يصدر قريباً عن دار "خطوط وظلال" الأردنية كتابٌ جديد للقاص والروائي والشاعر سعيد منتسب، اختار له عنوانا دالا: "خلوة الذئب" ومنحه تجنيسا جديدا وسمه بـ "ارتجافات نقدية".
الكتاب حسب التصدير المكتوب على الصفحة الرابعة من الغلاف "رحلةٌ ارتيابية خاصة في ما تمثله "المكتبة" التي تبتكر دائما مياها جديدة للغرق. أما الذئب المنفرد، فليس إلا التحقيق المذهل للقارئ الوحشي. قارئ ما بعد الحداثة، ذو المبادرات المستقلة. القارئ المنشق/ المعارض الذي يدرك أنه لا يستطيع أن يغير أي شيء في واقع الأمر؛ ومع ذلك لا يقيم أي تسوية مع النص الذي يمارس عليه سلطته علانية.
القارئ الذئب يميل إلى كشف الطبيعة الحقيقية للارتياب، لأن وجودها مرتبط بالجوع واشتراطاته المفترسة. ولهذا، تحديدا، فإن النظرة ليست معنية بالسطوح، بل معنية باختراق حدود النظام، وبتدمير الكتل الثقافية الصلبة، وفضح الأدوات التلاعبية التي تخضع لمركز قوة ما (المؤسسة الثقافية).
القارئ الذئب اقتراح لفهم "صحيح" لمعنى "الوقوع في الخطأ". هذا ما يتعين على القارئ القبول به: الشعور بالوحدة. التخلي عن العقل والمسؤولية والواجب، والاختفاء الكلي في الملغز والغامض، والإيمان عن عمد بأن الخطأ هو مركز الحقيقة، وبأن جوهر "المكتبة" هو التلاعب بالنظام..."
يتوزع كتاب سعيد منتسب "خلوة الذئب" على سبعة أجزاء، كل جزءٍ اختار له الكاتب مقاطع وشذرات بمثابة استهلال/ عتبة:
عتبات الجزء الأول لكل من: أمبرطو إيكو، خورخي لويس بورخيس، عبد الفتاح كيليطو؛ ويتضمن 21 نصا.
عتبة الجزء الثاني لِـ آرثير شوبنهاور، ويتضمن 7 نصوص.
عتبتا الجزء الثالث لكل من: خوليو كورتثار وأندرياس نيومان، ويتضمن 5 نصوص.
عتبتا الجزء الرابع لِـ ألبرتو مانغويل وروبيرت غرانت، ويتضمن ثلاثة نصوص.
عتبتا الجزء الخامس لِـ غراهام غرين وميشال فوكو، ويتضمن نصين.
عتبتا الجزء السادس لكل من روني شار وإزرا باوند، ويتضمن نصين.
عتبة الجزء السابع لـ إيطالو كالفينو، ويتضمّن خمسة نصوص.
وإلى حين صدور كتاب "خلوة الذئب"، إذ من المنتظر إن يكون حاضرا في رواق دار النشر "خطوط وظلال" بالمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط في شهر ماي 2025، نقدم للقارئ هذا المقطع المقتطف من نص بعنوان "اللوح المحفوظ":
لا أحد بوسعه أن يقف على مسافة تفصله عن آخر كتاب حقيقي قرأه. لا قارئ ينجو من ذلك الشعور المتدرج بالانتفاخ في الرأس وهو يعبر كل تلك الفخاخ الإيمائية التي يتركها الكاتب خلفه. ولهذا بالذات أفكر في الكتاب الأول الذي خرجت منه كل الكتب.
يبدو القبض على هذا الكتاب أمرا بالغ الصعوبة، بل يبدو ذلك أشبه بالخوض في التغير الجذري الذي أحدثته "نظرية النشوء والارتقاء" لتشالز داروين في العقيدة الأساسية لمسألة "الخلق". و"علم آدم الأسماء كلها". هل آدم هو الكتاب الأول؟ هل ألقى الله في أمنيته آلة لفك رموز الكون كله؟ وماذا عن النبي إدريس الذي قيل إنه "أول من خط بالقلم"، وكان خياطا قبل أن ينظر في علم النجوم والكواكب؟ هل هم كهان المايا في جزيرة يوكاتان الذين تركوا أقدم مخطوطات معروفة حتى الآن؟ هل هي تلك النصوص الغنوصية التي يعود تاريخها إلى النصف الأول من القرن الرابع الميلادي؟ هل هي "موسوعة الأعشاب" الموجودة بمكتبة جامعة "لايدن" بهولندا؟ هل هي "ألواح بيرجي الذهبية" المكتوبة باللغة الفينيقية والأتروسكالية التي يحتفظ بها متحف الأتروسكان بروما؟... إلخ.
إن هذه الأسئلة تشبه التحليق في وضع الوقوف، ولا يمكنها بأي حال أن تقودنا إلى المصدر الأصلي لشيء اسمه الكتاب. غير أن إعادة التفكير في هذا الأصل تثير ما تزهو به المكتبات، أي وهج تلك اللحظة السابقة عن التحول الضروري الذي يعتري الطروس كلها، ثم تلك النقلة التي انطلق منها الصعود إلى غاية الوصول إلى هذا التعقيد الدائري الذي لن تكتمل حركته على الإطلاق. إن مجرد التفكير في ذلك يثير تخيلات كثيرة قد تدفعنا إلى الفكرة الأفلاطونية أو الكانطية، أي إلى العلاقة القائمة بين الجوهر والصورة. وبهذا المعنى، فكل الكتب خرجت من هذا الجوهر، أو بمعنى أدق هي من يشكل حياته الجديدة الممتلئة بالتغيرات والأشكال والأرقام واللغات والثقافات والأقنعة.