أمام هزائمه المتتالية وفساد حلمه في الزعامة الإقليمية وتبعثر أوراقه الديبلوماسية إفريقيا ودوليا، لا أحد ينكر أن عسكر الجزائر قد يتحالف مع الشيطان لإلحاق الأذى بالمصالح المغربية وإيقاف الزحف المغربي الهادئ؛ ولهذا يستحق تواتر الاعتداء على الشاحنات المغربية في دول الساحل أكثر من وقفة تأمل حول احتمال تورط الكراغلة في هذا العدوان، بالنظر إلى توقيته وطبيعته والجهة (أو الجهات) المسؤولة عنه.
آخر اعتداء تعرض له "السائقون المغاربة" هو ذاك الذي سجل في 18 يناير 2025، إذ اختفت ثلاث شاحنات مغربية كانت على متنها أربعة سائقين، وتحمل معدات بنية تحتية، انطلاقا من مدينة دوري في بوركينا فاسو في اتجاه مدينة تيرا في النيجر، وهي منطقة معروفة بنشاط الجماعات المتطرفة. وقبلها بنحو أقل من أسبوعين تعرضت شاحنات مغربية أخرى لرشق ناري من مجموعات مسلحة في منطقة «نيورو دو الساحل» على الحدود بين مالي وموريتانيا، وذلك ليلة 6 يناير 2025. ولا ينبغي أن ننسى أصحاب الشاحنات كثيرا ما اشتكوا خلال السنة الماضية من الاعتداءات المتكررة التي يتعرضون لها من بعض قطاع الطرق، ولعل أخطرها الهجوم الذي شنه مسلحون في مالي، وأدى إلى مقتل سائقين مغربيين وإصابة آخر.
فإذا كان من المعروف أن منطقة الساحل والصحراء الكبرى تحتضن جماعات مسلحة وجهادية نشيطة، فمن المعروف أيضا، حسب تقارير استخباراتية ودراسات دولية مختلفة، أن هذه الجماعات على صلة بالمخابرات الجزائرية وبعناصر البوليساريو، ومنها «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» الذي ينشط بشكل رئيسي في دول: «مالي، النيجر، وموريتانيا»، إضافة إلى «تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى» الذي يقوده أبو وليد الصحراوي، القيادة السابق في البوليساريو؛ ينشط في المناطق الحدودية بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، ثم «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» التي تنشط في منطقة الساحل، واستفادت من خدمات عسكر الجزائر وبعض عناصر البوليساريو التي لديها خبرة عسكرية. هذا فضلا عن شبكات التهريب والجريمة المنظمة «تجارة السلاح، تهريب المخدرات، الاتجار في البشر» التي يُعتقد أن عناصر من البوليساريو متورطون فيها حتى النخاع.
فهل من المستبعد بعد ذلك الأخذ بهذا الاحتمال ما دام ارتباط الجزائر والبوليساريو بهذه الجماعات الإرهابية ثابت، خاصة أن بعض التقارير الاستخباراتية أكدت أن هناك تدريبات عسكرية مشتركة بين عناصر من البوليساريو وأفراد من هذه الجماعات، خاصة في مناطق نائية من شمال مالي وجنوب الجزائر؟ هل يمكن استبعاد تورط الجزائر، وهي المسؤولة رقم واحد على التوترات الإقليمية بدول الساحل «باعتراف واضح من هذه الدول»، في هذه الاعتداءات التي تستهدف أصحاب الشاحنات المغاربة، خاصة أن قصر المرادية يوفر للبوليساريو غطاءً سياسيا وعسكريا وماليا وديبلوماسيا كبيرا؟ هل هذه الاعتداءات بعيدة عن مخيمات تندوف التي أعلنت من جانب واحد الدخول في حرب مع المغرب، بل مع مجموعة من دول الجوار، عبر استزلام الجماعات المسلحة المنشقة، وخاصة في مالي والنيجر وبوركينافاصو؟
لا يتعلق الأمر بأي احتمالات مجانية، رغم عدم إعلان أي جهة مسؤوليتها عن الاعتداءات بشكل واضح حتى الآن. غير أن السياق الأمني في المنطقة يشير إلى احتمال تورط جماعات مسلحة تنشط في هذه المناطق. وفي كل الأحوال، فإن هذه الجماعات مرتبطة بشكل أو بآخر بعناصر من المخابرات الجزائرية والبوليساريو، سواء أكانت جماعات إرهابية محلية، أم جماعات تابعة لتنظيم القاعدة في الساحل التي تهاجم أي نشاط تجاري لا يخضع لسيطرتها، أم مجرد عصابات مسلحة تسعى إلى الاستيلاء على البضائع أو فرض إتاوات على التجار، أم جهات محلية متورطة في صراعات محلية بين ميلشيات مسلحة وعناصر من الجيش. وإذا سجلنا أن البوليساريو مجرد أداة في يد العسكر الجزائري لابتزاز دول الجوار، أدركنا أن الهجوم على شاحنات البضائع المغربية يحقق بعض المطامح الجزائرية، ويتعلق الأمر بتعطيل التجارة الإقليمية التي انخرط فيها المغرب، فضلا عن إرسال رسائل سياسية إلى دول الساحل التي اختارت، في الآونة الأخيرة، تكسير الجرار خلف الحكام الجزائريين، واتهامهم بشكل صريح بالقيام بـ «أعمال عدائية وبالتدخل في شؤون البلاد الداخلية».
وإذا كان من الجلي أن عسكر قصر المرادية يلجأ إلى «استخدام» الهشاشة الأمنية لدول الساحل، من خلال دعم تصاعد الأنشطة الإرهابية والصراعات القبلية، فإنه ليس من المستبعد، وفق ما توضحه بعض التقارير، أن الجزائر تحاول إفساد العلاقة بين المغرب وهذه الدول من خلال «توجيه الاعتداءات» إلى غريمها التقليدي، لتثبت مسؤولية الدولة المتحالفة معه عن الهجمات مادامت أنها وقعت على أراضيهما، أو على الأقل انطلق المهاجمون من أراضيها؛ فضلا عن إثبات أن هذه الدول عاجزة عن حماية أراضيها والسيطرة على حدودها، أمام الجماعات الإرهابية. وهذا ما قد يفضي إلى خلق توترات إقليمية متشابكة تراهن الجزائر على الاستفادة منها، غبر الدفع بالدول المجاورة لها إلى التوقيع على اتفاقيات تعزيز التعاون الأمني وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتنسيق الأمني، إلى جانب الرفع من الانتشار العسكري في المناطق الحدودية.
وتأسيسا على ذلك، يظل تورط الجزائر في الهجمات على الشاحنات المغربية في منطقة الساحل احتمالاً مطروحًا بقوة، مما يفرض الانتباه إلى تطورات قضية الصحراء وأثرها على المحيط الإقليمي والقاري، فضلا عن «المبادرة الأطلسية» التي أطلقها المغرب لتعزيز وصول دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، وهي المبادرة التي تعتبرها الجزائر محاولة لتقويض دورها، خاصة في ظل المنافسة على مشاريع استراتيجية مثل «خط أنابيب الغاز بين نيجيريا وأوروبا».
ولذلك يمكن النظر إلى الاعتداء على الشاحنات المغربية بوصفه استراتيجية حربية لفصل المغرب عن عمقه الإفريقي، والحد من نفوذه المتزايد في إفريقيا، بل في مناطق نفوذ الجزائر التي تنظر إلى دول الساحل كعمق استراتيجي، بينما تعتبر نفسها لاعبا محوريًا في إفريقيا، و«قوة ضاربة» لا أحد بإمكانه الوقوف أمام نفوذها في المنطقة، خصوصًا في دول الساحل والصحراء الكبرى.
إن ما يقع من اعتداءات تستهدف الشاحنات المغربية لا يمكن فصله عن التحالف الإجرامي بين الجماعات الجهادية والجماعات الانفصالية. كما لا يمكن فصله عن الابتزاز العسكري الذي ظلت تنهجه الجزائر من أجل «تركيع» دول الجوار «دول الساحل والمغرب العربي»، وإجبارها على الدخول في حسابات الزعامة الإقليمية، حتى لو كانت الطريق إلى هذا المسعى ممتلئة بالأعمال القذرة.
إن إنهاء البلطجة التي تنهجها الجزائر وصنيعتها البوليساريو وأذرعها الإجرامية «الجماعات المسلحة والإرهابية» بيدأ، أساسا من عمل المغرب على تقديم خبرته الأمنية والعسكرية لدول الساحل، من أجل تعاون مثمر يراهن على الأمن والاستقرار ورفاهية الشعوب.
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"