيجة للجهد المبذول من قبل الزوجين". ولا تعترف الجماعة بدور العمل المنزلي للزوجة في تكوين الأموال الزوجية. لهذا نجدها تحصر الإشكال في حالتين فقط: "الحالة الأولى: حينما يتفق الزوجان على الإدارة المستقلة لمكتسباتهم المالية، فلا يثير مآل هذه المكتسبات أي إشكال.

– الحالة الثانية: حينما يتفق الزوجان على الإدارة المشتركة لمكتسباتهم المالية، فهذه الحالة تقتضي تبيان النظام المالي المتفق عليه بين الزوجين". بينما الإشكال الحقيقي هو مدى مساهمة الزوجة بعملها المنزلي في تكوين الممتلكات الزوجية، أي تثمين العمل المنزلي. في هذا الجانب لا خلاف بين الإسلاميين في رفضهم اقتسام الممتلكات الزوجية عند الطلاق أو التطليق. ذلك أن العداء للنساء يوحد بين قلوبهم ومواقفهم. فالجماعة التي ترفع شعار "العدل" هي نفسها التي تدعو إلى أكل أموال النساء بالباطل، مبررة موقفها هذا بمفهوم "القوامة" وزعمها أن الذكور (الأب والزوج والابن) هم من يتحملون مسؤولية النفقة على المرأة. موقفها هذا يسقطها في تناقض مع ما جاء في مذكرتها من إقرار بوجود الإشكال التالي: "عدم الأخذ بعين الاعتبار التحولات الاجتماعية التي يشهدها المغرب، حيث إن عددا من النساء أصبحن يتقاسمن الأعباء المادية للأسرة، بل إن عددا معتبرا من العائلات المغربية أصبحت تعيلها نساء بشكل كلي". ورغم هذا الإقرار، فالجماعة ترفض التنصيص في عقد الزواج على طريقة اقتسام الممتلكات الزوجية حين الطلاق، أو تثمين العمل المنزلي للزوجة. كل ما تريده الجماعة هو "التنصيص على مسؤولية الدولة، وذلك من خلال تأسيس نظام للدعم المالي والمعنوي للأمومة وللمرأة ربة البيت، مع ضمان التغطية الاجتماعية لها عبر نظام مبتكر للحماية الاجتماعية يعمل على تثمين عمل المرأة داخل البيت". الغاية هنا هي إخلاء مسؤولية الأزواج من تحمل أعباء مادية، عند الطلاق والتطليق، تعويضا لكدّ الزوجات داخل المنازل ورعايتهن لأفراد الأسرة.

ج ـ النيابة الشرعية على الأبناء: فالجماعة تحصرها في الأب "الاب هو النائب الشرعي على أبنائه القاصرين حال قيام العلاقة الزوجية أو بعد انفصامها". وتنتقل النيابة الشرعية إلى الأم بعد وفاته (الأب) أو تجريده منها بحكم قضائي". الأمر الذي يفسر خلفية مناهضة الجماعة لمبدأ المساواة بين الزوجين. لا تهم الجماعة معاناة الحاضنات والمشاكل التي يواجهنها من أجل مصالح أطفالهن. ولما أقرّ المجلس العلمي الأعلى بحق الحاضنة في الولاية القانونية على أبنائها، حاولت الجماعة الالتفاف على التعديل باقتراح "رفع الأمر إلى القضاء الاستعجالي". ما يعني أن الولاية القانونية للحاضنة تظل معقّدة لا تنالها إلا بالتجرجير في المحاكم، ومؤقتة طالما الأب هو الولي الشرعي، ويمكنه استرجاع الولاية على أبنائه المحضونين من طرف طليقته متى انعدم المانع. وفي كل الحالات تضيع المصلحة الفضلى للأطفال.

د ـ تزويج القاصرات: إذ ظلت الجماعة وفية لموقف الإسلاميين على اختلاف تنظيماتهم ومتمسكة بالإبقاء عليه عبر اقتراحها: "إباحة زواج القاصرات والإبقاء على مادتي 20 و21 من مدونة الأسرة". فالجماعة لا تهمها الأضرار والمخاطر التي تنجم عن تزويج القاصرات ومنها أن الفتيات الحوامل بين عمر 15 و19 سنة أكثر عرضة مرتين للوفاة عند ولادتهن من الفتيات في عمر 20 سنة، بينما تكون الفتيات تحت عمر 15 سنة أكثر عرضة للموت 7 مرات أثناء الولادة. ومن مضاعفات الحمل لدى القاصرات: ارتفاع ضغط الدم وتسمم الحمل بنسبة 20 في المائة مقارنة مع الحوامل في سن العشرين، ثم خطر الإصابة بناسور الولادة (Fistule obstétricale)، الذي يعتبر أشد أنواع اعتلالات الولادة تحطيما لحياة النساء، مقارنة مع النساء اللائي تزوجن في عمر 20 سنة. يضاف إلى هذه المضاعفات ارتفاع معدل وفيات أطفال الأمهات القاصرات بنسبة تعادل 50 في المائة مقارنة بالأمهات ما بين 20 و29 سنة؛ وكذا الإصابة بسرطان عنق الرحم الناتج عن الفيروس الورم الحليمي البشري HPV، والأمراض المتنقلة جنسيا، بما فيها فيروس نقص المناعة البشرية.

3 ـ مهاجمة أعضاء المجلس العلمي الأعلى، وذلك باتهامهم بالخضوع لأوامر الدولة: "أن مؤسسة العلماء عندنا لا تبوح إلا بالقدر الذي يُسمح لها البوح به؛ وهكذا انتقلت عندنا وظيفة الإفتاء ذات الطابع الاجتهادي التحرري والمستقل إلى مؤسسة إدارية منتظمة رهن إشارة الدولة تتحكم فيها كما تريد، وبالصيغة المرضية لديها". ولا شك أن هذا اتهام مجاني بدليل أن أمير المؤمنين ورئيس المجلس العلمي الأعلى، كان ينتظر اجتهادات فقهية أكثر انفتاحا على الواقع وأكثر استيعابا لحركيته. لهذا دعا المجلسَ إلى "إحداث إطار مناسب ضمن هيكلته، لتعميق البحث في الإشكالات الفقهية التي تطرحها التطورات المحيطة بالأسرة المغربية". ومن تناقضات الجماعة أنها تقر بأنه "لا يعقل اليوم في ظل توفر الاجتهادات الفقهية والنصوص الشرعية والحقائق العلمية والمجامع الفقهية أن نحصر خياراتنا في أحكام أو فتاوى قد لا تتناسب ومتغيرات الواقع ومتطلباته، في الوقت الذي يمكننا الانفتاح من داخل نفس المرجعية الإسلامية على مذاهب فقهية مختلفة واجتهادات معتبرة تفي بالغرض وتستجيب لتطلعات العصر". في حين أنها تتمسك بتزويج القاصرات ضدا على الحقائق الطبية، وترفض اقتسام الممتلكات الزوجية وتثمين العمل المنزلي للمرأة رغم فتاوى ابن عرضون وفقهاء سوس المالكيين، كما ترفض إلغاء التعصيب وتطبيق قاعدة الردّ كما فعل الرسول (ص) وصحابته وخلفاؤه من بعده. فما الذي يمنع الجماعة من الانفتاح على المذهب الشيعي الذي لا يأخذ بقاعدة التعصيب؟ أو الأخذ بمبدأ المساواة في الإرث بين الذكور والإناث المعمول به في دول إسلامية مثل تركيا والسنغال؟

4 ـ رفض كونية حقوق النساء. من تناقضات الجماعة أنها تتمسّح بحقوق الإنسان حين يتعلق الأمر بأنشطتها السياسية والدعوية، وتحتمي بها حين يتم اعتقال عناصرها لخرقهم القانون الجاري به العمل، بينما في موضوع حقوق النساء ومطالبهن من أجل المساواة والمناصفة ورفع كل أشكال العنف والتمييز ضدهن، تسارع الجماعة إلى التمسك "بالمرجعية الإسلامية" وتوظيف أشد الفتاوى تشددا وتبخيسا للنساء لمواجهة مطالبهن. بل ترمي الحداثيين بدائها وتنسلّ، كما هو واضح في مذكرتها: "رغم ادعاء هذا الاتجاه للكونية وما فوق المرجعيات فإنه في الحقيقة إنما يسعى إلى استنساخ التجربة الغربية التي كانت تجربة مظروفة بزمانها ومكانها وتبيئتها في بيئة مختلفة عن بيئتها الأصلية في كل شيء". فهي ترفض رفضا قاطعا اعتماد المرجعية الحقوقية الكونية في معالجة قضايا النساء، بينما تنزلهن منزلة الجواري والإماء لا حقوق ولا كرامة لهن. وأي محاولة لإصلاح مدونة الأسرة والنهوض بحقوق النساء تعتبرها الجماعة "استنساخا لحلول من بيئات غير بيئتنا، وارتماء في أحضان الرذائل والموبقات والفواحش بدعوى المساواة والحداثة والحرية".

5 ـ افتراءات الجماعة على خصومها. لم تكتف الجماعة برفض غالبية التعديلات التي وافق عليها المجلس العلمي الأعلى، بل سفّهت، من جهة، جهود الدولة والأحزاب والهيئات النسائية والحقوقية والعلماء لكونهم جميعا اختزلوا "ورش إصلاح الأسرة بكل تفاصيله وحيثياته وجوانبه في تعديل نص

قانوني"؛ الأمر الذي اعتبرته الجماعة "مقاربة تجزيئية سطحية الهدف منها أساسا التهرب من القضايا الأساسية التي تعتبر أسبابا مباشرة لما آلت إليه أوضاع الأسرة المغربية" و "هدرا لزمن الإصلاح، ومشاركة في عطب أجيال تلو أجيال". ومن جهة ثانية، اتهمت الجماعة تلك الأطراف بالسعي "للتغيير الاجتماعي والثقافي، وتغيير بنى العلاقات بين الجنسين وصولاً إلى المساواة المطلقة كهدف استراتيجي، وتتبنى صراع الجنسين، وعداءهما.. لنكون بهذا إزاء حركة فكريَّة سياسية اجتماعية متعدّدة التَّيَّارات تتّسم أفكارها بالتطرف والشذوذ".

هذه هي جماعة العدل والإحسان التي يتحالف معها اليسار الجذري وتوفر لها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان المظلة الحقوقية لشرعنة مشروعها السياسي الموغل في الاستبداد وهمجية قطع أطراف الخصوم وسمل عيونهم ورميهم في الصحاري يموتون عطشا وتفترسهم الغربان والسحالي.