حرج وأي حرج هذا الذي وجد المغرب نفسه فيه أمام الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، الذي كان حاسما في موقفه من طلب المغرب تأجيل كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم في نسختها المقبلة باستبعاد فكرة التأجيل نهائيا من النقاش، واضعا بذلك المسؤولين المغاربة سياسيين ورياضيين بين مطرقة تنظيم التظاهرة في موعدها وبالشروط المتفق عليها ومن، ثم تجرع مهانة التراجع عن المواقف السابقة التي كانت تبدو قاطعة ولا رجعة فيها؛ وبين سندان الخضوع لعقوبات قاسية تضم غرامات مالية باهظة وحرمانا لشبابنا فرقا ومنتخبات من المنافسات الكروية القارية لمدة لن تقل عن سنتين إن لم تكن أكثر، دون أن نغفل ما سيصيب مصداقية بلادنا في المنتديات الكروية العالمية، وانعكاسات كل ذلك في شكل عزلة رياضية تساعد كثيرا أولئك الذين يتوقون إلى عزل المغرب سياسيا عن امتداده الجغرافي الطبيعي حيث توجد جذور شجرته الوارفة الظلال.
وبتحليل الوقائع كما تطورت يبدو أننا وصلنا إلى هذه الوضعية الحرجة من جراء إدمان أسلوب الهواية المبتدئة في مقاربة العلاقة مع المنتديات الرياضية الدولية والقارية، والتسرع في اتخاذ المواقف والتعبير عنها قبل دراسة المواضيع دراسة متأنية وعميقة ومن أبعادها المختلفة، وتصديق المونولوغ الذي نمارسه داخليا بيننا كمغاربة معتقدين أن العالم يتابعه وعليه الامتثال إليه. ومن النظرة الأولى للطريقة التي أثير بها الموضوع يمكن استخلاص مجموعة من الأخطاء سقطت فيها المقاربة المغربية شكلا ومضمونا.
1/من حيث الشكل
*تم الإعلان عن طلب التأجيل من قبل الوزارة الوصية وهي جهة حكومية. والجميع يعرف أن الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا والاتحادات القارية التابعة له لديهم حساسية خاصة إزاء ما يعتبرونه تدخلا حكوميا في الشؤون الكروية. وبالأمس القريب فقط كانت للمغرب تجربة في هذا المجال عندما رفض الفيفا الاعتراف بالجمع العام الأسبق للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، واضطر المغرب إلى نوع من الملاءمة لقوانينه الداخلية حتى لا تتعارض واللوائح الدولية وأعيد انعقاد الجمع العام مرة أخرى.
*كان من الضروري قبل اتخاذ القرار رسميا جس نبض الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، وإعداد كولسة للموضوع مع عدد من الاتحادات الوطنية حتى لا يبدو الطلب المغربي طلبا فرديا. ولم لا الإيعاز لبعض هذه الاتحادات أن تتولى هي رفع الطلب، بشكل يبدو معه الموقف المغربي استجابة لطلبات أخرى، وضمن مجموعة دول وليس منفردا في مواجهة الكاف، كما هو الوضع حاليا.
* والأهم من ذلك كان يجب أن يكون التذرع بالخوف من انتشار جرثومة مرض الإيبولا موضوعا ضمن سلة إجراءات تدخل في نفس الإطار من قبيل خفض الرحلات الجوية للدول التي ترتفع فيها نسبة المخاطرة، وسحب عائلات الدبلوماسيين المغاربة وموظفي المصالح البنكية والشركات الاستثمارية من تلك المناطق الخطرة، وتقييد عدد المنح الدراسية لطلاب تلك المناطق بشكل مؤقت، حتى يمكن أن يهضم الطلب المغربي ويجد من يتعاطف معه.
2/من حيث المضمون
*إن إثارة الخوف من عدوى انتشار جرثومة إيبولا وهو خوف مبرر كانت سترتدي المصداقية المتوخاة وتحدث الوقع المنتظر لو أنها أشفعت بتقرير صارم ومحصور في الوضعية المحتمل حصولها في المغرب صادر عن منظمة الصحة العالمية يحذر بشكل لا لبس فيه وبلغة علمية واضحة من مغبة سرعة انتقال العدوى داخل التجمعات الجماهيرية الكبرى بدلا من الاكتفاء بالصيغة المتداولة في التقارير الدورية للمنظمة الصادرة كل شهرين، والتي تنسجم كثيرا مع واقع انتشار المرض الذي لم يصنف بعد في درجة الوباء العامPandémieلأن أعداد المصابين في أزيد من ثلاث دول لم تتجاوز 15 ألف نسمة توفي ثلثهم فقط، وهناك حالات كثيرة شفيت من المرض.
*الاكتفاء في إطار مساعي تبرير التأجيل بالتواصل مع رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم فقط من منطلق معطى يثير الاستهزاء ألا وهو صداقته للمغرب حيث انتخب لأول مرة على رأس الاتحاد الإفريقي سنة 1988، في تجاهل تام إلى أن الرجل من موقعه هو صديق لكل دول القارة وليس للمغرب وحده، وأنه يمارس وظيفته وفق قوانين ولوائح عليه التقيد المطلق بها والتصرف على هديها، ولا يستطيع تحت اي ظرف من الظروف خرقها.
ولا شك أن تجاهل التواصل مع باقي أعضاء المكتب التنفيذي الذين من بينهم من ينتظر أي هفوة مغربية صغيرة، فما بالك بخطإ جسيم كهذا، يبرهن عن قصور كبير في الدبلوماسية الرياضية المغربية إن وجدت مثل هذه الدبلوماسية من الأصل.
*هذا القصور سيبدو جليا أيضا على المستوى الإعلامي حيث أخطأ الجانب المغربي عندما لم يرد هو الآخر على تصريحات رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بعد أن أقحم نفسه في الموضوع، ما جعل بعض المتربصين بالمغرب يعتقدون أن تصريحات الفرنسي السيد ميشال بلاتيني تمت بإيعاز أو بتنسيق مع جهات مغربية، الأمر الذي يدلل أن المغرب الرياضي لا يعلم حساسية الأفارقة ولو شكليا إزاء أي تدخل أجنبي في شؤون القارة، خاصة من المستعمرين القدامى.
*إن التعنت في ضرورة إقرار التأجيل، المعبر عنه في البداية لم يأخذ بعين الاعتبار أن المغرب يحتاج للقارة الإفريقية كثيرا إذا ما كان عازما على طرح ترشيحه لاحتضان كأس العالم سنة 2026. ومن المصلحة العليا في هذه الحالة عدم استعداء أي طرف إفريقي.
*الأخطر أنه قبيل القرار الإفريقي تم تقديم أمر التأجيل للرأي العام المغربي كنوع من تحصيل الحاصل في تجاهل تام لما قد يحصل من إحباط بعد ذلك، ويبدو أن الإحباط أصبح حقيقة ؛ الأمر الذي سيكون له ولا شك أثر سلبي كبير على زخم الحضور الجماهيري للتظاهرة إذا ما اضطر المغرب إلى تنظيمها في المواعيد المقررة تفاديا للعقوبات.
يتضح مما سبق أن التحرك المغربي كان موسوما بالارتباك منذ البداية، الأمر الذي أعطى فرصة ذهبية لكل من أراد أن يصفي حسابا ما مع المغرب، كما ظهر في العديد من التعليقات دوليا وقاريا كحديث بعضهم عن خشية المغرب من تكرار إخفاق سنة 1988 عندما استضاف البطولة على أمل الفوز بها فوجد نفسه يغادر المنافسة في نصف النهاية، وكذهاب بعضهم إلى الإقرار بفشل مسبق للمنتخب المغربي ما قد يولد تذمرا شعبيا غير محمود العواقب، معبرين بذلك عن أوهام مريضة تراودهم في هز استقرار المغرب، والعبث بأمنه.
وبهذا، فإن الموضوع الذي حاول الجانب المغربي في البداية حصره في النطاق الرياضي الصرف، وتجنب دخول الأبعاد السياسية فيه، أصبح موضوعا سياسيا بامتياز ؛ الأمر الذي يتطلب الحكمة والجرأة في اتخاذ القرار النهائي قبل الموعد المحدد بشكل يخدم المصالح المغربية ويواكب سياسة الانفتاح المتواصل على أعلى المستويات على القارة السمراء بعيدا عن المهاترات والمزايدات وتصيد الهفوات من هنا وهناك.