الصادق العثماني: فلسفة السلام والأمن في الإسلام

الصادق العثماني: فلسفة السلام والأمن في الإسلام الصادق العثماني
فلسفة السلام والأمن في الإسلام تقوم على مبادئ شاملة تهدف بالأساس إلى تحقيق الطمأنينة والاستقرار على المستويين الفردي والجماعي؛ لهذا الإسلام يدعو إلى الأمن والسلام باعتبارهما ضرورة لعمارة الأرض وازدهار الحياة وتقدم الأمم والشعوب، ولا يمكن للمجتمعات أن تزدهر وتُعمِّر الأرض إذا غاب الأمن، فالأمن كما هو معلوم يُتيح للأفراد العمل والاجتهاد والإبداع دون خوف أو قلق. وتعالج  هذه الفلسفة مشكلة الأمن والسلام من زوايا متعددة تشمل العقيدة، الأخلاق، القانون، والعلاقات الإنسانية.. ومن أبرز معالم هذه الفلسفة هو الإيمان؛ بحيث تعتبر شريعة الإسلام الأمن والسلام نعمة من نعم الله تعالى تستحق الشكر، كما تربط بين الإيمان والأمن، يقول سبحانه وتعالى"الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون" ؛ فالإيمان الحقيقي ينعكس على سلوك المسلم في تحقيق السلام مع نفسه ومع الآخرين؛ لهذا الإسلام يوجه أتباعه لتحقيق السلام في كافة تعاملاتهم، مما جعل السلام  تحية الإسلام وأحد أسمى مبادئه،  فتحية الإسلام: "السلام عليكم" تجسد مبدأ نشر السلام والمحبة بين الناس، وتحثنا على الدخول في السلم كافية يقول سبحانه " ياأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة.." أي الدخول في السلم الداخلي والخارجي؛ فالأمن الداخلي يُعنى بحفظ الاستقرار داخل المجتمع من خلال تطبيق العدالة ومحاربة التطرف والغلو والإرهاب والظلم والفساد بجميع أنواعه، مع حفظ الضروريات الخمس (الدين، النفس، العقل، المال، النسل).  أما الأمن الخارجي، فيشمل حماية المجتمع من الأعداء وردع أي عدوان، مع الالتزام بعدم الاعتداء أو الظلم. قال تعالى: "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله" كما أن فلسفة الأمن في الإسلام ترى أن العدل هو الضامن الأساسي لتحقيق الأمن والسلام؛ بحيث الظلم يُعتبر مصدرًا للفوضى والخوف، لذا أمر الإسلام بالعدل مع الجميع، حتى مع الأعداء "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى"، علما أن دين الإسلام هو دين السلام ويدعو إلى السلام،  وينبذ العنف والإرهاب والتطرف ويكره الحروب ولا يحبذها؛ إلا في حالات الدفاع عن النفس أو دفع الظلم. حتى في الحروب، فرض الإسلام قواعد أخلاقية مثل حماية المدنيين وعدم الإفساد في الأرض.  قال النبي صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم الناس من لسانه ويده"، ومن أجل السلم الاجتماعي واستقرار الأمن والأمان بين الأمم والشعوب والدول وضع الإسلام  قواعد لتعزيز هذا السلم والأمان والاستقرار، مثل الإصلاح بين الناس، احترام التنوع، ونبذ العصبية والخلافات التي تؤدي إلى زعزعة الأمن. قال تعالى: "إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم" . مع العلم ان فلسفة الأمن في الإسلام لا تقتصر على  الإنسان فقط؛  بل تشمل البيئة والمخلوقات الأخرى،  لهذا حرم الله تعالى الإفساد في الأرض بأي شكل من الأشكال قال تعالى:    "ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها".

ختاما: فلسفة الأمن في الإسلام تهدف إلى تحقيق مجتمع متوازن يعيش فيه الأفراد بسلام داخلي وخارجي، مستندين إلى مبادئ الإيمان، العدل، والتسامح.. هي في الحقيقة فلسفة شمولية تعزز السلام بين الإنسان وربه، وبين الإنسان وأخيه الإنسان، وبين الإنسان والكون.

ومما يُبرز أهمية الأمن كنعمة لا غنى عنها جعله سيدنا إبراهيم عليه السلام  من أفضل دعائه يقول سبحانه "وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمناً وارزق أهله من الثمرات". صدق الله العظيم .
الصادق العثماني - أمين عام رابطة علماء المسلمين بأمريكا اللاتينية