فتح الله ولعلو وأطروحة.. "من العالم الثالث إلى الجنوب المعولم" ومركزية فلسطين

فتح الله ولعلو وأطروحة.. "من العالم الثالث إلى الجنوب المعولم" ومركزية فلسطين فتح الله ولعلو وغلاف الكتاب

نزل إلى المكتبات والأكشاك بمختلف المدن المغربية منذ أسبوع (بعد توزيعه منذ شهرين بكل من بيروت، القاهرة، الرياض، الشارقة، جدة)، الكتاب الجديد للدكتور فتح الله ولعلو الحامل لعنوان "من العالم الثالث إلى الجنوب المعولم" مع فصل تحليلي مستقل خاص بالقضية الفلسطينية.

الكتاب الذي يقع في 130 صفحة من القطع المتوسط، الصادر ببيروت بلبنان عن المركز الثقافي للكتاب، ضَمَّنَ فيه المفكر الاقتصادي المغربي المرموق ثمانية مباحث خصصها لتيمات:

عشرينيات القرن العشرين، مهد الفكرة الوطنية وائتلاف الجنوب/ الخمسينيات والستينات، وانطلاق تيار العالم الثالثي/ القرن الواحد والعشرين، تغيرات في توازن القوى وفي التحديات/ التغريب المعاكس/ ضبابية سائدة في عالم منكسر/ القارة الإفريقية اتجاه الشمال والبلدان الصاعدة/ المغرب تعبير متميز للجنوب المعولم/ النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.. حكاية جُورٍ..

 

انطلق الدكتور ولعلو في أطروحته المركزية بالكتاب من مساهمة "حرب أوكرانيا منذ اندلاعها بعد الهجوم الروسي على هذا البلد (24 فبراير 2022) في بعث جديد لمفهوم "الجنوب". حيث بدأ الحديث عن "الجنوب المعولم" ليحل محل مفهوم العالم الثالث. مثلما انتقل بشكل مواز الحديث عن تيار "عدم الانحياز" إلى فكرة "تعددية الانحيازات". فيما فرض مفهوم "الجنوب المعولم" نفسه حين عبرعن غضبه ضد الغرب بسبب تأييده لإسرائيل في المواجهة الجديدة ضد الفلسطينيين سنة 2023.

بل لقد ارتبط هذا التحول في المفاهيم بما سجل من مواقف اتخذتها جل البلدان الصاعدة الكبرى والعديد من البلدان النامية (من بينها البلدان الإفريقية) داخل الأمم المتحدة أثناء مناقشات ملف الحرب الروسية الأوكرانية. كما أن استعمال مفهوم "الجنوب المعولم" أخذ بعين الاعتبار التطور الحاصل في مسار العولمة منذ بداية القرن الواحد والعشرين وترسيخ الثنائية القطبية الجديدة ممثلة في المواجهة بين القطبين الأساسيين: الولايات المتحدة والصين الشعبية.

مثلما ساهم الحدث الجيوسياسي المتمثل في حرب أوكرانيا ببعده المباشر (روسيا ضد أوكرانيا) وغير المباشر (المواجهة بين الغرب في شموليته ضد روسيا) إلى جانب ارتفاع درجة الانخراط الاقتصادي في العولمة لكل الأقطار بما فيها بلدان الجنوب، إلى تمايز مواقف هذه الأخيرة عن المقاربات التي تدافع عنها البلدان الغربية في مواجهتها لروسيا. في هذا السياق، بدأ استعمال عبارة "الجنوب المعولم" ومعه مفهوم تعددية الانحيازات الذي كان الوزير الأول للهندي ناريندرا مودي أول من رفعه، دلالة على أن بلدان الجنوب لا تسعى إلى محاكاة الولايات المتحدة وأوروبا في مواقفها، بل إنها تريد أن توظف حدث جيوسياسي كبير للتعبير على تعلقها بنوع من الخصوصية تترجم مصالحها ضمن عولمة القرن الواحد والعشرين.

هذا ما يدفعنا (يقول الدكتور ولعلو) إلى متابعة أوضاع الجنوب في ظل انتهاء مرحلة الاستعمار التقليدي (1945-1975) وتعاظم ظاهرة تدويل الأنشطة الاقتصادية وضمنها ضغوطات الحرب الباردة (1947-1990) التي تلاشت مع انهيار الاتحاد السوفياتي... لننتقل بعدها إلى القرن الواحد والعشرين بتوالي رجاته (حدث 11 شتنبر2001، الأزمة الاقتصادية العالمية 2008، جائحة الكوفيد 19، حرب أوكرانيا 2022 والحرب الإسرائيلية الفلسطينية حول غزة 2023) ... مع ترسيخ ظاهرة العولمة بكل أبعادها الاقتصادية والتكنولوجية والإيكولوجية التي صاحبت صعود الصين الشعبية وبروز الثنائية القطبية الجديدة المتمثلة في قطبي القرن الواحد والعشرين: الولايات المتحدة والصين.

ليخلص إلى أن السؤال المطروح علينا هو: كيف انتقل العالم الثالث إلى وضعية الجنوب المعولم؟ وكيف حدث الانتقال من توجه "عدم الانحياز" إلى مقاربة "تعددية الانحيازات"؟ وكيف أصبح الجنوب معولماً وفي ذات الوقت "متعدداً"؟

مؤكدا في الختام، من خلال تخصيصه مبحثا مستقلا لتطورات القضية الفلسطينية أن الحرب الفلسطينية الإسرائيلية الجديدة حول غزة في عام 2023 كشفت أن القضية الفلسطينية لا تزال مركزية ولا يمكن تجاهلها. ولا يمكن تجنب ذلك إذا أردنا بناء شرق أوسط جديد تقبل فيه جميع كيانات الدول بعضها البعض وتتعايش.

معتبرا أن الاعتراف بأن الاحتلال الاستيطاني هو أصل الصراع يعني ضرورة الاعتراف بشرعية الكفاح الفلسطيني.

قبل أن يختم بالقول كخلاصة محورية:

"يبدو في الوقت الحالي، في خضم الصراع، أن السلام بمثابة حلم مثالي بعيد المنال. مع ذلك، يجب أن نعطيه فرصة جديدة. لأن من شأن مراعاة وجود شعبين يتنافسان على نفس الأرض، والاعتراف بأن شعباً واحداً ودولته قد استعمرا أراضي الشعب الآخر، والامتثال للقرارات المتتالية التي اتخذها مجلس الأمن منذ سنة 1948 التي أوصت بتقاسم الأراضي وطالبت بانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة منذ 1967 من شأن كل ذلك أن يؤدي إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية. في هذا الإطار يجب على القوى العظمى اليوم (الولايات المتحدة والصين)، مع الاتحاد الأوروبي وروسيا والدول الصاعدة في مجموعة العشرين أن تأخذ زمام المبادرة لضمان حل الدولتين، هذا الحل الوحيد القابل للتطبيق (المستوى الأول). كما يجب أن تلعب القوى الإقليمية الجديدة، المملكة العربية السعودية وإيران وتركيا ومصر، دوراً نشيطاً في إيجاد حلول في المفاوضات (المستوى الثاني).

يتعين على الإسرائيليين والفلسطينيين أن يقبلوا نهج التعايش ويجب على إسرائيل أن تجدد ديمقراطيتها، التي تنحصر الآن في خدمة الاحتلال. كما يجب أن تتطور المنظمتان الفلسطينيتان الكبيرتان، حيث يجب على حماس أن تدير ظهرها بشكل قاطع للراديكالية ويجب على حركة فتح تجديد قيادتها وبث حياة جديدة في منظمة تحرير فلسطينية ذات مصداقية أكبر. إن القضية الفلسطينية قضية عادلة للتحرر الوطني، بالتالي فهي تستحق توحيد الصفوف (المستوى الثالث).

سيتأثر مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على المستوى الدولي بالتغييرات الواردة في توازن القوى عالميا، بسبب الصعود المؤكد للفضاء الآسيوي بكل مكوناته على رأسها الصين، وكذا البلدان الآسيوية المسلمة مثل أندونيسيا وماليزيا اللتان تعرفان دينامية اقتصادية لافتة. فلقد أصبح الفضاء الاسيوي بأقطابه الصناعية التقليدية والصاعدة (الصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند) الزبون الأول لمحروقات المنطقة التي سماها الغرب بالشرق الاوسط والتي يعتبرها الاسيويون منطقة غرب آسيا. هكذا لن يترك الاسيويون في المستقبل للولايات المتحدة واروبا موقع الاحتكار في متابعة ومعالجة قضايا المنطقة وعلى رأسها الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وسيكون على اسرائيل كما الفلسطينيين والدول العربية أن تأخذ بعين الاعتبار ثقل الفضاء الاسيوى.

لقد أعاد العدوان الاسرائيلي على غزة للقضية الفلسطينية مركزيتها عالميا فأصبحت من جديد هي القضية الأولى".