توصلت جريدة "أنفاس بريس" بالخلاصات التركيبية التي أسفر عنها المجلس الوطني الحضوري المفتوح الذي كانت قد دعت إليه النقابة الوطنية لمفتشات ومفتشي التعليم بالمغرب الذي احتضنه المقر المركزي للاتحاد المغربي للشغل بتاريخ 26 يناير 2024، وهي على الشكل الآتي:
سبل العلاج: الوحدة، الاستقلالية، نبذ الطائفية المهنية
بأزمة العمل النقابي لدى هيئة التفتيش والمراقبة والتأطير والتقويم وتأثيراتها الملموسة على العائد الاعتباري والمادي لنضالاتها، يرى المجلس ضرورة تجاوز تأثير صدمات الجيل الماضي التي أدت إلى الانكفاء والانعزال الفئوي. وفي مقابل ذلك، يدعو إلى التحلي بقدر عال من الجرأة والتطلع الاستراتيجي، لمعالجة تلك الصدمات بما يخدم المصالح العليا للهيئة. بناء على ذلك، وفي احترام تام للاختيارات النقابية والتنظيمية لأعضاء الهيئة، يقترح المجلس المداخل الآتية:
ـ رد الاعتبار للوحدة النقابية ضمن الشغيلة التعليمية، نظرا لأهميتها الاستراتيجية، ولكونها شرطا للنجاح في مقاومة الإصلاحات الحكومية التراجعية التي تستهدف الجميع دون استثناء. مع وجوب استحضار كل ما يعزز هذه الوحدة ضمن الفعل النضالي الواعي للمفتشات والمفتشين بكونهم جزء لا يتجزأ من هذه الشغيلة.
ـ نبذ مظاهر السلوك الطائفي المهني الانتهازي والتفكير الفئوي المنغلق، والعمل على الحد منه لدى جميع الفئات والتنظيمات. في مقابل ذلك، يجب الانتباه إلى جوانب الوحدة ونقط الالتقاء على مستوى المبادرات النضالية والتنظيمية، وتغليب آليات الحوار والتشاور لتبديد التعارضات المطلبية وسوء الفهم.
ـ التشبث بمبدأ الاستقلالية النقابية عن الحكومة وعن الإدارة وعن الأحزاب، وتبديد التخوف من فقدان الاستقلالية التنظيمية والسيادة على القرار والموقف بسبب الانتماء لنقابة جامعة، وهذا ما تؤكده التجربة الفتية للنقابة الوطنية لمفتشات ومفتشي التعليم بالمغرب ضمن الجامعة الوطنية للتعليم/الاتحاد المغربي للشغل؛
دليل الخروج: البراغماتية والذكاء الاستراتيجي
أجمعت التدخلات على أن الملف المطلبي للهيئة يتأرجح بين التمثيلية النقابية المعترف بها وبين التمثيلية الفئوية، وهذا مأزق ساهم في حضور باهت لهذا الملف على طاولة الحوار القطاعي الرسمي، دون تبخيس، طبعا، للجهود التي تبذل من كل الأطراف الممثلة لمفتشات ومفتشي وزارة التربية الوطنية. اعتبارا لهذا الوضع الذي يشخص أحد مظاهر أزمة الفعل النقابي لدى هيئة التفتيش والمراقبة والتأطير والتقويم، فإن المجلس الوطني يشدد على ضرورة.
ـ تحمل جميع الأطراف لمسؤولياتها بخصوص فتح نقاش مشترك وعاجل، لتدارس سبل تجاوز الوضع الراهن بذكاء لوضع حد لهذا المأزق، من أجل ضمان الحضور الرسمي للملف المطلبي للهيئة على طاولة الحوار مع الوزارة الوصية، إسوة بجميع ملفات الشغيلة التعليمية، خصوصا أن السياق الحالي يعرف مناقشة قرارات تدقيق المهام والاختصاصات لعدد من الفئات.
ـ إطلاق آليات ومبادرات لتعميق التفكير بين كل المفتشات والمفتشين من مختلف الانتماءات لتفادي الوقوع في هذا المأزق في أفق الانتخابات المهنية المقبلة، وذلك من خلال الدفع نحو ترجيح إحدى إمكانيتين هما الأكثر نفعا بالنسبة للهيئة: إما التكتل ضمن تنظيم نقابي جامع لكل فئات الشغيلة التعليمة يحظى بصفة النقابة الأكثر تمثيلا، ويتمتع داخله المفتشات والمفتشون بنقابة وطنية تدبر شؤونهم الخاصة بكل حرية، أو اختيار عقد تفاهمات مع إحدى النقابات الأكثر تمثيلا لضمان الحضور التفاوضي للملف المطلبي، بالشكل الذي يلزم الوزارة بمناقشته على طاولة الحوار الرسمي، مع فتح الباب أمام إمكانيات أخرى للتموقع.
حصيلة المعركة: المكاسب والفرص المهدورة
يشيد المجلس الوطني، وهو يستحضر معركة النظام الأساسي الجديد، بالقراءات والمواقف التي عبرت عنها النقابة الوطنية لمفتشات ومفتشي التعليم بالمغرب من خلال تصريحاتها وبياناتها ومذكرتها حول تعديل المرسوم رقم 2.23.819 (المرسوم المجمد)، ويسجل أن كل ما كانت تخطط له الوزارة الوصية لم يتحقق في المرسوم رقم 2.24.140 (بمثابة النظام الأساسي الجديد) بدليل:
ـ التراجع عن تسمية المرسوم بــ "النظام الأساسي لمهن التربية والتكوين".
ـ ارتكاز مشروع النظام الأساسي الجديد على النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية (ظهير شريف رقم 008-58-1 بتاريخ 4 شعبان 1377 الموافق 24 فبراير 1958)، والحفاظ على صفة الموظف العمومي وسحب مصطلح "الموارد البشرية" الذي تضمنه المرسوم رقم 2.23.819.
ـ الإبقاء على تسمية "مفتش" الدالة بشكل وثيق على الأدوار والاختصاصات الرقابية والتقييمية، وهو ما يعد انتكاسة أولية لمن يخطط لتقزيمها وحصرها في الإشراف التربوي و"coaching ".
ـ الحفاظ على إطاري مفتش تربوي للتعليم الثانوي الإعدادي ومفتش تربوي للتعليم الثانوي التأهيلي، بعد أن تم دمجهما في إطار مفتش تربوي للتعليم الثانوي، مع كل ما يترتب عن ذلك من إمكانية المطالبة بالتعويض عن العمل خارج السلك الأصلي (المادة 23).
ـ إخراج "مشروع المؤسسات الرائدة" من النظام الأساسي باعتباره برنامجا حكوميا لا مكان له ضمن أبواب ومواد النظام الأساسي لموظفي الوزارة.
ـ سحب مهمة "المراقبة الداخلية" التي أسندت لمفتشي الشؤون المالية والمتنافية مع مهامهم الرقابية (المادة 28).
ـ تقاسم تقييم الأداء المهني لأطر هيئة التفتيش بين مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين المعني والمدير الإقليمي المعني، وعند الاقتضاء المفتشية العامة للوزارة، وذلك بعد أن تم إسنادها ضمن المرسوم السابق لكل واحد منهما بصيغة "كل فيما يخصه" (المادة 54)، وهي خطوة مهمة في انتظار تحقيق مطلب إسناد تقييم كل المفتشات والمفتشين إلى المفتشية العامة.
ـ الحفاظ على رخصة سنوية مدتها شهر بدل 22 يوما في المرسوم السابق (المادة 70).
ـ التنصيص بشكل صريح على احتفاظ مفتشي الشؤون المالية المكلفين بمهام التسيير المادي والمالي بحقهم في مزاولة هذه المهام، عكس صمت المرسوم السابق عن هذه المسألة (المادة 83).
ـ الرفع من قيمة التعويضات النظامية والتعويض التكميلي.
إن المجلس الوطني وهو يسلط الضوء على هذه العناصر التي تؤثث الجزء المملوء من الكأس خلال معركة السنة الماضية، التي غابت عنها غالبية المفتشات والمفتشين بفعل غياب تنسيق يوحد صفوفهم وكلمتهم ومجهوداتهم، يتساءل عن حجم الفرص المهدورة ويؤكد على أهمية استخلاص العبر والدروس.
حيف مضاعف في أفق جبر الضرر
شكلت المادة 76 (الواردة في المرسوم رقم 2.24.140) نقطة بارزة في النقاش، الذي تميز بالنضج الفكري والطرح العقلاني. ومن أجل مقاربة منهجية سليمة ومنتجة تنصف المظلومين وتفتح أفقا رحبا للنضال الوحدوي، يقترح المجلس الوطني على عموم المفتشات والمفتشين العناصر الأتية:
ـ اعتبار مظلومية فوجي الطلبة المفتشين -تخصص الشؤون المالية- ثابتة وواضحة، ينبغي رفعها بجبر الضرر الفوري للمعنيين، وهذا ما يجب أن يسري أيضا على الطلبة المفتشين التربويين بفعل ما جاء في المادة 81؛
ـ مساندة التطلعات المشروعة لجميع فئات الشغيلة التعليمية في الترقي المهني وتحسين الأوضاع المادية والمعنوية دون الإضرار بحقوق فئات أخرى، وهذا ما يؤسس للعدالة المهنية في كل أبعادها؛
ـ اعتبار تطلع الإخوة الممونين ومستشاري التوجيه والتخطيط إلى الترقي المهني وتحسين أوضاعهم المادية والمعنوية أمر مشروع، ولا يوجد عاقل منا يعارضه، وهو الأمر الذي يجب أن يسري على تطلعات كل الفئات التي عانت من تعنت الحكومات المتوالية، من أجل تحسين أوضاعها وفتح آفاق الترقي المهني والمادي المشروع أمامها؛
ـ تحميل الحكومة والوزارة الوصية مسؤولية الظلم والحيف الذي حل بزملائنا خريجي مركز تكوين مفتشات ومفتشي التعليم والطلبة المفتشين، من خلال رفضها حل "إقرار درجة جديدة" تستفيد منها جميع فئات الشغيلة التعليمية وتكون حلا للفوضى التي تسببت فيها الوزارة، ضاربة عرض الحائط بالحلول المبدعة التي لا تنتج ضحايا وتجنب منظومة التربية والتكوين مزيدا التوترات والتشنجات؛
ـ مقاربة الموضوع من زاوية دينامية واستشرافية تسعى إلى تقوية العمل النقابي الوحدوي للهيئة لكسب تحديات المستقبل، بدل النظرة الجامدة التي لا تستحضر دروس تاريخ نضال هيئة التفتيش المليئة بمثل هذه المراجعات والانعطافات وما أكثرها...؛
ـ القطع مع المقاربات الانفعالية والعاطفية التي لا تنتج سوى الانعزالية وتجانب الصواب عند المبالغة، باعتماد منطق تعميم مضلل يُحمّل أطراف نقابية مساوئ التدبير الحكومي، بدل توجيه الاتهام مباشرة نحو الحكومة ووزارتها المسؤولة الأولى عن مآسي جميع الفئات. تبعا لذلك، وجب نقل المعركة النضالية باتجاه هذه الجبهة المعلومة؛
إن المجلس الوطني الحضوري المفتوح، إذ يحيي عاليا أعضاء التنسيقية الذين لبوا دعوة الحضور والمشاركة في أشغاله، يحيي، أيضا، كل المبادرات التي نظمها المعنيون بالأمر ويعلن تبنيه لمطالبهم، ويدعوهم، كذلك، إلى التفكير الجدي في كيفية التحول إلى قوة دفع إيجابية، فاعلة ومؤثرة في القرار النقابي، بدل التصرف بسلوك متناقض قائم على تبخيس واستهجان الانتماء إلى النقابات، وبالتالي إضعاف كل فعل إيجابي داخلها، مع ترقب، في الوقت ذاته، التفاتتها ومبادرتها لمعالجة هذا الملف تلقائيا؛
نظام أساسي خاص يضمن الاستقلالية الهيكلية والوظيفية
يعتبر المجلس الوطني الحضوري المفتوح، وهو يتناول الموضوع المحوري لنضالات المفتشات والمفتشين والمتعلق باستقلالية عمل الهيئة، أن معظم مطالب وتطلعات المفتشات والمفتشين ترتبط بهذا المطلب الجوهري، الذي يعكس تطلع الهيئة للعب أدوارها الوطنية العليا، ضمن صرح الرقابة والتقييم للسياسات والبنيات الإدارية لمنظومة التربية والتكوين. واعتبارا لذلك، فإن المجلس الوطني لا يسعه في هذا الباب إلا أن:
ـ يثمن عاليا الورقة المقترحة من طرف مناضلي النقابة الوطنية لمفتشات ومفتشي التعليم بالمغرب في شأن الاستقلالية الهيكلية والوظيفية، عبر الانتساب إلى المفتشية العامة والعمل تحت سلطتها، بما يتطلب ذلك من توفير للموارد البشرية واللوجستية والاعتمادات المالية اللازمة لممارسة كافة المهام والاختصاصات الرقابية والتقييمية؛
ـ يقترح ضرورة تحيين هذه الورقة في ضوء مستجدات الهيكلة الجديدة لوزارة التربية الوطنية، وربطها بمطلب نظام أساسي خاص بهيئة التفتيش يلبي كل المطالب ويستجيب لكل التطلعات؛
ـ يوصي بضرورة عرضها من جديد على جميع الأطراف النقابية والمهنية، وعرضها أيضا أثناء عقد اللقاء الوطني المفتوح لمفتشات ومفتشي وزارة التربية الوطنية مستقبلا، بغرض الإغناء والتطوير ووضع استراتيجية عملية للترافع السياسي والمؤسساتي والإعلامي حولها؛
تطلعات مشروعة، مطالب تناساها الجميع، حقوق متجددة..
يسجل المجلس الوطني الحضوري المفتوح - وهو يقلب صفحات الملف المطلبي للهيئة بكل مكوناتها ووضعياتها القديمة والجديدة، ويراجع ما استحدث من قواعد قانونية جاء بها النظام الأساسي الجديد - من جهة أولى، فشل النظام الأساسي الجديد في الاستجابة للمطالب المعمرة لفئات من المفتشات والمفتشين، وإنتاجه، من جهة ثانية، لمطالب جديدة تقتضي المطالبة بتعديله الفوري. وبناء على ذلك، فإن المجلس الوطني يدعو جميع عموم المفتشات والمفتشين، باختلاف فئاتهم وتخصصاتهم، إلى إعادة صياغة الملف المطلبي، بما يجبر ضرر ضحايا الأنظمة الأساسية القديمة 1985 و2003 وضحايا النظام الأساسي الجديد، ويستجيب لتطلعات الهيئة بتحقيق الاستقلالية الهيكلية والوظيفية الضامنة لممارسة وظائفها الرقابية والتقييمية كاملة خدمة للمنظومة وللوطن. وفي هذا الصدد، تم تكليف المكتب الوطني للنقابة الوطنية لمفتشات ومفتشي التعليم بالمغرب بتحيين الملف المطلبي وتدقيق بنوده، وعرضه أمام اللقاء الوطني المفتوح قصد الإثراء والمصادقة.
خطوات عملية ملموسة وواقعية، لا مجرد سفسطات افتراضية بدون متابعة
يسعى المجلس الوطني الحضوري المفتوح لإطلاق دينامية تنظيمية وترافعية، ونضالية وحدوية جامعة لكل المفتشات والمفتشين ولكل تنظيماتهم، وتحفيز اتخاذهم لمبادرات من صنع إرادتهم الواعية والفاعلة. وهو إذ يستحضر ضرورة تجاوز منزلقات الفترة الأخيرة، المتمثلة في الانغماس في العالم الافتراضي، وما يترتب عن ذلك من شلٍّ للفعل الميداني الملموس، وسيادة التشرذم والإحجام عن التنسيق والعمل الوحدوي، يرى أن سبل الخروج من وضعية الأزمة، هذه، لفتح أفق جديد مغاير لما نعيشه منذ مدة، يتطلب ما يأتي:
ـ الدعوة إلى عقد "اللقاء الوطني لمفتشات ومفتشي وزارة التربية الوطنية" في أقرب فرصة ممكنة، مع الحرص على إشراك أوسع قاعدة من الزميلات والزملاء في خطوات الإعداد والتحضير الفكري والاقتراحي والمادي، باعتبار ذلك شرطا أوليا وضروريا لنجاح هذا اللقاء على مستوى المضمون وعلى مستوى الحضور وبالتالي على مستوى النتائج؛
ـ فتح قنوات الاتصال والحوار بين مختلف التنظيمات النقابية والجمعوية للمفتشات والمفتشين، وإشراك ممثليها في التحضير للمبادرات والخطوات الوحدوية المقبلة؛
ـ عقد مجالس جهوية حضورية مفتوحة على مستوى الجهات واعتماد توصيات المجلس الوطني الحالي أرضية للتداول والنقاش، واعتبار هذه المجالس تمرينا تحضيريا للوصول إلى اللقاء الوطني؛
ختاما، إن المجلس الوطني الحضوري المفتوح وهو يأخذ علما من المكتب الوطني للنقابة الوطنية لمفتشات ومفتشي التعليم بالمغرب بتوفير مقر الاتحاد المغربي للشغل بالرباط لاحتضان اللقاء الوطني المرتقب، يفوض له مهمة متابعة الخلاصات والتوصيات الواردة أعلاه.