ويرى بنار في حوار مع أسبوعية “الوطن الآن”، أن “الأسعار مرشّحة للارتفاع، و تعكس الكثير من الأرقام المرتبطة بالموضوع حجم المشكل ،وخطورة استمرار الوضع بوتيرته في القادم من الأيام والمناسبات والظروف البيئية وغيرها كثير.
وفي ما يلي النّصّ الكامل للحوار:
لماذا تستمرّ الحكومة في دعم مستوردي الّلحوم، إذا كان هذا الدّعم لا يحدث الفارق المطلوب، ولا يخدم المستهلكين؟
قبل الحديث عن تعنت الحكومة في الاستمرار بتقديم الدعم رغم انعدام النتائج الإيجابية لذلك، يجب تحديد الجزء الظّاهر من أشكال الدعم، بهدف الوقوف على حجم المشكل وأبعاده وآثاره ذلك على الدارة الاقتصادية للبلد، ووضع المستهلك في النهاية.
أولا: أنواع الدعم
1. تعليق رسوم الاستيراد على الاستيراد بالنسبة للبقر والغنم المستورد وكذا اللحوم المجمدة؛
2. الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة بالنسبة لنفس المجال والعناصر؛
3. دعم استيراد الغنم في حدود 500 درهم لكل رأس؛
4. دعم تربية العجول في حدود 6 آلاف درهم لكل عجل شريطة أن يتوفّر المربي على 5 أبقار أو 10 أبقار؛
5. دعم الأعلاف الموجهة للقطاع؛
6. دعم الشعير الموجه لعلف الماشية.
ثانيا: استيراد أكثر من 1500 طن من اللحوم البرازيلية وكميات أخرى، ومنع ذبح أنثى البقر.
إذن، رغم كل هذه الإجراءات والتدابير المحمودة، من حيث المبدأ، ظلّ سعر اللّحوم في أرقامه القياسية، بل هو مرشّح لتحطيم أرقام أخرى مع توالي الشّهور المقبلة. والسؤال: لماذا هذا التعنت في اعتماد نهج ثبت فشله العملي بالأرقام العلمية، وبحجة الواقع الذي يكتوي بناره المستهلك المغربي؟
في تصور الإئتلاف الوطني لجمعيات حماية المستهلكين هناك أسباب عدّة:
الأول: هو أنّ الحكومة تعتبر أنها قامت بما يلزم، من خلال سنّ الإجراءات السالف ذكرها ورصد أشكال الدعم المطلوب، والتي كان يفترض أن تؤثر على العرض والسعر لصالح المستهلك. وهذا صحيح إلى حدّ ما. لكن لا يكفي تقديم الدعم لتأطير العرض، بل يفترض أن تتمّ عقلنة اشكال الدّعم وإجراءات رصده، السّابقة منها واللاّحقة، حتّى تتحقّق الأهداف النّهائية المتمثّلة في توفير المنتوج بالجودة والسّعر المطلوبين. وهذا يقتضي تتبع المعيقات واستجلاء الثّغرات التّنظيمية التي حالت دون ذلك في سلسلة القيم من الإنتاج والتّوزيع والتّسويق.
الثّاني: هو انعدام التّنسيق بين الإدارات الوصية في علاقتها بباقي الدّوائر الفاعلة. ويتجلّى ذلك من خلال انعدام تتبع مآلات آثار الدّعم من قبل مصالح المراقبة التّابعة لمختلف الإدارات والمصالح المعنية. صحيح أننا أمام منتوج محرّر، لكن السّلطات العمومية تملك صلاحيات كبيرة للتّأثير أكثر في مسار التّموين والأسعار.
الثّالث: يبدو أن الدّعم “الفلكوري” واستمراره بأسباب عديمة التبرير والجدوى (بمقياس المستهلك)، له بواعث سّياسية بنكهة الإستهلاك الاجتماعي، أكثر منها اقتصادية.
الرّابع: صرف الدعم هو تنفيذ لبرنامج يجب أن يصار به إلى النّهاية، إذ لا يمكن الحكم على نتائجه في منظور من يخصّصونه، قبل صرفه نهائيا.وإلا ما معنى استمرار التّتبع السّلبي لنزيف جيوب المستهلكين.
الخامس: انعدام وجود ضغط فعليّ على صانعي قرار الدّعم خاصة جمعيات المجتمع المدني المؤثّرة في هاته القرارات.
السّادس: نجاح لوبي استيراد الماشية واللّحوم في ضبط إيقاع مسيرة هذا الدّعم، رغم فشل نتائجه.
هل يمكن تفسير ذلك بفشل استراتيجيات الحكومة في تعزيز القدرة الإنتاجية المحلية، خاصّة أن المسؤولين عن القطاع يرجعون الأزمة إلى الجفاف؟
نعم الفشل الذريع هو عنوان تدبير المرحلة، والنتائج الحالية هي كارثية بالنسبة لشريحة عريضة من المستهلكين بالمغرب، خاصة وأن فئة من الفاعلين في القطاع تبرر فشل النتائج بسلوك العناصر الأخرى المشكلة لمشهد سلسلة القيم. ويستمر تراشق التهم والمسؤوليات، ليبقى المستهلك هو الضّحية الأول والأخير لتنفيذ هكذا برنامج. فقد رفع برنامج مخطّط المغرب الأخضر منذ 2007 عدّة شعارات بسقف مرتفع مرتبط بتحديث أساليب تربية المواشي، وتثمين السّلالات وزيادة اللّحوم الحمراء وتشجيع الاستثمار في قطاع المواشي من خلال إنشاء التّعاونيات واعتماد التّكامل في سلاسل القيم. والنتيجة الحالية، ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، وقلة العرض، رغم كل أشكال الدعم بملابساته السابق ذكرها.
لكن، هل الجفاف هو المسؤول عن الارتفاع الصّاروخي المستمرّ في أسعار اللحوم والأسماك والخضر والفواكه؟
صحيح للجفاف دور في الموضوع، شريطة الا تتحول الظاهرة البيئية لشماعة تخفي الأسباب الحقيقية، والموضوعية لمعضلة التموين البنيوبة ،بسبب زيادة الضّغط على الموارد المائية التي تهدر في مجالات تقلّ أهمية عن ضرورة توفير المراعي، والتّخطيط لتوزيع الثّروة الحيوانية، وفرص الوصول إلى الدعم. ونفس المعاناة يتكبّدها مستهلك الأسماك بالمغرب،إذ رغم توفّر المغرب على كلّ مقومات الاكتفاء الذاتي من الأسماك بكل أنواعها، ويعود السّبب في ذلك إلى ما يلي:
· تعدد الوسطاء، إذ يصل معدّلهم إلى 5 وسطاء ما بين مرحلة الإنتاج، أي مركب أو باخرة الصيد والمستهلك.
· جزء كبير من هذه الأسماك لا يمرّ عبر المسالك القانونية التي تمكن من تتبّع المسالك الفعلية لتسويق هذه الأسماك؛ بتهريب ممنهج.
· غيّاب كلّي لأجهزة المراقبة، رغم وجود نصوص قانونية واضحة تسند مسؤولية المراقبة والتتبع في كل مراحل التّسويق، وعلى الخصوص في أسواق الجملة للخضر والفواكه والأسماك؛
· تداخل الاختصاص بالنّسبة لمجالات المراقبة ونطاقها. مثلا لا يمكن لأعوان وزارة الصّيد البحري، وكذا المكتب الوطني للصّيد مراقبة وتتبع مسالك تسويق الأسماك على النحو المذكور سابقا في إطار الفصل 61 من حرية الأسعار والمنافسة، في حين يسمح بذلك للأعوان التّابعين لوزارة الدّاخلية التي لا تعتبر أصلا وصية على القطاع؛
· الصيد الجائر، سواء من خلال تجاوز الحصص المسموح بها رسميا أو من خلال صيد الأسماك لا يسمح باصطيادها أثناء الرّاحة البيولوجية، أو بالنظر لصغر حجمها.
كل هذه العوامل وغيرها تلعب دورا في مسبح الواقع التّمويني للأسماك من حيث الوفرة والسّعر. ونفس الشيء بالنّسبة للخضر بخصوصيات مختلفة عن قطاع الأسماك.
لكن، ما سرّ الاستمرار في التّوجّه إلى الأسواق الخارجية للتّخفيف من أزمة اللّحوم؟
ترجع الأسباب بالأساس إلى فشل برنامج وأهداف ونتائج مخطّط المغرب الأخضر، خاصّة بالنسبة لقطاع تربية المواشي، ولعل الهدف في هذا التوجه هو ما يلي: