عرفت الديبلوماسية المغربية تطوّرا جذريا ثمّ عبر بوابة تلميع المكاسب الديبلوماسية في مجموعة من المعاقل التّاريخية لخصوم الوحدة التّرابية للمملكة، وتأكّد ذلك بالملموس من خلال أولا قطع المغرب مع سياسة الكرسيّ الفارغ ورجوعه إلى بيته الأصلي الاتحاد الإفريقي ثم كذلك بناء مجموعة من المنصّات للترافع على غرار ما يتمّ على مستوى مجلس الأمن ، وكذا الجمعية العامّة واللّجنة الرابعة، إلى جانب منظّمة الأمم المتّحدة من خلال تقديم مجموعة من الدّلائل الدّامغة التي تؤكّد على أحقّية المغرب في السّيادة على أراضيه من جهة، ومن جهة ثانية على تفنيد التّرّهات ومزاعم خصوم الوحدة الترابية. وهو ما تجسّده القرارات الأممية 2756 و2602 و2654 وغيرها التي تجمع على الحلّ السّياسي لقضية الصحراء المغربية.
قرارات مجلس الأمن تتناسل يوما بعد يوم اعتباراً لأن مشروع الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب في سنة 2007 هو الحلّ السّياسي بطبيعة الحال ولم يتم التّطرق قطّ إلى ما كان يسمى سابقاً بـ ”تقرير المصير” أو غير ذلك كما تروّج له بعض أصوات النشاز في العلاقة الدولية، وعلى رأسها الجزائر، وكذا اعتبار جبهة البوليساريو منظّمة إرهابية. وبطبيعة الحال، فإن تكتّل مجموع دول العالم تجاه بنية جديدة ومتجدّدة عنوانه اعتبار الانفصال على أنه من نفس طينة الإرهاب.
لا ننسى على أنّ هناك أكثر من 30 قنصلية على مستوى أقاليمنا الجنوبية، خاصّة في الدّاخلة والعيون، التي تأكّد من خلالها، وبالملموس إجماع مجموعة من الدّول، سواء داخل المدار الجغرافي أو خارجه، بمغربية الصّحراء، عزّزه الموقف الأمريكي الذي اعترف من خلاله الرئيس السّابق ”المقبل على تولي الرئاسة الثّانية للحليف الاستراتيجي للمملكة المغربية وهي الولايات المتحدة الأمريكية في اعترافها بمغربية الصّحراء، عضده الموقف الفرنسي الإيجابي تجاهها مغربية الّصحراء واعتبار أمن فرنسا من أمن المغرب، إضافة إلى الموقف الإسباني الرّاسخ الذي تأكّد من خلال إعادة بناء العلاقات على مستوى مجموعة من التراكمات التقليدانية التي تجمع المملكتين والملكين” الملك فيليب والملك محمد السّادس ، ثم كذلك من خلال اختراق مجموعة من المعاقل السّابقة للجبهة الانفصالية مدعومة بالجزائر ومن والاها، وكذا تقزيم دور هذه البنية المناهضة للأمن والاستقرار على مستوى المنطقة من خلال دعم مغربية الصّحراء، والتّوجّه نحو بطبيعة الحال نحو بناء جسر منيع وقوي ينضح بصوت الحقّ وينضح بصوت الشّرعية.
لا ننسى أن 25 سنة من حكم الملك محمّد السّادس قد أكدت على أرض الواقع على أنها ديبلوماسية ملكية محنكة، ديبلوماسية ملكية ضدّ الكراهية، ديبلوماسية ملكية ترعى السّلم والأمن على المدار الجغرافي والجيوسياسي الإفريقي والمغاربي ودول السّاحل والصّحراء، وحتّى خارج المدار في علاقتها المتينة مع دول مجلس التّعاون الخليجي. واقتحام معاقل جديدة الكاراييب والبلدان الإسكندنافية وأمريكا الجنوبية واللاّتينية وأوروبا الشّرقية وغيرها من الدّول التي استطاعت الحكمة الملكية عبر بوابة ديبلوماسية عنوانها الثّقة وعنوانها النّظارة وعنوانها المقياس، أن تخترق معاقل كانت بالأمس قريبة من الانفصال وكانت لا تعرف الشّيء الكثير عن ترهات وكذب ووضع وتحامل المؤسّسة العسكرية الجزائرية لغصّة في نفسها لا تعلمها إلا هي تجاه الوحدة التّرابية للمملكة المغربية وخلق النّعرات. هنا نحن الآن نشهد أولا انتصارا ديبلوماسيا كاسحا واندحارا معمّقا ومتجذّرا للمؤسسة العسكرية الجزائرية لماذا؟ لأن التدخل في شؤون الداخلية للدول قد أصبح منبوذا وهذا هو ديدن المؤسّسة العسكرية الجزائرية وحالها الطلاق البائن للانفصال واعتبار ذلك على أنه إرهاب. كذلك المناداة والإشادة من أعلى قمة بالأمم المتّحدة على لسان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس في أن المساعدات تسرق على مستوى تندوف السّليبة، وأن ما يقع بتندوف هو مخالف للشّرعية الدولية، ومخالف للبنية الدّولية ولحقوق الإنسان ولا ترقى أبدا إلى مرتبة اللّجوء.
وبالتالي فعلى الديبلوماسية المغربية أن ترقى شيئا وتقتفي أثر واقتفاء التوجيهات السديدة الملكية، خاصّة في خطاب افتتاح الدّورة التّشريعية الحالي على أن القلم والفكر والتّحدث والتّعبير الوطني يجب أن تعطى لأهل الاختصاص وعلى أن جميع المؤسّسات برلمانا وأحزابا سياسية وحكومة ومجتمعا مدنيا، ومعه كل الأطياف المجتمعية لأن تتعبّأ من أجل الشّرح المعمّق لهذا الكذب. وهذا الوضع الذي ما فتئت تسوّق له أذناب وخصوم الوحدة الترابية للمملكة المغربية. وبالتّالي فيجب علينا أن نفتح جبهات متعدّدة على مستوى الجامعات، وفي الميادين الجمعوية، سواء وطنيا أو إقليميا أو مغاربيا، وعربيا أو دوليا وإفريقيا، وأن نتحدّث بلغة سلسة يفهمها الجميع بكل اللغات أن كذلك نقتفي أثر البنية الروحية التي دشنتها إمارة المؤمنين من خلال إرخاء ظلال السّلم والأمن وأن ننبذ الفرقة على أساس الدين والعرق واللّون وغيرها لنسير إلى سنة النّصر، وإحقاقه خلال السنة الـ 25 التي عبّر عنها الملك قبل أن تلوح في الأفق. علينا أن نعلي الحقّ لكي نعرف بصوت المثقّف وبصوت العارف وبصوت العالم على أنّ كلّ الأطياف المجتمعية بجميع مشاربها الأمازيغية الحسّانية والريفية والعروبية وغيرها من المشارب اللّغوية التي تلتفّ حول العرش وبكل لغات العالم أن نصدح بصوت مرتفع وأن نقول على أن قضية الصّحراء المغربية هي قضية قد انتهت، وأن الأمر قد حسم لصالح أصحاب الحقّ، وأصحاب الحقّ هم بطبيعة الحال الشّعب المغربي.
علينا أيضا نبذ الفرقة ومكافحة ومجابهة الإرهاب وأن يكون الانفصال هو العنوان العريض الذي يجب .علينا أن نشغل عليه، حتّى نطوي هذا الصّراع الذي عمر لأكثر من خمسين سنة، وتدبير ما تبقى من ترّهات وأكاذيب الكيان المريض في العلاقات الدولية، لأنّ الكيان العسكري الآن يجابه الصّعاب ويكابد الصّعاب ويوجد في موقع وموقف لا يحسد عليه وهو الآن ينعت بأنه ذلك الرّجل المريض. وبالتالي فالأولى ثم الأولى بأبناء الوطن نساء ورجالا وشبابا وشيوخا، وعلماء قبل ذلك، ومختصون في المجال، أن يعبئوا ويؤطروا كلّ أطياف المجتمع وأن يشاركوا بكثافة في جميع المحافل القارية والإقليمية والدولية، وأن يقولوا الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة، فالمغرب في صحراءه والصحراء في مغربها، وأن الخريطة المغربية كاملة من طنجة إلى لكويرة، وأنّ الكلّ يجمع على نهاية الضلال ونهاية الوضع، وأنّ من يتدخّل في الشّؤون الداخلية للدّول فهو الآن يجني وبال تدخلاته السّافرة والمنبوذة التي أصبحت تموقعه موقع الضال في العلاقات الدولية. نحن أمام، لا أقول امتحان، وإنما تتويج يجب علينا أن نتحمل فيه المسؤولية كاملة لكي نساهم جلبا إلى جلب في تأطير النّشء وكذلك في إسماع صوت الحق الذي يحمل عنوان عريضا قوامه: مغربية الصّحراء، وأن الصّحراء مغربية إلى أن يرث لله الأرض ومن عليها.
العبّاس الوردي/ أستاذ القانون العامّ بجامعة محمد الخامس، ومدير عام المجلة الإفريقية للسّياسات العامّة