يقول المفكر الفرنسي جان بول سارتر: "الحرية ليست في أن نفعل ما نريد، بل في أن نكون قادرين على تحمل تبعات أفعالنا." هذه المقولة تعكس بشكل عميق التناقض بين ما تدعيه الجزائر من التزام بالقيم الإنسانية والأمن الإقليمي، وبين أفعالها الحقيقية على الأرض. ففي حين تروج الجزائر لنفسها كداعمة للسلام والاستقرار، فإن ممارساتها تتناقض مع هذا الادعاء، من خلال الإسهام في تأجيج الصراعات وخلق الفوضى ودعم الجماعات المسلحة، مما يجعلها تتبنى سياسة خارجية مزدوجة تهدف إلى تحقيق مصالحها الإقليمية على حساب استقرار الدول المجاورة.
تاريخ الجزائر مع الجماعات المسلحة
منذ تسعينيات القرن الماضي، عاشت الجزائر فترة من العنف الداخلي بسبب صراعها مع الجماعات المسلحة التي كانت تسعى لإقامة حكم إسلامي. ومع مرور الوقت، تطور المشهد الأمني ليصبح أكثر تعقيدًا مع صعود جماعات مثل "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" (AQIM). وعلى الرغم من أن الجزائر كانت ضحية لهذه الجماعات، إلا أن هناك تحليلات تشير إلى أنها قد تكون لعبت دورًا غير مباشر في دعم بعض هذه الجماعات لتحقيق مصالحها الإقليمية.
وحيث يطالعنا تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة (2020)، الصفحة 12، إلى أن: "الجماعات المسلحة في منطقة الساحل، بما في ذلك القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، تستفيد من الدعم اللوجستي والمالي الذي قد يأتي من دول مجاورة، بما في ذلك الجزائر." كما أشارت منظمة العفو الدولية في تقريرها لسنة 2019، الصفحة 8، أن: "الجزائر قد تكون سمحت لبعض الجماعات المسلحة بالعمل في المناطق الحدودية مع مالي والنيجر، وذلك في إطار سياستها الإقليمية التي تهدف إلى موازنة النفوذ الأجنبي."
من خلال هذه التقارير، يمكن استنتاج أن الجزائر تتبع سياسة إقليمية تعتمد على خلق الفوضى وعدم الاستقرار لتحقيق أهدافها. فمن الناحية الأمنية، هذه السياسة تؤدي إلى زيادة التهديدات في المناطق الحدودية، ما يتسبب في ارتفاع معدل الهجمات الإرهابية وتهريب الأسلحة والمخدرات، وهو ما يفسر عدم استقرار دول مثل مالي والنيجر. وبالتالي، فإن الأدلة تشير إلى سياسة مزدوجة تهدف إلى حماية المصالح الإستراتيجية للجزائر، حتى لو كان ذلك على حساب استقرار الدول المجاورة.
دعم الانقلابات وخلق الفوضى في دول إفريقيا جنوب الصحراء والساحل
واهم من يعتقد أن النصر حليف دائم لمن "يتبع سياسات ملتوية"، وواهم من يظن أن النصر حليف دائم لمن يغيّر مواقفه بين أمسه ويومه كما يغيّر قمصانه، وتنميق الكلمات ليس كافيًا لقلبه أو لجعل سفَلته أعزّة وأعزّته سفَلة. الداعي لأن نستفتح هذا المحور بهكذا كلمات هو الدور المثير للجدل للجزائر في دعم الإنقلابات في الدول الإفريقية.
في هذا السياق، تثير سياسة الجزائر جدلاً كبيرًا فيما يتعلق بدعمها للانقلابات في الدول الإفريقية. ففي مالي، على سبيل المثال، تشير تقارير إلى أن الجزائر دعمت جماعات مسلحة لزعزعة استقرار البلاد، وذلك في إطار سعيها لتعزيز نفوذها الإقليمي. ففي تقرير مجموعة الأزمات الدولية (2021)، الصفحة 15، تم الإشارة إلى أن: "الجزائر قد تكون قد دعمت جماعات مسلحة في مالي لزعزعة استقرار البلاد، وذلك في إطار سعيها لتعزيز نفوذها الإقليمي." كما أشار تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش لعام 2020، الصفحة 10، إلى أن: "الجزائر تتهم بدعم جماعات مسلحة في النيجر وتشاد، ما يسهم في تأجيج الصراعات الداخلية في هذه الدول."
السياسة الجزائرية ونشر حالة انعدام الأمن.
سعي الجزائر حالة من انعدام والاستقرار في منطقة الساحل والصحراء يجعلها تتعامل مع بعض الجماعات المسلحة بأسلوب غير مباشر. ففي ليبيا، على سبيل المثال، تدعي الجزائر أن استقرار البلاد مهم بالنسبة لها، ولكنها في ذات الوقت كانت تدعم الصراع بين الفصائل المسلحة، في تقرير الأمم المتحدة (2021)، الصفحة 7، تم الإشارة إلى أن "الجزائر قد تكون قد سمحت لبعض الفصائل المسلحة بالعمل في المناطق الحدودية مع مالي والنيجر، وذلك كجزء من حساباتها السياسية والإستراتيجية." كما أشار تقرير منظمة الشفافية الدولية (2020)، الصفحة 5، إلى أن: "الجزائر تشارك في تحالفات إقليمية مثل مجموعة الخمس للساحل (G5 Sahel)، ولكنها في ذات الوقت تتمتع بعلاقات مع بعض الأطراف المتنازعة في المنطقة، بما في ذلك الجماعات المسلحة، في مسعى لحماية مصالحها الأمنية والسياسية."
هذه التدخلات والعلاقات المشبوهة بين مكافحة الإرهاب وحماية المصالح الخاصة تجعل السياسة الجزائرية محط تساؤلات وتحليلات لا تخرج عن إثبات مسؤوليتها في زعزعة استقرار الدول المجاورة.
خاتمة
قد نكون آثرنا الكتابة والنبش في الأدلة للوقوف على واقع سياسة جزائرية نرجسية تقودها نحو المجهول وترديها فيه أذلّة، بعدما أسالت لعاب المتربصين والمتحينين لكل فرصة تتيح لهم امتطاءها لخلق الفوضى في دول إفريقيا جنوب الصحراء ودول الساحل، عساها تُلبسهم لبوس المغوار المتجذر في صرح الكاريزما الشعبية والقوة الجماهيرية، لعلمهم اليقيني بأرجحية النظرية القائلة: "من لا جماهير له، لا قوة له، ومن لا قوة له، لا حق له". وما دام من غير اليسير الحصول على جماهيرية شعبية تُكرَّس في ميدان العمل والسياسة الخارجية للجزائر، فلا بأس بكاريزما وهمية يسهل بلوغها عبر خلق الفوضى في دول الجوار، نسميها التناقض بين الرأي وضده، وبين القول وفعل عكسه في الوقت ذاته.
على الرغم من تصريحات الجزائر الرسمية النافية لدعمها المباشر للجماعات المسلحة، فإن سياساتها الإقليمية تظل محط تساؤلات. ففي الوقت الذي تدعي فيه الجزائر موقفًا واضحًا في مكافحة الإرهاب، فإن تعقيدات العلاقات الإقليمية تجعلها تتعامل مع بعض الجماعات المسلحة بطريقة غير مباشرة، كجزء من سياسة معقدة تسعى لتحقيق توازن بين الأمن الداخلي والمصالح السياسية الخارجية. ولن يجد هذا النظام مخرجًا من أزماته إلا بالاعتراف بالفشل والبدء في إصلاح حقيقي يضع مصلحة الشعب الجزائري فوق كل اعتبار.