خالد البوهالي:هل يسعى الغرب إلى إشعال "ثورة الورود" في جورجيا مجددا؟

خالد البوهالي:هل يسعى الغرب إلى إشعال  "ثورة الورود" في جورجيا مجددا؟ خالد البوهالي

لا تجد ثورة أو بَلِيَّةً أَلَمَّتْ بدول العالم الثالث، إلا ويقف الغرب وراءها باستعمال ورقة الثورات للإطاحة بخصومهم الذين يرفضون الانصياع إلى إملاءاته التي تمس سيادة أوطانهم تحت مسميات براقة من قبيل الحرية والديمقراطية والعدالة وحقوق الانسان، خصوصا الدول التي لا تساير توجهاته.

 

ما يحدث حاليًا في جورجيا من مظاهرات لقوى المعارضة السياسية الموالية للغرب، على خلفية ادعاءات بتزوير نتائج الانتخابات التشريعية التي فاز بها حزب "الحلم الجورجي"، يعيد إلى الأذهان أحداث عام 2003، عندما قاد الرئيس السابق المدعوم من الغرب، ميخائيل ساكاشفيلي، معارضة واسعة ضد حكم الرئيس إدوارد شيفرنادزة، مطالبين بإلغاء الانتخابات التي اعتُبرت مزورة. انتهت هذه الاحتجاجات بما عُرف بـ "ثورة الورود"، وأسفرت عن استقالة شيفرنادزه وتولي ساكاشفيلي السلطة في عام 2004. لكن حياة ساكاشفيلي السياسية انتهت بشكل مروع نتيجة أخطائه الداخلية والخارجية، ما أضعف مكانته السياسية وأدى إلى خروجه من السلطة في 2013.

لكن السؤال الأبرز لماذا يريد الغرب الإطاحة بالحزب الحاكم في جورجيا عبر إشعال الثورة بها؟

 

منذ انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، والغرب لا يتورع في استقطاب دول الجوار الروسي من بينها جورجيا إما عبر تقديم العديد من المزايا لها أو دعم القوى السياسية المناوئة لموسكو عبر إشعال الثورات فيها بهدف إيصالها إلى الحكم، لتحقيق حلم تطويق روسيا جيوسياسيا لمنعها من أي تحقيق صعود استراتيجي يخولها العودة إلى مناكفة الغرب.

 

 لكن القيادة الجورجية الحالية اختارت النأي بنفسها عن التجاذب الغربي الروسي مستفيدة من درس حرب جمهوريتي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا التي أضاعهما الرئيس السابق ميخائيل ساكاشفيلي بسبب حماقته غير المحسوبة لما قرر الدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا، بعد أن أوهمه الغرب بالمساعدة، لكن الأخير تخلى عنه تاركا إياه لمصيره في مواجهة آلة الحرب الروسية.   

 

لذلك، فضلت السلطات الجورجية التزام الحياد في الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا منذ ثلاث سنوات تقريبا، كي لا يتم توريطها في حرب لا تعنيها، وإثارة العداء مع روسيا، بل وَسَعَتْ إلى تحسين العلاقات معها في السنوات الأخيرة وهو الأمر الذي لم يُلَاقِ رضى الدول الغربية التي كانت تأمل في انضمام تبيليسي إلى التحالف المناهض لموسكو.   

 

من جهة أخرى، صَوَّتَ البرلمان الجورجي في مايو 2024 بأغلبية 84 صوتًا مقابل 30 على مشروع قانون تقدمت به الحكومة تحت مسمى "شفافية التأثير الأجنبي"، الذي يهدف إلى تعزيز الشفافية في تمويل المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام التي تتلقى تمويلًا أجنبيًا يتجاوز 20% من إجمالي مصادر تمويلها. وفقًا لهذا القانون، يتعين على هذه المؤسسات تسجيل نفسها كمؤسسات ترعى مصالح أجنبية في سجلات الدولة، ويجب عليها الإفصاح عن الدخل الذي تتلقاه من المصادر الأجنبية. في حال عدم الامتثال لهذا المطلب، سيتعرض المخالفون لغرامة تصل إلى 25 ألف لاري، أي ما يعادل تقريبًا 9500 دولار. هذا القانون أثار ردود فعل سلبية من القوى الغربية، حيث اعتبرته تهديدًا للحرية المدنية. وكان الموقف الأكثر وضوحًا قد جاء على لسان مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأوروبية والأوراسية، جيمس أوبراين، الذي حذر من إمكانية فرض عقوبات على السلطات الجورجية في حال دخول المشروع حيز التنفيذ.".

ومرد هذا الإجراء إلى توجس الحزب الحاكم من النوايا الغربية تجاهه، اذ سبق أن اتهمت تبليسي الإدارة الأمريكية الحالية، بتدبير ثورة داخل جورجيا بين سنتي 2020 و2024. بواسطة المنظمات غير الحكومية الممولة أمريكيا التي تعمل في البلاد، ففي مكالمة هاتفية أجراها رئيس وزراء جورجيا إيراكلي كوباخيدزه مع مستشار الشؤون السياسية بوزارة الخارجية الأمريكية “ديريك شوله” أعرب عن خيبة أمله إزاء دعم الولايات المتحدة لمحاولتي الثورة في جورجيا، وهو الأمر الذي لم تنفه واشنطن.

 

وقد كتب بهذا الخصوص على منصة إكس الاجتماعية قائلا: “في حديثي مع مستشار أمانة الدولة، أعربتُ عن خيبة أملي الصادقة إزاء محاولتي الثورة، اللتين دعمهما السفير الأمريكي السابق واللتين تم تنفيذهما من خلال منظمات غير حكومية ممولة من مصادر خارجية”، مضيفا في نفس الوقت “أنه إذا كللت هذه المحاولات بالنجاح فسيتم فتح “جبهة عسكرية ثانية” ضد روسيا في جورجيا.

 

خلاصة القول، إن التظاهرات المدعومة من الغرب في جورجيا لا علاقة لها بمزاعم تزوير نتائج الانتخابات التشريعية، وإنما للإطاحة بحكومة إيراكلي كوباخيدزه عبر تأجيج الشارع الجورجي ضده، بعد أن جاءت نتائج الانتخابات النيابية مخيبة لآمال الدول الغربية بفوز أحزاب المعارضة الموالية لها، بعدما فشلت قَبْلاً في إسقاط حكومة الحزب الحاكم، كما أشرنا إلى ذلك أعلاه، ليبقى السؤال الأهم هل سينجح الغرب مجددا في إشعال ثورة الورود؟ لننتظر ونر.  

خالد البوهالي، كاتب وباحث مغربي في الشؤون الروسية والدولية.