احتضنت قاعة الندوات بوزارة الداخلية، يوم الخميس 30 يناير 2025، أشغال الندوة العلمية حول الهجرة وتدبير الحدود تحت شعار: "تدبير إنساني للحدود: من تدبير الهشاشة إلى تحفيز الفرص".
شهدت الندوة مشاركة نخبة من ممثلي المؤسسات والباحثين والمهنيين، وتميزت جلستها الافتتاحية بكلمات كل من الوالي مدير مراقبة الحدود والهجرة، خالد الزروالي، ومدير الشؤون الجنائية والعفو بوزارة العدل، هشام الملاطي، ولورا بالاتيني، رئيسة بعثة المنظمة الدولية للهجرة بالمغرب، وفرانسوا رايبي ديغات، رئيس بعثة المفوضية السامية للاجئين بالمغرب.
في كلمته الافتتاحية، أوضح خالد الزروالي أن هذا اللقاء، الأول للمرصد الوطني للهجرة برسم سنة 2025، خُصص لمناقشة موضوع بالغ الأهمية يتعلق بتدبير الحدود، الذي يُعد أحد الأسس المهيكلة لحكامة الهجرة. وأضاف أن الهجرة، في الوقت الراهن، من أكثر القضايا تعقيدًا نظرًا لما تنطوي عليه من رهانات جيوستراتيجية، وسياسية، واجتماعية، واقتصادية، ودبلوماسية، وأمنية، وصحية، معتبرًا أن الهجرة عنصر أساسي في العلاقات الدولية وتشكيل مجالات التعاون الإقليمي.
وأكد أن الرهان الأساسي يتمثل في جعل الإنسان محورًا أساسيًا ضمن معادلة الهجرة والتنقلات البشرية، تماشيًا مع التوجيهات الملكية للملك محمد السادس، مشددًا على ضرورة أن يبقى البعد الإنساني، القائم على احترام حقوق المهاجرين، في صدارة جميع استراتيجيات الهجرة المعتمدة على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية.
وأشار الزروالي إلى النهج الذي اعتمده المغرب بهذا الخصوص، موضحًا:
أولًا: التحول الجوهري الذي قاده الملك محمد السادس منذ سنة 2013 في مجال الهجرة، حيث بفضل توجيهاته الملكية، أصبحت المملكة المغربية تمتلك استراتيجية وطنية للهجرة واللجوء. وتتميز هذه الاستراتيجية بشموليتها وتكاملها وتضامنها وإنسانيتها، حيث اتخذت منظومة قيم تجعل من احترام حقوق المهاجرين ركيزة أساسية لها.
ثانيًا: تنزيل هذا التوجه الشامل عبر سنّ مفهوم متجدد يحمل الطابع المغربي، ويرتكز على أنسنة تدبير الحدود بمفهومها الواسع والمتميز. إذ يتبنى هذا المفهوم الجديد نهجًا شاملاً يتتبع مسار المهاجر منذ لحظة لقائه الأول بالجهات المعنية، مرورًا بتحديد مستوى هشاشته، وتوجيهه، وصولًا إلى إدماجه في المجتمع. ويهدف هذا التصور المبتكر، الذي لا يتوقف عند منتصف الطريق، إلى مواكبة المهاجر واستثمار إمكانياته، بما يجعله عامل إثراء وتنوع داخل المجتمع المغربي.
وأكد الزروالي أن المقاربة المغربية في مجال الهجرة اعتمدت تدبيرًا إنسانيًا يشمل أنسنة الحدود، من خلال الارتقاء بها من المستوى العملياتي إلى مستوى الحكامة الشاملة.
وأعرب الزروالي عن تطلعاته بخصوص أهداف تنظيم هذه الندوة العلمية، المتمثلة في تعزيز التفكير المشترك بشأن أنسنة تدبير الحدود، وصقل أبعاده وتأثيره وآفاقه، من خلال مزيج متوازن بين المتطلبات القانونية والإجرائية والعملية والإنسانية، وتعزيز التعاون الفعال والبنّاء بين جميع الشركاء. كما شدد على أن هذا اللقاء يشكل فرصة لمناقشة السبل الناجعة لجعل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في خدمة أنسنة تدبير الحدود.
وأشار الوالي الزروالي إلى أن الدينامية الفريدة التي تتبناها المملكة المغربية ونهجها المبتكر، الذي يقطع مع المقاربة الكلاسيكية في إدارة الحدود، برزت كذلك من خلال المبادرة التي أطلقها الملك محمد السادس، والرامية إلى تعزيز ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي.
وأضاف أن هذه المبادرة الجيوستراتيجية الكبرى رفعت مفهوم الشمولية وأنسنة تدبير الحدود إلى أعلى المستويات. فالواقع أن الرؤية الملكية تجاوزت المقاربة التقليدية للحدود، التي كانت ترتكز على منظور الحدود المادية، لتبرز دور الحدود في خدمة تطور الأفراد وازدهار المجتمعات، من خلال تعزيز التكامل الاقتصادي والتعاون الإقليمي.
وأوضح أن هذا التوجه الاستراتيجي نحو الإدماج والانفتاح، المستمد من الرؤية الملكية، يشكل المحرك الرئيسي لتدبير ملف الهجرة في المغرب.
وأكد الوالي الزروالي أن المغرب يعمل على تنزيل هذه المقاربة الإنسانية في إدارة الهجرة، والترافع عنها في مختلف المحافل الدولية، بالتنسيق مع شركائه المتعددين، بهدف تحقيق انخراط جماعي حولها.
وفي هذا السياق، أشار إلى أن الميثاق الإقليمي جنوب-شمال، المتعلق بأنسنة تدبير الحدود، والذي اقترحه المغرب سنة 2023 في إطار مسلسل الرباط، يُعد جزءًا من هذا النهج، مؤكدًا استمرار التشاور والتفكير من أجل التبني الجماعي لهذا الميثاق والعمل على تنزيله بشكل واقعي وفعال.
واختتم كلمته بالتأكيد على أن أشغال هذه الندوة ستكون لبنة أساسية لإثراء المبادرة المغربية المتعلقة بورش أنسنة الحدود، وذلك بفضل اقتراحات وخبرات المشاركين من الممارسين والباحثين في مجالات الهجرة والحدود وحقوق الإنسان.