هل يمكن اعتبار عدم اتخاذ الحكومة إجراءات فعالة لضبط أسعار اللحوم الحمراء سببا في استمرار ارتفاعها؟
هناك فرق بين اتخاذ التدابير والإجراءات، وبين تنزيلها، والمرتبطة أساسا بـاليات الحكامة. وبالتالي من الصعب، اصدار حكم قيمة على فعالية التدابير المتخذة في سوق يخضع للعرض والطلب. كما أن هذه الأزمة المستوردة من الأسواق العالمية، بسبب التضخم ضرب أساسا قطاع انتاج الأعلاف، حيث بلغ %29 بالنسبة للمنتوج المحلي، و% 13للمنتوج المستورد، وهو ما أثر على ارتفاع ثمن اللحوم ب % 20 في نهاية سنة 2022. ولقد تبين بعد ذلك، أن هذا التضخم بنيوي، كما أنه تزامن مع أربع سنوات متتالية من الجفاف، لذلك فان التدابير التي اتخذتها الحكومة، بتعليق فرض رسوم الاستيراد على الماشية المخصصة للذبح، وكذا تعليق الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 10%، بالنسبة للأعلاف البسيطة المستخدمة في تغذية الماشية، والغاء الضريبة على القيمة المضافة على المواشي المستوردة، لها أثر إيجابي على تكاليف التغذية عند المربين. وبالتالي فيمكن القول، أن هذه الإجراءات، ربما لم تساهم في خفض ثمن اللحوم، لكنها ساهمت في الحد من ارتفاعها.
يتحدث مراقبون عن دور لوبيات تجارية تحتكر السوق وتستغل الأزمة لرفع الأسعار. ما هو تعليقك؟
اللوبيات جزء من الفاعلين ضمن منظومة الذكاء الاقتصادي، ولهم دور محوري في حماية المصالح الاقتصادية الوطنية. ولقد تبين نفوذها في ابرام الاتفاقيات التجارية، أو في فرض رسوم جمركية على الواردات، لحماية المنتوج المحلي، كما كان الوضع مع الواردات التركية المتعلقة بالنسيج في المغرب. كما أن الحرب التجارية لترامب على الصين سنة 2018، كان وراءها لوبي اقتصادي، ونفس الأمر للاتحاد الأوروبي الذي يرضخ لضغوطات بعض اللوبيات في سن بعض القوانين.
وبالتالي، لا يمكن الحديث هنا عن لوبيات، بل عن بنية السوق المغربي، التي لا تختلف عن خصائص دول العالم الثالث أو السائرة في النمو، ولعل أبرزها زواج السلطة والمال، وهناك عدة كتابات في هذا الشأن. أما الجزم عن ارتباط هذا الزواج بأزمة رفع الأسعار، فذلك من اختصاص الأجهزة الأمنية، حسب المدرسة الفرنكوفية للذكاء الاقتصادي، والتي يتبناها المغرب. اذ لاحظنا، كيف أن المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني ساهمت في اعداد تقارير حول بعص المنعشين العقاريين الذين تلاعبوا في الدعم الموجه للسكن بالدار البيضاء، كما أعدت عدة تقارير متعلقة بملفات مصالح الضرائب.
لماذا لم يساهم دعم استيراد اللحوم الحمراء وتخفيف تكاليف الإنتاج في ضمان وفرة نسبية بالأسواق؟
يبلغ ثمن اللحوم الطازجة المستوردة من اسبانيا 80 درهما، في حين أن اللحوم المنتجة وطنيا تمثل 110 الى 120 درهما، وهو ما يمثل % 30 من الفرق. ربما تراجع الاستهلاك بسبب ارتفاع الأسعار، يؤدي ببعض البائعين الى تعويض هذه الخسارة برفع سعر الكيلوغرام، من جهة. من جهة أخرى، فان الحكومة لم تواكب هذا الاستيراد بعصرنة قطاع توزيع اللحوم أو دعمه.
وبخصوص الدواجن ما هي الأسباب وراء ارتفاع أسعارها؟
الدواجن هي منتوج بديل للحوم الحمراء (produit de substituion)، اذ المستهلك يلتجأ الى لحوم الدواجن، بعد ارتفاع ثمن اللحوم الحمراء، وهو ما يخلق طلبا عليها، وبالتالي ترتفع أثمانها بدورها. لكن لا يمكن استثناء الجفاف، حيث أن ارتفاع درجة الحرارة ترفع من تكلفة الإنتاج، ودون استبعاد فرضية تجار الأزمة أيضا، الذين يعمدون التلاعب بسلاسل الإنتاج، لرفع الأسعار.
تحدث وزير الفلاحة عن تأثر السمك بالجفاف في تبرير له على ارتفاع أسعاره أيضا. ما هو تعليقك؟
تصريح وزير الفلاحة صحيح، لكنه خانه التعبير. خلال تساقط الامطار، فان الوديان والانهار التي تصب في البحر، تعزز من نسبة العوالق أو البلانكتون، هذه الكائنات الحية تساهم في تغذية الأسماك. كما أن طفو مياه البحر الباردة على السطح، بفعل الرياح الشرقية الغربية المصاحبة للأمطار، تحمل معها المواد الغذائية المترسبة في الأعماق، حسب المعهد الوطني للصيد البحري (أكادير).
في رأيك. ماهي الحلول المناسبة لتجاوز الأزمة؟
يجب تعزيز تدابير تربية المواشي في برنامج الجيل الأخضر، مع تقديم تحفيزات ذات طابع مادي، لبلوغ بعض أهداف السيادة الغذائية. هذه الأخيرة، لن تأتى دون محاربة ظاهرة الاحتكار، والمضاربة، واقتصاد الريع (ان وجدوا). سأكون أكثر عقلانية، إذا اقترحت الغاء أضحية العيد لهذه السنة، في حالة استمرار شح التساقطات. لأن لحوم أضحية العيد، تمثل % 30 من مجموع مصاريف المستهلكين الموجهة لاقتناء اللحوم، وبالتالي سيكون له أثرا إيجابيا على القدرة الشرائية للمواطنين، وكذا على المخزون الحيواني. خصوصا، أن السلوك الاستهلاكي للمغاربة خلال المناسبات، مرتبط بأطباق اللحم، كما أن % 48 منهم يتناولون اللحم عدة مرات خلال الأسبوع، حسب دراسة تعود لسنة .2019
نورالدين القدوري، أستاذ وباحث في العلوم الاقتصادية والتسيير