فؤاد زويريق: تألق فيلم "مرجانة"  في استدعاء روح شخصية "كارمن" 

فؤاد زويريق: تألق فيلم "مرجانة"  في استدعاء روح شخصية "كارمن"  من ملصق الفيلم
شاهدت اليوم الفيلم المغربي ''مرجانة'' للمخرج جمال السويسي، الذي انتج قبل سنوات، ولم تتح لي الفرصة إلا اليوم لمشاهدته، أعجبني فيه مغامرته باستحضار واستدعاء روح شخصية كارمن من الأوبرا المشهورة التي تحمل نفس الإسم للمؤلف جورج بيزيه، وإسقاطها بقوة على شخصية مرجانة بطلة الفيلم، هذا الاستحضار أهمل كل الشخصيات المحيطة بكارمن الأصلية، وأفرد مساحة كبيرة لشخصية مرجانة حيث ركز عليها دون غيرها، بل وعوض شخصية ''دون خوسيه'' الذي أغرم بشدة بكارمن في المسرحية الى درجة الغيرة القاتلة ومطاردتها ومطاردة كل عشاقها، بالمجتمع المغربي، هذا المجتمع الذي ستخوض معه مرجانة صراعا تراجيديا، فشعورها بالانتماء اليه لم يعفيها من محاولة فرض سيطرته عليها وتقييد حريتها والحجر على ميولاتها، فحملها من حبيبها الذي توفي، دون زواج رسمي واصرارها على الحفاظ على جنينها مهما يكن، جعلها تواجه المجتمع بكل ترسانته العرفية والاخلاقية والدينية... الصراع بين الطرفين، المجتمع المتزمت المنغلق على نفسه، ومرجانة المتحررة العاشقة للحياة التي تحاول أن تعيش هذا الجانب من شخصية كارمن في حياتها الواقعية، صراع رغم كلاسيكيته السردية المتناولة في الكثير من الأعمال، له هنا نكهة خاصة كون المخرج استدعى الأوبرا كمرجعية سردية، بموسيقاها وأغانيها، لم يمسرح الفيلم بشكل كامل ولا حتى جزئي رغم أن المخرج هو ابن المسرح أصلا، بل جعل شخصية البطلة مرجانة تعيش رمزيا بشخصية كارمن في تمردها وعشقها للحياة وصراعها مع دون خوسيه/ المجتمع المغربي، الذي عادت اليه باختيارها وآثرت البقاء فيه ومواجته دون الهروب منه طلبا لحريتها، في النهاية تموت كارمن فوق خشبة المسرح بطعنة من معشوقها لتشبتها بحريتها، في الواقع مرجانة تفوز وتنتصر على المجتمع.
 
إلى هنا الفكرة ورؤية جمال السويسي ككاتب سيناريو الفيلم ومخرجه، رؤية  طموحة وغير تقليدية تستحق التوقف عندها خصوصا أننا نفتقر الى مثل هذه المغامرات في سينمانا المغربية، لكن يبقى عندي المشكل في كيفية معالجتها فنيا، وعدم التعمق في جذورها وخلق بناء درامي سلس لهذا الصراع، فالصراع لم نعشه كجمهور من خلال الأحداث، بل سمعنا عنه فقط من خلال الحوار، فقد عشنا مع الحالة النفسية لمرجانة بسبب اكتئابها ومعانتها مع الحمل والوحم أكثر من صراعها مع المجتمع الذي هو أصل الحبكة أساسا، رغم ان هناك مساحات كافية لإغناء الفيلم بخيوط متشابكة ومتقاطعة تشعرنا بقوة الصراع حتى نتعاطف بشدة مع البطلة، التي بالمناسبة قامت بدورها الفنانة هناء بواب وكانت جد متمكنة تشخيصا وغناء، كما ان استسهال حل الصراع في النهاية بالعثور صدفة على خاتمي الخطوبة وكذا على فيديو الفاتحة جعلني شخصيا أتراجع خطوة الى الوراء، فقد كان من الممكن جعل النهاية بعمق الفكرة وأكثر اقناعا دون اللجوء الى الحل السهل، الحل الصدفة.
 
 التصوير كان جيدا، واختيار فضاءات التصوير كان موفقا خصوصا أن الأحداث تجري في طنجة ك''موقع سينمائي استراتيجي'' وموسيقى كمال كمال كانت حالمة ومتوافقة مع رؤية الفيلم، أما التشخيص فقد كان للأسف ايقاعه بطيئا ومرتبكا لدى عدد من الممثلين، قد أستثني هنا كما قلت هناء بواب، بالإضافة الى الفنان سيد أحمد أقومي وآن لواغي، ومهما كان يحسب للفيلم أنه لم يعد تدوير الكثير من الوجوه المفلسة التي تتكرر في اغلبية الاعمال التلفزية والتلفزيونية، فأغلب الاسماء المشاركة في الفيلم غير مألوفة للمتلقي المغربي، كما يحسب له طموح مخرجه ومجهوداته في جعل الفيلم محملا بعناصر فنية راقية تتشكل من المسرح والأوبرا والتشكيل والغناء والموسيقى... ومحاولته اعطائه نفسا استثنائيا في التجربة السينمائية المغربية ككل، في وقت أصبحنا نعاني فيه من اكتساح الأفلام التافهة والمبتذلة تحت عنوان فاضح وظالم ''السينما التجارية''. 
للتذكير هذا العمل يعتبر الفيلم الروائي الطويل الأول لجمال السويسي كمخرج.