من هي شخصية القائد المحوري في عيطة " تْكَبَّتْ الْخَيْلْ عْلَى الْخَيْلَ/ تْكَبَّتْ عَبْدَةْ عْلَى أحْمَرْ"؟

من هي شخصية القائد المحوري في عيطة " تْكَبَّتْ الْخَيْلْ عْلَى الْخَيْلَ/ تْكَبَّتْ عَبْدَةْ عْلَى أحْمَرْ"؟ الباحث حسن الزرهوني رفقة الزميل أحمد فردوس

هل المتلقي من عامة الناس لكلام هذه العيطة العبدية الرائعة، على علم تام بموضوعها ويفهون مضمونها ومعانيها ويعرفون سياقها التاريخي؟

تْكَبَّتْ الْخَيْلْ عْلَى الْخَيْلْ

تْكَبَّتْ عَبْدَةْ عْلَى احْمَرْ

دِيرُوا شْرِيفِي عَلَّامْ

تْكَبَّتْ الْخَيْلْ عْلَى الْخَيْلْ

تْكَبَّتْ عَبْدَةْ عْلَى احْمَرْ

سَالُوا قِيَّادْ الشَّاوِيَّةْ

في اعتقادي الشخصي أن شريحة واسعة من الناس وخصوصا الجيل الحالي، لا يعرفون لا هذا ولا ذاك، نظرا لغياب التواصل عبر قنواتنا التلفزيونية للنبش في موروث تراثنا الثقافي الشعبي وعلى الخصوص فيما يرتبط بفن العيطة، وبالموسيقى والغناء التقليدي إلا في حالات نادرة جدا.

لأهمية الأحداث التاريخية التي تناولت عيطة "تكبت الخيل على الخيل" أو "تكبت عبدة على احمر" فضلا عن تصويرها لمواضيع أخرى من أغراض الشعر وفن القول التي توثق لفترة معينة من تاريخ منقطة عبدة واحمر، مثل الفروسية والملاحم والبطولة، والنصر والهزيمة، والتغني بالجمال والغزل، وذكر شخصيات تاريخية بصمت فترة الظاهرة القائدية.

الجميل نقف في هذه العيطة العبدية "الْخَاتْرَةْ" على أنها وثقت لمشاهد من زمن الفرسان والفروسية، حيث أتى تناول هذا الموضوع ليجسر الروابط التاريخية بينه وبين راهنية فن التّْبَوْرِيدَةْ الأصيل بكل تفاصيله، خصوصا لما يتدخل الفنان التشكيلي بريشته وألوان الصباغة لرسم جمال تمية سنابك الخيل والبارود. وهذا ما يقوم به الموسيقي والفنان المبدع الباحث حسن الزرهوني وتقديمه شرحا وتفسيرا وتفكيكا للمتلقي من خلال صناعة محتوى هادف.

يؤكد الموسيقي والتشكيلي المتكامل والمتعدد حسن الزرهوني بأن تيمة فن التّْبَوْرِيدَةْ، لها علاقة وطيدة مع موضوع عيطة "تْكَبَّتْ الْخَيْلْ عْلَى الْخَيْلْ" أو "تْكَبَّتْ عَبْدَةْ عْلَى أحْمَرْ"، مستندا في تحليله التاريخي على إصدارات الباحث المصطفى حمزة ذات الصلة بقبيلة احمر على اعتبار أن هذا الأخير متخصص في كتابة التاريخ المحلي والجهوي.

يقول حسن الزرهوني: "لقد كانت لقبيلة احمر روابط دموية مع قبيلة عبدة، بل كانت تجمعهم روابط أبناء العمومة، وساهمت ذات القبيلة من خلال مشاركة فرسانها في الكثير من الأحداث التاريخية سواء في فترة القائد عبد الرحمان بن ناصر الجرموني المنحدر من دوار الجرامنة بناحية عامر، أو القائد محمد بن عمر، أو القائد عيسى بن عمر الذي أسندت له مهام تدبير شؤون قبيلة احمر في فترات متباينة من خلال دوره الأساسي في تعيين بعض القياد أو عزلهم مثل القائد هدي بن الضو، والقائد الجيلالي، والقائد علال بن أبا،  وأحمد بن أبا، والقائد العربي بلكوش وابنه امحمد، ثم القائد أبو الخير الحمري والقائد هدي بن العربي، والقائد حمان الحمري وغيرهم" حسب ما أورد الباحث الأستاذ مصطفى حمزة في كتاباته وبحوثه حول قياد قبيلة أحمر، التي كان ينقسم مجالها الجغرافي إلى شطرين، الشطر الأول يضم منطقة "الزُّرَّةْ" التي تضم العديد من الدواوير، والشطر الثاني يضم منطقة "الزْرَارَاتْ أوْلَادْ يُوسُفْ" التي تحتضن بدورها العديد من الدواوير.

وعن أسباب نزول عيطة "تكبت عبدة على احمر" أوضح حسن الزرهوني بأن خلال وفاة السلطان المولى الحسن الأول انتفضت مجموعة من ساكنة قبيلة احمر ضد بعض القياد، الذين شكلوا فئة تم وصفها بـ "قِيَّادْ السِّيبَةْ"، وهم الذين كانوا قد عينوا أنفسهم قيادا على رأس مجموعة من المناطق بقبيلة احمر.

هذا الحدث البالغ الأهمية، لم يمر هكذا دون رد فعل من لدن القائد الكبير عيسى بن عمر العبدي، حيث سيم تنظيم حْرَكَةْ زجرية ضد هؤلاء القياد من طرف نفس القائد، وهذا الحدث الأساس هو سبب نزول عيطة "تْكَبَّتْ الْخَيْلْ عْلَى الْخَيْلْ" أو "تْكَبَّتْ عَبْدَةْ عْلَى احْمَرْ".

في هذا السياق أكد الفنان حسن الزرهوني بأن ما قام به "قِيَّادْ السِّيبَةْ" حين تبثوا أنفسهم كقياد محليين بمنطقة احمر دون موافقة المخزن المحلي والمخزن المركزي، عجل بتدخل القائد عيسى بن عمر العبدي، بحكم علاقاته الوطيدة بينه وبين بعض القبائل من جهة أولى وعلاقته أيضا مع المخزن المركزي، وذلك "من أجل تسوية الوضعية الحرجة، ومنح بعض القياد وثائق الرسوم ذات الصلة بالتولية والفرس والقبة والطابع الشريف من الأعتاب الشريفة" يستطرد موضحا نفس المتحدث.

 وكان من بين هؤلاء القياد كل من القائد الْمَحْجُوبْ الشَّرَّادِي، وقائد منطقة "لَبْيَاهْسَةْ" الذي "كان يتماطل في أداء بعض الضرائب المتعلقة بملاحة زيمة ـ إنتاج الملح ـ الذي تم تعويضه بالقائد العربي بلقاضي والذي دخل بدوره في صراع مع القائد عيسى بن عمر العبدي.

وتعتبر عيطة "تْكَبَّتْ عَبْدَةْ عْلَى احْمَرْ" من العيوط العبدية التي وثقت لتلك الفترة التاريخية، حيث سينظم القائد الكبير عيسى بن عمر حْرَكَةْ كبيرة ضد بعض قياد قبيلة أحمر، أي من وصوفوا بـ "قِيَّادْ السِّيبَةْ"، حيث ترأس تلك "الْحَرْكَةْ" إبنه القائد أحمد بن عيسى، والذي ورد اسمه في عيطة "تْكَبَّتْ عَبْدَةْ عْلَى احْمَرْ"

دليل حسن الزرهوني أن متن "تْكَبَّتْ عَبْدَةْ عْلَى احْمَرْ، دِيرُوا شْرِيفِي عَلَّامْ" بمعنى أن المقصود بكلمة "شْرِيفِي" هو القائد أحمد بن عيسى الذي تزعم وقاد هجوم الفرسان ضد "قِيَّادْ السِّيبَةْ" بقبيلة احمر. بل أننا نجد اسمه مذكورا أيضا في عيطة "رْجَانَا فِي الْعَالِي" من خلال متن "يَا لَهْوَى يَا دَاكْ الشْرِيفْ. وَلَهْوِى يَا سِيدِي أحْمَدْ"

ومعنى كلمة "شْرِيفِي" التي تفيد التشريف والمكانة الإعتبارية، أن القائد سيدي أحمد بن عيسى كان وسيما وجميلا، وكان جمال عينيه بالخصوص حديث النساء الحوامل بالمنطقة، وهُنَّ يتطلعن إلى مولود قادم يحمل من صفات ووسامة الرجل، آملين أن يكون مواليدهن يشبهون سيدي أحمد وتحديدا على مستوى جمال عيونه الكحليتين المتسعتين.

كان سيدي أحمد ابن القائد عيسى بن عمر العبدي يعي ويعلم برغبة النساء الحوامل في إنجاب مواليد يحملون صفة جمال عيونه، حيث كان كلما خرج عليهن وهُنَّ جالسات في انتظار طلعته البهية قادما من باب الرياض، والمرور عليهن بمشيته البطيئة من أجل إشباع رغبة الْوَحْمْ لـ "استنساخ" محاسن خلقته، مما كان يدفعه إلى توزيع بعضا من قطع الذَّهَب والّْلوِيزْ اعتقادا منه بأن هذه العملية تدفع عنه كل مكروه وتقيه من شّر "الْعَيْنْ".

كان بمنطقة احمر ثلاث قياد معروفين وهم، القائد الْمَحْجُوبْ الشَّرَّادِي، والقائد الْعَرْبِي بَلْقَاضِي، ثم القائد مَسْعُودْ بَلْعَرْبِي وهذا الأخير ـ حسب الباحث حسن الزرهوني ـ هو الشخصية المحورية في عيطة "تْكَبَّتْ عَبْدَةْ عْلَى احْمَرْ" والتي تغنت عنه بالقول:

جَابْ الْبَارُودْ مْعَ لَـﮜصَاصْ

بَاغِي يَمْحِِ ذَاتُو

 لَفْرَاقْ بِـ أَجَالُ

 اللهْ يْتُوبْ

وسبب نزول هذا القول، ضمن متن العيطة المذكورة، هو أنه أثناء حصار حَرْكَةْ وهجوم القائد أحمد بن عمر وفرسانه على مكان القائد مَسْعُودْ بَلْعَرْبِي وتيقن من دون أجله ومن نهايته، قرر الإنتحار، حتى لا يتم تسليمه للقائد عيسى بن عمر والتنكيل به، ولكن ـ حسب حسن الزرهوني ـ تمكن أحمد بن عيسى وفرسان عبدة من اعتقاله والزج به في السجن حيث توفي معتقلا.

إن الحدث التاريخي الذي وقعت تفاصيله بمنطقة احمر في فترة وفاة السلطان المولى الحسن الأول، وبروز فئة "قِيَّادْ السِّيبَةْ" بقبيلة أحمر، هو الذي أوردت تفاصيله وتغنت بوقائعه العيطة العبدية "تْكَبَّتْ الْخَيْلْ عْلَى الْخَيْلْ" أو "تْكَبَّتْ عَبْدَةْ عْلَى احْمَرْ" والتي لا بد من ذكر السؤال الموالي فيها والإجابة عليه: "سَالُوا قِيَّادْ الشَّاوِيَّةْ"

الجواب هو أن "قِيَّادْ الشَّاوِيَّةْ" هم من تدخلوا لإقامة الصّلح بين "قِيَّادْ السِّيبَةْ" بقبيلة أحمر مع القائد عيسى بن عمر العبدي، بحكم أن قيادته كانت متمددة من منطقة عبدة إلى منطقة احمر وجزء من منطقة دكالة، ثم جزء من منطقة الرحامنة وكذلك جزء من منطقة الشياظمة ولهذا السبب لقب عيسى بن عمر العبدي بقائد الوادين بين واد أم الربيع، وواد تانسيفت.

يشار إلى أن عيطة "تْكَبَّتْ عَبْدَةْ عْلَى أحْمَرْ" قد تناولت في متنها مجموعة من المواضيع والأغراض الشعرية، منها تيمة الغزل، وذكر العنصر النسوي، وتناولت أيضا أسماء بعض الشخصيات التاريخية من القياد والفرسان، وبطولاتهم وملاحمهم، والإعتزاز بالإنتماء للقبائل الواردة في العيطة العبدية.