محمد بوبوش: الإدارة الأمريكية والقضية الفلسطينية من الشراكة إلى دبلوماسية الصفقة

محمد بوبوش: الإدارة الأمريكية والقضية الفلسطينية من الشراكة إلى دبلوماسية الصفقة محمد بوبوش

تُعد القضية الفلسطينية واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا في السياسة الدولية، وقد مر الموقف الأمريكي منها بتحولات متعددة تعكس تغير المصالح الأمريكية والسياسات الإقليمية والدولية. منذ إنشاء دولة إسرائيل عام 1948 وحتى يومنا هذا، ارتكزت السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية على مزيج من الدعم المطلق لإسرائيل ومحاولات متقطعة لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وشكَّل اهتمام الولايات المتحدة بالقضية الفلسطينية جزءاً لا ينفصل عن انشغالها بالصراع العربي-الإسرائيلي وبمنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وكذلك ضمن إطار اهتماماتها الدولية الأوسع. وقد تم تحديد مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط خلال العقود الأربعة الماضية في ظل ظروف الحرب الباردة والتنافس الحاد بين المعسكرين: الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة، والاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي، حول السيطرة على هذه المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية الكبيرة. وفي هذا الصدد، سعت الولايات المتحدة إلى الحد من توسع النفوذ الشيوعي، الذي اعتبرته تهديداً لمصالحها في المنطقة.

وقد تطلَّب حماية وتعزيز المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط دعم الأنظمة الحاكمة الموالية للغرب، والتي وُصفت بأنها تواجه خطر التمدد الشيوعي، بالإضافة إلى مواجهة الحكومات والحركات الثورية والراديكالية المعادية للغرب. وفي هذا الإطار، اعتبرت الولايات المتحدة إسرائيل حليفاً استراتيجياً وورقة رابحة، خاصة وأن مصالح البلدين كانت متوافقة أو حتى متطابقة في أغلب الأحيان، على الرغم من وجود بعض الخلافات المؤقتة الناتجة عن اختلاف الرؤى حول المصالح الخاصة لكل طرف. فكيف تعاملت الإدارات الامريكية المتعاقبة مع القضية الفلسطيينة؟

المرحلة الأولى: التأسيس والدعم الأولي (1948-1967)

في عام 1948، كانت الولايات المتحدة من أوائل الدول التي اعترفت بدولة إسرائيل. جاء هذا الاعتراف كنتيجة لضغوط سياسية داخلية وخارجية، بما في ذلك تأثير اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة والتعاطف مع اليهود بعد الحرب العالمية الثانية. خلال هذه الفترة، اتسم الموقف الأمريكي بالتجاهل شبه الكامل للحقوق الفلسطينية، حيث لم تُبدِ الولايات المتحدة اهتمامًا يُذكر بحق تقرير المصير للفلسطينيين.

المرحلة الثانية: بعد حرب 1967 وبروز القضية الفلسطينية  (1967-1979)

أحدثت حرب 1967 تحوّلًا جذريًا في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة. بعد احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة، بدأت القضية الفلسطينية تبرز في الخطاب السياسي الدولي. ومع تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في الستينيات، بدأت الولايات المتحدة تعترف تدريجيًا بوجود قضية فلسطينية، لكنها استمرت في وصف منظمة التحرير ك"منظمة إرهابية".

في الوقت ذاته، ركزت الولايات المتحدة على دعم إسرائيل عسكريًا واقتصاديًا لضمان تفوقها في المنطقة، مع بعض المحاولات لتحقيق تسوية سلمية، أبرزها كانت مفاوضات كامب ديفيد عام 1978 التي ركزت على السلام بين مصر وإسرائيل، لكنها لم تحقق تقدمًا كبيرًا على صعيد الحقوق الفلسطينية.

المرحلة الثالثة: التحولات في الثمانينيات والتسعينيات

في الثمانينيات، تزايدت الضغوط الدولية على الولايات المتحدة للتعامل مع القضية الفلسطينية بجدية أكبر. خلال هذه الفترة، بدأت الإدارة الأمريكية، بقيادة الرئيس رونالد ريغان، بالتواصل مع بعض الأطراف العربية لدعم مبادرات السلام. في عام 1988، أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية قبولها بحل الدولتين، مما دفع الولايات المتحدة لفتح قنوات اتصال محدودة مع المنظمة.

في التسعينيات، طرأ تحول كبير على الموقف الأمريكي بعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 بوساطة أمريكية. فقد سمح ذلك للإدارة الأمريكية في عام 1994 لمنظمة التحرير الفلسطينية بفتح مكتب لها في واشنطن، ليصبح الممثل الرسمي لجميع الفلسطينيين. كما قام الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون بإلغاء قانون كان يمنع الفلسطينيين من فتح مكاتب في الولايات المتحدة.

قدمت الولايات المتحدة نفسها كوسيط رئيسي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وتم التوقيع على الاتفاقية التي وعدت بإقامة حكم ذاتي فلسطيني في بعض المناطق. ومع ذلك، لم تُنفذ الكثير من بنود الاتفاقية بسبب تعثر المفاوضات واستمرار الاستيطان الإسرائيلي.

المرحلة الرابعة: الألفية الجديدة وما بعدها

مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، تبنت الولايات المتحدة موقفًا أكثر انحيازًا لإسرائيل، وخصوصًا في ظل إدارة جورج بوش الابن التي وصفت العمليات الفلسطينية بأنها "إرهاب" في إطار الحرب العالمية على الإرهاب. وفي عام 2002، طرحت إدارة بوش "خريطة الطريق" كخطة لتحقيق السلام، لكنها لم تُنفذ بسبب الخلافات بين الأطراف.

خلال إدارة باراك أوباما، حاولت الولايات المتحدة استئناف مفاوضات السلام، وأدانت التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، لكنها فشلت في تحقيق أي اختراق كبير. عقب توليه رئاسة الولايات المتحدة عام 2009، أعلن باراك أوباما أن بلاده لن تدير ظهرها لرغبة الفلسطينيين في أن تكون لهم دولة خاصة بهم، وهو ما أحيا الآمال بخصوص حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. غير أنه بعد أن شارف عهد حكمه (ولايتان من 8 سنوات) على الانتهاء، ولم يتبق منه سوى بضعة أسابيع، تلاشت "ومضة الأمل"هذه.

فبعد فترة قصيرة من توليه الرئاسة لم يلبث أوباما أن عاد إلى السياسات المنحازة إلى إسرائيل، واكتفى بمشاهدة مخططات الاستيطان التي تنتهك القانون الدولي، والحصار المفروض على قطاع غزة ناهيك عن الحروب الثلاثة.
ولم يقتصر الأمر على المشاهدة، بل اعتبر الهجوم الذي بدأته إسرائيل على قطاع غزة في 7 يوليو  2014 واستمر 51 يوما وأدى إلى مقتل أكثر من ألفي فلسطيني، ضمن "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس".

واستمرت الولايات المتحدة في الوقوف بوجه الانتقادات التي توجه إلى إسرائيل في مجلس الأمن الدولي، إذ استخدمت "الفيتو" ضد مشرع قرار يدين وينتقد المستوطنات على الأراضي الفلسطينية.

كما صوتت الولايات المتحدة عام 2012، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ضد اقتراح بمنح فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو في المنظمة الدولية، ورغم ذلك حصلت فلسطين على هذه الصفة بالفعل.
وأدى الدعم الذي تقدمه واشنطن لإسرائيل في الأمم المتحدة، إلى تحويل نظام المنظمة المسؤولة عن حفظ السلم الدولي، لصالح حماية إسرائيل، بدرجة كبيرة، بحسب مراقبين.

مرحلة إدارة ترامب الأولى (تصفية القضية): في المقابل، شهدت إدارة دونالد ترامب انحيازًا غير مسبوق لإسرائيل، وقف دونالد ترامب من القضية الفلسطينية يتميز بتحيز واضح لصالح إسرائيل، وقد اتخذ خلال فترة رئاسته (2017-2021) وإلى حد كبير في مواقفه الحالية، سياسات وقرارات عززت من هذا التوجه. وفيما يلي أبرز ملامح موقفه من القضية الفلسطينية:

. 1الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية:

في ديسمبر 2017، أعلن ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وهو قرار أثار غضب الفلسطينيين والدول العربية والإسلامية، وأدى إلى تجميد المفاوضات بين الجانبين.

يعتبر ترامب هذا القرار واحدًا من إنجازاته الكبرى، ويستمر في الدفاع عنه.

. 2خطة السلام ("صفقة القرن"):

أعلنت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في 28 يناير 2020، تفاصيل الشق السياسي لخطتها لحل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، المعروفة إعلاميًا باسم "صفقة القرن". وجاء هذا الإعلان بعد نحو ثمانية أشهر على نشر واشنطن للشق الاقتصادي من الخطة بعنوان: "السلام من أجل الازدهار"، في ورشة عمل عقدت في العاصمة البحرينية، المنامة، في يونيو 2019. وقد تمَّ جمع الشقين السياسي والاقتصادي للخطة بعنوان: "السلام من أجل الازدهار: رؤية لتحسين حياة الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي.

تضمنت الخطة إعطاء إسرائيل السيطرة على معظم المستوطنات في الضفة الغربية، والاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، مع منح الفلسطينيين دولة ذات سيادة محدودة على أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة، دون سيطرة على الحدود أو الأمن. رفضت السلطة الفلسطينية الخطة ووصفتها بأنها "ميتة قبل ولادتها .

. 3وقف المساعدات الأمريكية للفلسطينيين:

أوقف ترامب المساعدات الأمريكية المقدمة للفلسطينيين، بما في ذلك المساعدات المقدمة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، والتي اعتبرها غير فعالة ومحابية للفلسطينيين.

كما أغلقت إدارته الممثلية الفلسطينية في واشنطن، مما زاد من توتر العلاقات مع السلطة الفلسطينية.

. 4الاعتراف بضم إسرائيل لهضبة الجولان والاستيطان:

في مارس 2019، اعترف ترامب بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية المحتلة، وهو قرار أثار انتقادات دولية. كما دعم ترامب سياسة الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، ولم يعترض على توسع المستوطنات، مما أضعف احتمالات قيام دولة فلسطينية مستقلة.

في قضية فلسطين أعلن وزير الخارجية الأمريكي السابق، مايك بومبيو، في 18 نوفمبر 2019 أن الولايات المتحدة لم تعد تعترف بالرأي القانوني الذي يرى أن بناء إسرائيل لمستوطنات مدنية في الضفة الغربية يخالف القانون الدولي. يأتي هذا الإعلان ضمن سلسلة سياسات تتبعها الإدارة الأمريكية الحالية لتقويض حقوق الشعب الفلسطيني.

اعتبرت الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ومحكمة العدل الدولية أن المستوطنات في الضفة الغربية تنتهك اتفاقية جنيف الرابعة، التي صادقت عليها 192 دولة بعد الحرب العالمية الثانية. تفرض الاتفاقية على أي قوة احتلال عدم نقل أو ترحيل جزء من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها. كما يصنف النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي تأسس عام 1998، عمليات النقل والترحيل من هذا النوع جرائم حرب، ويعتبر تدمير أو الاستيلاء على الممتلكات دون ضرورة عسكرية جريمة. تجادل إسرائيل بأن اليهود عاشوا في الضفة الغربية منذ آلاف السنين، وأن عصبة الأمم اعترفت بوجودهم هناك عام 1922.

يأتي هذا الإعلان استمرارًا للانقطاع الذي بدأت به إدارة الرئيس دونالد ترامب عن السياسات الأمريكية التقليدية تجاه ملف الصراع العربي الإسرائيلي. فقد اعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل في ديسمبر 2017، وأقر بضم إسرائيل للجولان السوري المحتل في مارس 2019، في انتهاك صارخ للقانون الدولي. وعلى مدار أكثر من أربعة عقود، كان الموقف الأمريكي الرسمي يعتبر المستوطنات في الضفة الغربية غير شرعية ثم غير قانونية وأخيرًا عقبة أمام السلام. هذا الموقف يتعارض تمامًا مع القانون الدولي ويشرعن سياسات استعمارية. ورغم رفض العديد من الدول لهذا القرار، فإنه قد يمهد الطريق لإعلان إسرائيل ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية.

. 5التطبيع بين إسرائيل والدول العربية:

خلال فترة ترامب، شهدت المنطقة موجة من اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، مثل الإمارات، البحرين، السودان، والمغرب، بوساطة أمريكية.

رحب ترامب بهذه الاتفاقيات واعتبر أنها خطوة نحو تحقيق السلام في المنطقة، لكن الفلسطينيين رأوا فيها تجاهلاً لقضيتهم وتهميشًا لحقوقهم. ومن أهم ما جاء في تصريحات ترامب حول هذه الصفقة :

- رؤيته للسلام مختلفة ومفصلة عن الخطط السابقة، وتحتوي على 80 صفحة.

- ستضمن خطة السلام دولة فلسطينية متصلة الأراضي وستبقى القدس العاصمة الموحدة لإسرائيل.

-ستنتهي دوامة اعتماد فلسطين على المنح الأجنبية، وسوف يتمتع الفلسطينيون بالكرامة والحس الوطني والاعتماد على الذات.

دول عديدة ستشارك في توفير 50 مليار دولار لمشاريع جديدة في الدولة الفلسطينية المستقبلية.

كما صرح نتنياهو بأن خطة ترامب تتضمن نزع سلاح المقاومة الفلسطينية، وأن إسرائيل ستطبق قوانينها على غور الأردن ومستوطنات الضفة الغربية ومناطق أخرى ضمتها خطة ترامب.

مرحلة : إدارة بايدن  (2020-2024)

مع تولي جو بايدن الرئاسة في 2021، حاولت الإدارة الأمريكية تحسين العلاقات مع الفلسطينيين بإعادة المساعدات المالية التي قطعها ترامب، وإعادة فتح قنوات الاتصال مع القيادة الفلسطينية. ومع ذلك، لم تُظهر إدارة بايدن استعدادًا لممارسة ضغوط جدية على إسرائيل لوقف الاستيطان أو العودة إلى طاولة المفاوضات.

اتخذت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن موقفًا متشددًا من عملية "طوفان الأقصى" التي نفّذتها حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، صباح 7   أكتوبر 2023 . وأعربت عن إدانتها للعملية ووصفتها بـ "الإرهابية"، وعن وقوفها التام مع إسرائيل، ودعمها لـ "حقها في الدفاع عن النفس"، وتقديم كل العون الذي تحتاج إليه . فيما يلي بعض النقاط الرئيسية حول نظرة إدارة بايدن للقضية الفلسطينية:

- الدعم لإسرائيل: وضعت إدارة بايدن حركة حماس على قدم المساواة مع تنظيمي "القاعدة" و"الدولة الإسلامية"، ووصفها بـ "الشر المطلق". وأشاد بايدن بإسرائيل وبعلاقته الوطيدة بها، في حين لم تنَل معاناة الفلسطينيين نصيبًا في خطابه. وذهب بايدن أبعد من ذلك في تأييده سياسات إسرائيل، حيث أخبر نتنياهو أنه لو واجهت الولايات المتحدة مثل هذا الهجوم، فإن رده سيكون "سريعًا وحاسمًا وساحقًا"، وهو ما يعني إعطاء ضوء أخضر لإسرائيل للاستمرار في عملياتها ضد قطاع غزة.

- تجنب الدعوة لوقف إطلاق النار: وُجّه الدبلوماسيون الأميركيون بتجنب استخدام عبارات مثل "وقف التصعيد/ وقف إطلاق النار"، و"إنهاء العنف/ إراقة الدماء"، و"استعادة الهدوء . وعوضًا عن ذلك، جعلت إدارة بايدن "القضاء" على حماس هدفًا أساسيًا لها، وهو الهدف الذي أعلنته إسرائيل

- المساعدات الإنسانية: بدأت إدارة بايدن التنسيق مع مصر وإسرائيل لفتح معبر رفح وإدخال مساعدات إنسانية ، مع ذلك، اشترطت إدارة بايدن عدم حصول حماس على أي من تلك المساعدات.

- الضغط من أجل خطوات ملموسة: بعد أكثر من 6 أشهر من الدعم الأميركي المتواصل، حذرت إدارة بايدن إسرائيل من أن الدعم المقدم لحرب إسرائيل في غزة مرهون بخطوات لوقف الأذى الذي يلحق بالمدنيين والمعاناة الإنسانية . وأكد بايدن ضرورة وقف إطلاق النار لتحسين الوضع الإنساني وحماية المدنيين الأبرياء، وحث نتنياهو على تمكين المفاوضين الإسرائيليين من التوصل إلى اتفاق لإعادة الرهائن المحتجزين لدى حماس

- الخلاف مع الحكومة الإسرائيلية: على الرغم من الدعم القوي لإسرائيل، هناك استياء داخل إدارة بايدن من الحكومة الإسرائيلية وزعيمها. وقد أظهر بايدن استعداده لفرض عقوبات على عدد متزايد من الإسرائيليين بسبب "عنفهم المزعوم ضد الفلسطينيين".

بشكل عام، يمكن القول أن إدارة بايدن اتخذت موقفًا داعمًا لإسرائيل في صراعها مع الفلسطينيين، مع التركيز على "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس" وفي الوقت نفسه، مارست الإدارة ضغوطًا على إسرائيل لتقليل الأذى الذي يلحق بالمدنيين الفلسطينيين وزيادة المساعدات الإنسانية لقطاع غزة

المرحلة الحالية: إدارة ترامب الثانية : التهجير عبر الصفقة

تُظهر الأدلة أن إدارة ترامب ستتخذ موقفًا منحازًا لإسرائيل في اليوم الأول من رئاسته الجديدة في 20 يناير 2025، أصدر ترامب قرارًا تنفيذيًا يلغي العقوبات التي فرضتها إدارة بايدن على جماعات وأفراد من المستوطنين اليهود المتطرفين المتهمين بالتورط في أعمال عنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة .أفاد البيت الأبيض بأن ترامب ألغى الأمر التنفيذي 14115 الصادر في 1 فبراير 2024، والذي سمح بفرض عقوبات معينة "على الأشخاص الذين يقوضون السلام والأمن والاستقرار في الضفة الغربية" وكانت إدارة بايدن قد فرضت عقوبات على العديد من الأفراد والكيانات الاستيطانية الإسرائيلية، بما في ذلك تجميد أصولهم في الولايات المتحدة ومنع الأميركيين من التعامل معهم.

إذن، يستعد الشرق الأوسط لمرحلة جديدة مليئة بالتوترات وعدم الاستقرار السياسي، وذلك في أعقاب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطته لترحيل سكان غزة وفرض سيطرة كاملة على القطاع. تُعتبر هذه الفكرة واحدة من أكثر المقترحات الرئاسية الأمريكية جرأة وإثارة للجدل منذ عقود.  

 تصريحات الرئيس ترامب الداعية إلى النقل القسري للفلسطينيين من قطاع غزة المحتل إلى الدول المجاورة يجب أن تُدان بشكل قاطع ودون أي لبس. خطابه استفزازي، فاضح، ومشين، واقتراحه يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.

تجميد تمويل وكالة غوت وتشغيل اللاجئين: (الاونروا):

قبل سبعةِ عقودٍ تأسست وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، الأونروا، لمساعدة أكثر من 700 ألفِ فلسطينيّ. وحاليًا تساعد سكاناً يبلغ قوامهم 5.5 مليون نسمة. مطلع سبتمبر الجاري، أعلنت الإدارة الأمريكية وقفَ أيِّ تمويل لـ"الأونروا"، مُعتبرةً أن طريقة عملها "معيبةً بشكل لا يمكن إصلاحه"، بينما وصفت الوكالة ذلك بأنه "مخيبٌ للآمال ومثيرٌ للدهشة". تقول واشنطن إنها قدمت أكثر من 6 ملياراتِ دولارٍ منذ إنشاء الوكالة لمساعدة الفلسطينيين الذين صُنِّفوا كلاجئين، في الأردن ولبنان وسوريا وغزة، ما يجعل الولاياتِ المتحدة للوكالة أهمَّ مانح.

أوقفت الولايات المتحدة تمويلها لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين(أونروا)، في عام 2018، بدعوى أن ممارساتها المالية "معيبة بشكل لا يمكن إصلاحه" وأنها أذكت التوتر بين الفلسطينيين وإدارة الرئيس الأمريكي ترامب بل وطالب مبعوث الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسطآنذاك، جيسون جرينبالت، مجلس الأمن الدولي، في مايو 2019، بتفكيك أونروا.  

تقول واشنطن إنها قدمت أكثر من 6 ملياراتِ دولارٍ منذ إنشاء الوكالة لمساعدة الفلسطينيين الذين صُنِّفوا كلاجئين، في الأردن ولبنان وسوريا وغزة، ما يجعل الولاياتِ المتحدة للوكالة أهمَّ مانح لها.

 تعليقات الرئيس ترامب حول ترحيل سكان غزة الى دول مجاورة، ونقل ملكية غزة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، تنزع صفة الإنسانية بشكل خطير عن الفلسطينيين الذين، منذ 16 شهرًا، يتعرضون للإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، ويعيشون منذ عقود تحت الاحتلال غير القانوني وفي ظل نظام فصل عنصري. معظم الفلسطينيين في غزة هم من أحفاد وناجين من النكبة عام 1948. لقد تعرضوا للاقتلاع والتجريد من ممتلكاتهم عدة مرات من قبل إسرائيل، وحُرموا من حقهم في العودة، لكنهم استمروا في النضال للبقاء على أراضيهم والدفاع عن حقوقهم الأساسية.

الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، بما في ذلك عمليات القتل غير القانونية، والإصابات، وفرض ظروف معيشية تهدف إلى تدميرهم جسديًا، تتزامن مع زيادة مقلقة في عمليات القتل غير القانونية في الضفة الغربية المحتلة، وعنف المستوطنين المدعوم من الدولة، والمصادرة الواسعة للأراضي، والاعتقالات التعسفية، والاختفاء القسري، وأعمال التعذيب، وغيرها من أشكال سوء المعاملة التي تُمارس ضد الفلسطينيين في كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي إسرائيل.

الرئيس ترامب تحدث مرارًا عن الدمار والمجازر والظروف غير القابلة للعيش في قطاع غزة، واصفًا إياه بـ"موقع الهدم"، بينما كان جالسًا بجانب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، لكنه تجنب تمامًا الإشارة إلى مسؤولية الحكومة الإسرائيلية عن أسباب هذا الخراب. كما لم يعترف بدور الحكومة الأمريكية في توفير الأسلحة التي استُخدمت مرارًا لتنفيذ هجمات مميتة وغير قانونية في غزة.

تصاعدت التوترات بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال فترة رئاسته الأولى  والمحكمة الجنائية الدولية في سياق تعارض المصالح بين الولايات المتحدة وهذه المؤسسة الدولية. ففي عام 2019، فرض ترامب عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية بسبب ما اعتبره "إجراءات قضائية لا أساس لها" ضد الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل. وكان هذا الموقف مرتبطًا بمحاولات المحكمة التحقيق في جرائم حرب مزعومة ارتكبتها القوات الأمريكية في أفغانستان، إضافة إلى التحقيقات المتعلقة بإسرائيل.

في خطوة تصعيدية، أصدرت إدارة ترامب مرسومًا يحظر دخول مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية وموظفيها إلى الولايات المتحدة، كما فرض تجميدًا على أصولهم داخل البلاد. ورغم أن هذه العقوبات لاقت تأييدًا من إسرائيل وبعض الحلفاء، إلا أنها قوبلت بانتقادات شديدة من جانب المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية، التي أكدت أن هذه الخطوة تعرقل جهود إحقاق العدالة الدولية. وبدورها، أعلنت المحكمة الجنائية الدولية تمسكها بمسارها في التحقيقات، مؤكدة التزامها بملاحقة الجرائم الخطيرة بغض النظر عن الضغوط السياسية.

هذه الإجراءات تعكس التوترات المستمرة بين السياسات الأمريكية ومؤسسات العدالة الدولية، وتبرز الجدل المستمر حول مدى تأثير القوة السياسية في مسار العدالة الجنائية على المستوى الدولي.

المرسوم الذي وقعه الرئيس ترامب يوم الخميس 06 فبراير 2025، والذي نشره البيت الأبيض، يتضمن حظرًا على دخول مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية وموظفيها وعناصرها إلى الولايات المتحدة، إضافة إلى أقاربهم المباشرين وكل من قدم دعمًا في التحقيقات التي تجريها المحكمة. كما يشمل المرسوم تجميد أصول هؤلاء الأفراد في الولايات المتحدة. وحتى اللحظة، لم تُعلن أسماء الأفراد الذين تشملهم العقوبات.

من جهة أخرى ربط الاعلام الإسرائيلي بين احتمالية اعتراف أمريكي بإقليم أرض الصومال الانفصالي، ذي الموقع الاستراتيجي على البحر الأحمر، وقبول فكرة "تهجير" الفلسطينيين إليه، مع تحذير رسمي من مقديشو من تداعيات ذلك الاعتراف واستبعاده. وكان "الإقليم" بطل أزمة مطلع 2024، بعد توقيع مذكرة تفاهم مع إثيوبيا لمنحها ممراً بحرياً مقابل الاعتراف به، وهو ما رفضته مقديشو، بدعم مصري وعربي للصومال.

وقد سبق لإقليم أرض الصومال أن أعلن انفصاله عن الحكومة الفيدرالية الصومالية في 1991، لكنه لم يحصل حتى الآن، على اعتراف المجتمع الدولي الذي يعامله بصفته جزءاً من الصومال.

أمام التهديدات الخطيرة التي أطلقها الرئيس ترامب، بات من الضروري أكثر من أي وقت مضى أن ترفض بقية المجتمع الدولي والوطن العربي بشكل خاص هذه الاقتراحات، وأن تسرّع الجهود الدبلوماسية، بما يتوافق مع القانون الدولي، لوضع حد للاحتلال الإسرائيلي غير القانوني، وتفكيك نظام الفصل العنصري، وضمان احترام حقوق الإنسان للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء. الوضع في المنطقة، مثل "الدخول إلى رقعة الشطرنج الكبرى في الشرق الأوسط بمربع ضعيف يتمثل في غزة المدمرة، واليمين المتطرف الإسرائيلي المشجع، والرئيس الأمريكي الذي ينظر إلى كل شيء باعتباره صفقة عقارية، حتى عندما ينتهك القانون الدولي. لقد أثبت التاريخ مرارًا أن تجاهل القانون الدولي بدافع الانتهازية السياسية هو طريق مضمون لاستمرار الانتهاكات.

خلاصة

يتسم الموقف الأمريكي تجاه القضية الفلسطينية بالازدواجية، حيث يدعم بقوة إسرائيل أمنيًا وسياسيًا، بينما يقدم وعودًا غير متحققة للفلسطينيين. يعكس هذا الموقف التوازن بين المصالح الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط والضغوط الداخلية والخارجية. لتحقيق حل عادل ودائم، يتطلب الأمر تغييرات جذرية في السياسة الأمريكية، بما في ذلك تبني مقاربة أكثر توازنًا تعترف بالحقوق المشروعة للفلسطينيين.

 

د. محمد بوبوش/ أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي  جامعة محمد الأول بوجدة