مر عيد الأضحى في ظروف يعرفها كل من أصر على الذهاب للسوق. تأكد بالملموس، وباعتراف الحكومة، أن أموال الشعب لم يصل تأثيرها للتخفيف من ضغط السوق على الشعب. تم صرف الأموال الطائلة للمستوردين، وهم قلة من علية القوم، وكان ما كان من استمرار ارتفاع الأسعار. وتمكن البعض من شراء خروف، وتضاعف جهد البحث عن تمويل لدى الكثيرين ممن يفضلون مخالفة "دفع الضرر قبل جلب المنفعة" كمبدأ يحكم العقل في التعامل مع "السنن والعادات" بتقديس غير لازم ولا ملزم.
مر عيد الأضحى وواجه رب الأسرة، المصر على ذبح الخروف، كل تبعات الاستدانة والتضحية بما توفر من إدخار. واشتكى الكل من استمرار التضخم، قبل وبعد العيد، ليطال كل المواد التي تثقل كاهل الأسرة يوميا وتجبرها على تحمل آثار التدحرج إلى ميدان الهشاشة والفقر. قالت الحكومة أن العسل يجب أن يملأ السوق ولو تطلب الأمر الإعفاء الضريبي أو تخفيض رسوم الجمارك إلى أدنى المستويات. وسكتت حكومة السيد أخنوش عن أسعار البنزين والغاز والأوكسيجين وتأثيراتها على جيوب المواطنين، أو ما يسمى بقدرتهم الشرائية. وكان من الأجدر أن نسميها "بالقدرة الضعيفة الشرائية". ويطال أمر هذا الضعف إلى الأدوية والعقار والولوج إلى العلاجات والتعليم والصحة. وتم تصدير الخضر والفواكه بأسعار مفيدة للمستهلك الأجنبي رغم ضغط الجفاف ونقص الموارد المائية وإنهاك خصوبة تربة بلادنا. واستمر ارتفاع الأسعار وتناقصت كمية مكونات القفة الغذائية بفعل الغلاء. ويظل المستفيدون في صف الذين لا يطيقون تناقص ثرواتهم أو حتى زيادتها بنسبة لا تفوق معدل التضخم. وهذا حقهم ما داموا أصحاب قرار وتأثير وعلم ببواطن الأمور.
وكثر الكلام، بعد اعتراف الحكومة بغياب أي تأثير للتمويل عبر الميزانية على ثقل الاحتفال بعيد الأضحى. وواصلت هذه الحكومة خطابها المتفائل حول أسعار اللحوم الحمراء. وأكدت أن دعم المستوردين لهذه المادة البروتينية سيحدث تأثيرا مباشرا على أسعار الاستيراد لحم الخروف والعجول. ووصل الخروف الإسباني وغيره من الخرفان إلى الأسواق. ولكنه رفض أن يباع بسعر يقل عن السعر الذي ساد الأسواق قبل وصوله. وللتأكد من هذا الرفض يجب الذهاب إلى الأسواق الكبرى والصغرى والقروية والتي توجد على هامش المدن. يصل كيلوغرام لحم الخروف إلى 170 درهم في تلك الأسواق الكبرى في الأحياء الكبيرة. ولا ينزل عن 140 درهم في الهوامش الحضرية.
لا يكفي أن تتم تعبئة المال العام لدعم الاستيراد، ولكن يجب أن تكون للدولة قدرة على المراقبة والفعل في السوق. ويظل المستفيدون خارج التغطية وسيظلون مستفيدين من كل شيء ما دامت أعين الرقيب والمحلل والمفتحص تتباهى بخطاب عن حكامة لم تراها المخيلات إلا في مدينة فاضلة تصورها أفلاطون. أرادت الحكومة تخفيف عبء صندوق المقاصة، فصنعت صناديق لدعم الاستيراد وما يقال عنه أنه "دعم للاستثمار". يجب دعم كل الشركات والمستوردين والمستثمرين في إطار قدرة الحكومة على محاسبتهم وتقديم الحساب والنتائج بالتفصيل غير الممل. وفي انتظار تحقق هذا الحلم يؤكد الخروف الإسباني أنه سينطح جيوب المغاربة لأنهم لا يقدرون رغبة المستوردين في تحقيق الربح الكثير من وراء المال العام الوفير. ويقر كافة ممتهني حرفة "الجزارة" على أن سعر الكيلو من لحم الغنم والبقر لا يجب أن يتجاوز 90 درهما في أقصى الحالات.
اقتصاد الريع يحول دون مكافأة الفلاح ومربي الماشية والعامل في الحقول، ويتيح كل الأرباح للسماسرة والمسيطرين على شبكات الوساطة بين المنتج والمستهلك. سنردد نفس الكلام المباح ما دام المال العام مباح. والله المستعان، وهذا دعاء علماني لأنه يعرف أن قوة الدولة توجد في التحكم في السوق.