البوليساريو.. من ورقة ضغط إلى عبء ثقيل في مخيمات تندوف وتآكل سيادة الجزائر

البوليساريو.. من ورقة ضغط إلى عبء ثقيل في مخيمات تندوف وتآكل سيادة الجزائر زين العابدين الوالي، ومشهد لمخيمات تندوف
اندلعت مواجهات عنيفة في منطقة تندوف بين وحدات من الجيش الجزائري ومجموعات تابعة لجبهة البوليساريو، في تطور يعكس تدهور الأوضاع الأمنية داخل المخيمات التي طالما شكلت منطقة نفوذ خارج سيطرة الدولة الجزائرية الفعلية. هذه الأحداث لم تكن مفاجئة لمن تابع عن كثب العلاقة المتوترة التي تربط بين الدولة المضيفة والتنظيم المسلح الذي احتضنته لعقود، غير أن تحول الأمر إلى صدام مباشر يكشف عن عمق الأزمة التي تعيشها الجزائر في إدارتها لهذا الملف.

لطالما استُخدمت هذه الجبهة كورقة ضغط في الصراع الإقليمي، حيث تم توظيفها سياسياً وعسكرياً ودبلوماسياً في محاولة لفرض معادلة معينة في النزاع حول الصحراء. لكن مع مرور السنوات، لم يعد هذا الكيان مجرد أداة تحركها الدولة المضيفة وفق مصالحها، بل تحول إلى كيان مستقل يسعى لفرض رؤيته الخاصة، حتى وإن تعارضت مع حسابات الحاضنة السياسية والعسكرية. هذا التحول، الذي تراكمت مؤشراته على مدى سنوات، وصل إلى ذروته في الأحداث الأخيرة، حيث لم يعد بالإمكان إنكار حقيقة أن المخيمات التي كانت تحت السيطرة غير الرسمية للدولة أصبحت الآن مصدر قلق أمني حقيقي.

في ظل هذا الوضع، بات من المشروع التساؤل حول مدى سيادة الدولة الجزائرية على هذه المنطقة التي يُفترض أنها تقع ضمن أراضيها. فحينما تصل الأمور إلى درجة اشتباك بين الجيش الوطني وتنظيم كان بالأمس يصف الجزائر بالحليف، فإن ذلك يعني أن السيطرة الفعلية لم تعد في يد الدولة وحدها. بل إن بعض التقارير تتحدث عن فقدان شبه كلي للقدرة على ضبط الوضع داخل المخيمات، حيث تحولت إلى مناطق نفوذ خاصة، تفرض فيها قوانينها الخاصة بعيداً عن قرارات السلطات المركزية الجزائرية. هذا الواقع يفرض إعادة تقييم لطريقة التعامل مع هذا الملف، خاصة أن استمرار الانفلات الأمني قد يؤدي إلى مزيد من الفوضى التي قد تمتد إلى خارج هذه المخيمات، ما يشكل خطراً أكبر على استقرار المنطقة ككل.

ما يزيد من تعقيد الوضع هو أن الأزمة الحالية تأتي في سياق إقليمي ودولي متغير، حيث أصبحت الحسابات الجيوسياسية أكثر تعقيداً، ولم يعد ممكناً الاستمرار في نفس السياسات التي اتبعت لعقود دون أن تتغير النتائج. فالدولة التي احتضنت هذا الكيان لعقود تجد نفسها اليوم أمام حقيقة جديدة لم تكن في حسبانها، وهي أن هذا التنظيم لم يعد يلتزم بدوره التقليدي، بل بات يتحرك وفق أجندات خاصة قد تتعارض حتى مع مصالح الحاضنة نفسها.

هذا الواقع يضع النظام الحاكم أمام معضلة كبرى: هل سيستمر في محاولة احتواء هذه الجماعات رغم فقدانه السيطرة الفعلية عليها، أم أنه سيعيد النظر جذرياً في طريقة تعامله معها؟ فاستمرار التوتر داخل هذه المنطقة لن يكون مجرد قضية داخلية، بل قد يفتح الباب أمام تدخلات خارجية، خاصة إذا ما تزايدت حالة الفوضى واتسع نطاقها.

وفي ظل كل هذه المعطيات، يتضح أن سياسة التوظيف السياسي والعسكري لهذا الملف لم تعد قابلة للاستمرار بنفس الآليات القديمة. فالأحداث الأخيرة أظهرت أن الكيان الذي كان يُنظر إليه كأداة أصبح عبئاً ثقيلاً، بل وربما مصدر تهديد داخلي يتجاوز الحسابات الإقليمية المعتادة. وما لم يتم إيجاد حل جذري لهذه الأزمة، فإنها ستظل قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، ليس فقط في وجه النظام الذي رعاه لعقود، ولكن أيضاً في وجه الاستقرار الإقليمي ككل.
 
 
زين العابدين الوالي،  رئيس المنتدى الأفريقي للأبحاث والدراسات في حقوق الإنسان