نجيبة قسومي: الإضراب العام.. معركة العمال من أجل حقهم في العدالة الاجتماعية وحماية الحقوق

نجيبة قسومي: الإضراب العام.. معركة العمال من أجل حقهم في العدالة الاجتماعية وحماية الحقوق نجيبة قسومي
يعتبر الإضراب العام الذي دعت إليه الكونفدرالية الديمقراطية للشغل (CDT) بمثابة صرخة من أعماق الطبقة العاملة ضد الإجهاز المستمر على حقوقها. هذا الإضراب، الذي جاء في وقت حساس، ليس مجرد احتجاج عمالي، بل هو انعكاس لواقع أليم من السياسات النيوليبرالية التي تسعى إلى تقويض الحقوق العمالية في المغرب، وإدخال البلاد في عهد من الاستغلال الممنهج والممنوع قانونًا. يبرز هذا الوضع في فشل مدونة الشغل في حماية حقوق العمال، التي أصبحت عاجزة عن الاستجابة للتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي يشهدها العالم.
 
يجب أن نقرأ هذا الاحتجاج من منظور النضال الطبقي الذي يناضل من أجل الحقوق الاجتماعية والاقتصادية. وهو نضال يفرض إعادة النظر في مدونة الشغل وتعديلها بما يتماشى مع المقتضيات الاشتراكية الملتزمة بالعدالة الاجتماعية والمساواة.
 
أولًا: مسببات الإضراب العام – عندما يصبح القانون أداة قمعية ضد حقوق العمال
الإضراب العام في المغرب ليس إلا نتيجة مباشرة لعدة عوامل هيكلية تعكس توجيه السياسات الاقتصادية والاجتماعية ضد مصالح الطبقة العاملة. من أبرز هذه العوامل:
1. مشروع قانون الإضراب: تقييد للحقوق بدعوى التنظيم
في زمن تسود فيه السياسات النيوليبرالية التي تميل إلى خدمة مصالح كبار الرأسماليين، يأتي مشروع قانون الإضراب ليُقيد هذا الحق الأساسي للعمال في الاحتجاج. وبدلًا من تنظيم الإضراب ليصبح أداة فعالة لمقاومة الظلم الاجتماعي، أصبح هذا القانون أداة لضمان استمرارية الاستغلال، وجعل ممارسة الإضراب مستحيلة عمليًا. هذا التوجه لا يتناقض فقط مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، بل يبرز كذلك النية الواضحة لسلطة الدولة في تقويض العمل النقابي وفرض الهيمنة الاقتصادية على العمال.

2. مدونة الشغل: قانون مفصل لصالح الرأسمال على حساب العمل
رغم مرور عشرين عامًا على اعتماد مدونة الشغل، فإن الواقع يكشف عن عجزها في مواجهة تحديات العصر، خاصة مع صعود العمل الهش والعمل الرقمي. فبدل أن تكون مدونة الشغل أداة تحمي الحقوق العمالية، أصبحت أداة لتكريس الاستغلال، وتضع العمال في وضعية ضعف أمام السلطة الاقتصادية. فالنظام التشريعي الحالي لا يوفر للعمال الحد الأدنى من الحماية الاجتماعية، خصوصًا في قطاعات مثل العمالة المؤقتة، العمال عبر المنصات الرقمية، حيث يبقى هؤلاء دون أي ضمانات قانونية كافية.

3. الحوار الاجتماعي: تقليصه إلى شكليات لإدامة السلطة
أما على صعيد الحوار الاجتماعي، فيغيب التفاوض الجماعي الفعلي لصالح استراتيجيات حكومية تهدف إلى إضعاف النقابات. النقابات لم تعد تجد مكانًا لها في عملية صنع القرار، بل هي مهمشة في إطار أجندات سياسية اقتصادية تتماشى مع الرؤية النيوليبرالية التي تراهن على خصخصة الحقوق الاجتماعية وتقليص دور الدولة في حماية العمال.
 
ثانيًا: تأثير الإضراب العام على الحركات العمالية – هل يُعيد الإضراب النقابي إلى سابق عهده؟
يعتبر الإضراب العام مؤشرًا مهمًا على تجذر نضال الطبقة العاملة ورغبتها في كسر قيود النظام التشريعي الذي يحاول تحجيم قوتها. لكن تأثير هذا الإضراب في الحركات الاحتجاجية العمالية بالمغرب يتجسد في عدة محاور:
1. الاستجابة لواقع اجتماعي مرير
من خلال الإضراب، توجه الطبقة العاملة رسالة قوية بأن الوقت قد حان لإعادة بناء القوة النقابية وإعادة التأكيد على الحقوق الأساسية. الإضراب ليس فقط رد فعل على الظلم، بل هو أيضًا دعوة لمراجعة شاملة لنظام العمل في المغرب، وهذا يتطلب توحيد النقابات في مواجهة الرؤية النيوليبرالية.

2. نضال الطبقة العاملة مرتبط بالنضال ضد الرأسمالية المتوحشة
إذا كانت الحركات العمالية قد تأثرت بتشظي النقابات، فإن الإضراب العام بمثابة إعادة تفعيل النضال النقابي في وجه الرأسمالية، الذي يعكس الإيمان العميق بـ العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. إنه نضال لا يتوقف عند حدود الحقوق العمالية فقط، بل يشمل أيضًا إعادة بناء الدولة الاجتماعية، التي يجب أن تكون قادرة على حماية العمال من استغلال رأس المال.

3. تقاطع الحركات الاجتماعية والعمالية
الطبقة العاملة ليست معزولة عن باقي الحركات الاجتماعية. فعلى الرغم من الانقسامات، نجد أن الاحتجاجات العمالية تتقاطع مع حركات أخرى تناضل من أجل الحقوق الأساسية في الصحة والتعليم والمساواة، ما يبرز وحدة القوى الشعبية ضد سياسة القمع الطبقي.
 
ثالثًا: القراءة السياسية – ضرورة تعديل مدونة الشغل في إطار الاشتراكية المتجددة
في ظل تصاعد الإضرابات العامة، تصبح مدونة الشغل أداة للتفكير الجاد حول إصلاح النظام القانوني الذي يضمن حقوق العمال. وبناءً على ذلك، فإن التعديل الجذري للمدونة أصبح أمرًا لا مفر منه:
1. إلغاء القوانين التي تقيد الإضراب وحماية حرية التنظيم النقابي
القانون يجب أن يكون أداة لتحقيق العدالة الاجتماعية وليس أداة قمع. وبالتالي، لا بد من إلغاء القيود على الإضراب، وجعل النقابات قوى فاعلة في إدارة العلاقات العمالية.

2. حماية الحقوق في القطاعات الجديدة
كما يجب أن يشمل التعديل إدماج العمال في القطاع الرقمي والعمل المرن في النظام القانوني، بما يضمن لهم حماية اجتماعية حقيقية، وتجنب الإهمال الذي يعاني منه هؤلاء العمال اليوم.

3. تطوير التفاوض الجماعي والحماية من الاستغلال
إن الإطار التشريعي يجب أن يحمي العمال من الاستغلال، ويجب أن يتأسس على إعادة النظر في الأسس التي تبنى عليها التفاوض الجماعي، مع تعزيز دور النقابات في هذه العمليات، ليكون العمال فعلاً شريكًا في اتخاذ القرار.
 
ختاما
إن الإضراب العام في المغرب يمثل نقطة فارقة في مسار النضال العمالي. فقد أصبح من الواضح أن مدونة الشغل قد أضحت عاجزة عن حماية حقوق العمال، وهي بحاجة إلى تعديل جوهري يتماشى مع قيم العدالة الاجتماعية التي يناضل من أجلها اليسار. التعديل الشامل للمدونة يجب أن يهدف إلى حماية حقوق العمال، وإلى وضع آليات قانونية تواكب التحولات الاقتصادية المعاصرة، وتعكس التزامات المغرب في الحقوق العمالية المنصوص عليها دوليًا.
 
 
نجيبة قسومي/ باحثة في القانون الاجتماعي، عضو المجلس الوطني لحزب فدرالية اليسار