أحمد الحطاب: الذكاء الاصطناعي وتحَدِّياتُه الكبرى

أحمد الحطاب: الذكاء الاصطناعي وتحَدِّياتُه الكبرى أحمد الحطاب
الذكاء الاصطناعي l'intelligence artificielle، كوسيلة لإنتاج الأفكار، حديث العهد، إذ بدأ العملُ به في النصف الثاني من القرن العشرين. ومنذ تلك الفترة وهو يتحسَّن ويقطع أشواطا مهمَّةً وجبَّارة في الأبداع innovation والنجاعة efficacité. والذكاءُ الاصطناعي وسيلةٌ تعتمد على تقليد أو محاكاة الذكاء البشري الذي مصدرُه الدماغ، أو بعبارة أوضح، الخلايا العصبية les neurones للدماغ. كيف يتمُ هذا التقليد؟.
 
يتمُّ هذا التقليد عبر اختراع آلاتٍ ذكية des machines intelligentes وعبر الخوادم المعلوماتية les serveurs التي تحلُّ محلَّ الخلايا العصبية. ودورُ هذه الآلات والخوادم، التي يُطلق عليها اسم "المنظومات المعلوماتية"systèmes informatiques، هو الانطلاق من قواعد المعلومات الضخمة المُمَركزة بها ومقارنتها للقيام بحسابات ثقيلة calculs lourds ودقيقة في أسرع وقتٍ ممكنٍ قد لا يتجاوز الثانية أو أجزاءً من الثانية. والنتيجةُ المرجوةُ من هذه الآلات والخوادم، هي إنتاج الأفكار والمعلومات أو الإجابات على الأسئلة التي تُطرح عليها، وكذلك اتخاذ القرارات prise de décisions.
 
وهذا يعني أن الذكاء الاصطناعي، كوسيلة لإنتاج الأفكار والمعلومات واتِّخاذ القرارات، يقوم بعملياتٍ حِسابية des opérations de calcul قد تستغرق وقتا طويلا إذا قام بها الذكاء البشري الطبيعي.. 
 
والأفكارُ والمعلومات التي يُنتِجها الذكاءُ الاصطناعي يمكن أن تكون متعدِّدة التَّخصُّصات multidisciplinaire، كما يمكن أن تخصَّ، فقط، مجالاً مُعيَّناً من مجالات المعرفة، بجميع أنواعها. وهذه الأفكار والمعلومات التي يُنتِجها الذكاءُ الاصطناعي قد تُستعمَل في إيجاد حلولٍ للمشكلات résolution de problèmes، كما يمكن أن تُستعمَل في التَّعليم والتَّعلُّم enseignement/apprentisage، في مجال التَّخطيط planification، في الطب، في الصيدلة، في الصحة، في النقل، في التجارة، في الصناعة، في الفلاحة، في المالية finance في تسيير المقاولات la gestion des entreprises…
 
علماً أن الهدفَ الأساسي من اللجوء إلى الذكاء الاصطناعي، هو تحسين أساليب العمل والإنتاج والاستفادة بأكبر قدرٍ ممكنٍ من نتائجه، وبالأخص، إيجاد حلولٍ مُبتَكَرة للمشكلات التقنية اليومية apporter des solutions innovantes aux problèmes techniques quotidiens، إضافةً إلى ربح الوقت والمال والجُهد.
 
وباختصار، الذكاء الاصطناعي، عبر آلات ذكية، من المفروض، أن يُسهِّلَ كلَّ الأعمال الشاقة التي، عادةً، تُرهِق الإنسانَ في أنجازِها، وتُرغِمه على بدل أقصى ما يمكن من الجهد وإنفاق مالٍ  كثيرٍ.
 
غير أن الخبراء المتخصِّصين في مجال الذكاء الاصطناعي وعلماء الاجتماع les sociologues وبعض الفلاسفة أدركوا، بحكم البحث والتَّجربة، أن هذا الذكاء الاصطناعي له إيجابيات (محاسن) avantages وله سلبيات (مساوئ) inconvénients. والسؤال المصيري، في هذا الصدد، هو : "هل الذكاء الاصطناعي نِعمةٌ أم نقمة بالنسبة لمصير le devenir البشرية، أو بعبارة أخرى، هل محاسنُ الذكاء الاصطناعي أكبر من مساوِئه"؟.
 
بالطبع، الجواب على هذا السؤال ليس سهلا ما دام الذكاءُ الاصطناعي في بدايته ولم يتم استعمالُه من طرف جميع بلدان العالم. وهذا يعني أن البحثَ في مجال الذكاء الاصطناعي لا يزال متواصِلاً، وبالتالي، لا يمكن الحكمُ على محاسنِه ومساوئه بصفة نهائية.
 
ولعلَّ أهمَّ المحاسن هي التحوُّلات الايجابية التي سيحدثها الذكاء الاصطناعي، عبرَ سرعة اتخاذ القرارات prise de décisions، وخصوصا، في عالم الأعمال والمقاولات. كيف ذلك؟.
 
الأمر سهلٌ للغاية: 
1. فيما له علاقة بالنجاعة efficacité والرفع من قدرة الإنتاج productivité، الذكاء الاصطناعي، بأمكانِه أن يُحوِّلَ كثيرا من المهام tâches التي كان يقوم بها الإنسانُ إلى مهامٍّ أُتوماتكية des tâches automatisées توفِّر الوقتَ والمالَ والجهدَ.
 
2. فيما يخص اتخاذ القرارات، الذكاء الاصطناعي، بإمكانه أن يُحلِّلَ، في وقتٍ وجيزٍ، قدراً هائلاً من المُعطيات données لإصدار أساليب جديدة للتَّسويق marketing،  وبالتالي، تقديم أفضل وأجود الخدمات للزبائن. 
 
3. فيما يخصُّ التخطيط، الذكاء الاصطناعي، بإمكانِه، عبر المعلومات التي يوفِّرها الزبائن، أن يتنبَّأَ بما تجب الاستجابةُ له مستقبلاً من طلبات وما يجب توفيرُه من مخزونات وما يجب تكييفُه من أساليب التسويق.
 
4. التشخيصات les diagnostics التي، بإمكان الذكاء الاصطناعي أن يقومَ بها، في عالم الأعمال والمقاولات تحظى بمصداقيةٍ عالية، وخصوصا، في مجال الصحة. فكم من الأمراض التي استعصى على الأطباء تشخيصُها ونجح الذكاء الاصطناعي في التَّعرُّف عليها.
 
5. البشر يُصِيبون ويُخطِئون، بينما الآلات الذكية تحدُّ من الأخطاء، وبالتالي، تمكِّن المستعمِلَ من نسبة عالية من الدقَّة. وهذا شيءٌ مهمٌّ جدا لأن البشرَ قد يخطئون عندما يتعلَّق الأمرُ بعملياتٍ  أو مهام مُتكرِّرة.
 
وحتى الأشخاص العاديين، غير المتمرِّسين في الذكاء الاصطناعي، بإمكانِهم الاستفادة منه للحصول على معلومات ومعارف ونصائح في مجالٍ من مجالات المعرفة.
 
وباختصار، الذكاء الاصطناعي خطوةٌ جبارة حققها العقلُ البشري في عدة مجالات من المعرفة، وخصوصا، أن هذا الذكاء أصبحت له القدرة على التَّعرُّف على الأصوات reconnaissance de la parole وعلى الخط اليدوي reconnaissance de l'écriture manuscrite. ولهذا، أصبحت قراءة الكتب آلية، أي يقوم بها حاسوب ordinateur بصوت اصطناعي.
 
ولولا الذكاء الاصطناعي، ما تمكَّن الإنسان من غزو الفضاء والتعرف على أعماق البحار واكتشاف المعادن… فضلا عن تسهيل الابتكار innovation والإبداع créativité… وعن الرفع من مستوى جودة الحياة qualité de  la vie ومن معدَّل طول الحياة la longévité…
 
ورغم هذه المحاسن التي لم أذكر إلا البعضَ منها، فهناك تخوُّف حذِرٌ من الذكاء الاصطناعي. وهذا التَّخوُّف هو الذي سيقودني إلى الحديث عن مساوئ الذكاء الاصطناعي. من بين هذه المساوئ، أذكر، مثلاً:
1. فقدان مناصب الشغل. بمعنى إذا حلّ محلَّ اليد العاملة آلات ذكية أو رُبوتات des robots، قد ترتفع البطالةُ le chômage. لأن كثيرا من هذه اليد العاملة سيفقد عملَه، وخصوصا، إذا لم يتم تأهيلُها للتكيُّف مع أنماط العمل الجديدة. وحتى إذا تمَّ تأهيلُها، فالآلة الذكية قادرة على القيام بعمل كانت تقوم به جماعةٌ من الناس. بل إن كثيرا من المهن قد تختفي أو قد تنقرض، وبدون رجعة. والبطالةُ ظاهرةٌ اجتماعيةٌ لا أحد يرغب فيها.
 
2. الآلات الذكية ليس لها إحساسُ كما هو الشأن للكائن البشري العاقل، وبالتالي، لا يمكن أن تُنجزَ إلا ما برمجَه لها الإنسان. كما لا يمكنها أن تُصدر أحكاماً حول ما هو خاطئ وما هو صحيح. ولهذا، فإنها تتوقَّف عن العمل حينما تجد نفسَها أمام وضعٍ غير واضح أو غير مفهوم.
 
3. وأخذاً بعين الاعتبار لهذه العوائق، فعلى المُستعمِل أن يكون حذراً في تعامله مع النتائج التي تُفرزُها الآلات الذكية، بمعنى أن يكونَ قادرا على التَّعرُّف على الأخطاء التي قد تصدر عن هذه الآلات الذكية.
 
4. خلافاً للذكاء البشري الذي بإمكانه أن يتطوَّرَ أو أن يتحسَّنَ بحكم التَّجربة، فالذكاء الاصطناعي يبقى جامدا حتى يعلِّمه الإنسان كيف يتحسَّن.
 
5. الآلات الذكية لا يمكن أن تؤدي مهامها بشغفٍ وحب، كما هو الشأن للبشر الذي قد يستمِيتُ في أداء مهامه، لأنها، كما سبق الذكرُ، لا تملك الإحساس ولا تملك قدرة التفكير. بل لا تملك كلَّ ما هو فِطرِي intuitif عند الإنسان.
 
6. الذكاء الاصطناعي قد يُحتِّم على الضمير البشري طرحَ عدَّة على نفسِه، منها، مثلاً، "كيف سيصبح دورُ الإنسان في المجتمع"؟ أو "هل سيحافظ الإنسان على حرية التَّصرُّف أم سيُخضِع مصيرَه للآلات الذكية"؟ أو "ما هي الأخطار التي قد تواجِهها البلدان إن هي استعمَلَت الذكاءَ الاصطناعي في أمور أمنِها الداخلي"؟ أو "ما هي الأخطار التي قد تواجهها البلدانُ إذا سقط الذكاء الاصطناعي بين أيادي مجرِمة"؟ أو "ما هي الأخطار المترتِّبة عن استعمال بعضُ البلدان للذكاء الاصطناعي في قمع المواطنين وفي الحدِّ من حرِّيتِهم الشخصية"؟
 
وفي الختام، الذكاء الاصطناعي قد يفرض نفسَه في السنين القادمة على جميع البلدان. ومَن لم يمتَطِ، من هذه البلدان، قطارَه، في الوقت المناسب، قد تجد نفسَها أمام فجوة جديدة une nouvelle fracture، كما ،كان الشأن بالنسبة للبلدان النامية والمتخلِّفة حينما وجدت نفسها أمام ما سُمِّيَ ب"الفجوة الرقمية" fracture numérique. والطامة الكبرى، هو أن كثيرا من البلدان لم تستطع، إلى يومنا هذا، سدَّ الفراغ المُترتِّب عن الفجوة الرقمية. حينها، ستجد نفسَها أمام فجوتين : الفجوة الرقمية والفجوة المترتِّبة عن عدم امتطاء قطار الذكاء الاصطناعي الذي لن ينتظرَ أحداً أثناء سيره، وخصوصا، أنه سيسير بخطى سريعة!
 
لكن السؤال الإنساني، الأخلاقي والمصيري هو : "كيف ستُصبح العلاقات الإنسانية المبنية على الحميمية l'intimité والتَّعاطف empathie والتَّساكن cohabitation  والتَّعايش coexistence والتَّسامح tolérance…؟ بل كيف ستُصبح القيم الإنسانية السامية؟.