يعد التدبير الأمني للحد من العنف والشغب بالملاعب الرياضية في المغرب، من التحديات الكبرى التي تعترض منظمي التظاهرات الكبرى، بل إن الموضوع أصبح مطروحا بحدة في ظل إقبال المغرب على احتضان استحقاقات ذات بعد قاري أو دولي.
وفي هذا السياق، تم الكشف مؤخرا عن دراسة تهم الظاهرة المتمثلة في شغب الملاعب والعنف الذي يترتب عنه وهي الدراسة التي حملت عنوان: “التدبير الأمني للعنف وأحداث الشغب بالملاعب الرياضية بالمغرب: من أجل مقاربة شاملة”، أنجزها مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية، ومركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن.
“الوطن الآن” تعيد تفكيك هذه الدراسة، نظرا لأهميتها ولسياقها التاريخي، للوقوف على أهمية التدبير الأمني للتظاهرات الرياضية.
الأحداث الرياضية الكبرى ورهان تدبير الحشود الجماهيرية
أوضحت دراسة “التدبير الأمني للعنف وأحداث الشغب بالملاعب الرياضية بالمغرب: من أجل مقاربة شاملة”، مدى أهمية دراسة العنف داخل وحول ملاعب كرة القدم في المغرب، لاسيما في ظل السياق الحالي، الذي يتميز يتحول المغرب إلى قبلة رياضية تستعد لتنظيم الأحداث الرياضية الكبرى وما يرتبط بها من ديناميات اجتماعية هامة.
فالمغرب، الذي تم اختياره لتنظيم مجموعة من المحطات البارزة التي ستحتضنها بلادنا بدء من بطولة كأس إفريقيا للأمم للرجال والسيدات سنة 2025 وخمس دورات لكأس العالم للفتيات أقل من 17 سنة للفترة الممتدة من 2025 إلى 2029 وصولا إلى نهائيات كأس العالم سنة 2030 ذات التنظيم المشترك مع اسبانيا والبرتغال، ما سيضع المغرب تحت الأضواء الدولية ويحوله إلى نقطة جذب كبرى. إذ أن هذا الاختيار لا يشكل فقط اعترافا بالقدرات اللوجستية والتنظيمية للبلاد، بل يطرح أيضا تحديات كبيرة ذات صلة بالأمن وإدارة تجمعات الجمهور واتخاذ الرياضة كإحدى رافعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
إن المغرب سيكون أمام تحديثات الحكامة الأمنية التي تعد أحد أهم مقومات نجاح التظاهرات الرياضية، لأنها تتجاوز حدود المباريات إلى النظام العام في شموليته وفي كل أبعاده الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية.
ومع اقتراب تنظيم كأس الأمم الإفريقية 2025 والمشاركة في تنظيم كأس العالم لكرة القدم في عام 2030، وما بينهما من محطات رياضية مهمة، يواجه المغرب تحديا كبيرا في إدارة الأمن بشكل دقيق في هذا المجال. ومن المتوقع أن تجذب هذه المحطات ملايين المشجعين والمشاهدين من الداخل والخارج، مما يستدعي اعتماد خطط واستراتيجيات واتخاذ التدابير الأمنية اللازمة والضرورية لضمان سلامة وراحة الجميع. لذلك سيكون الفهم العميق لأسباب العنف في الملاعب أساسيا للاستشراف قصد منع الحوادث، مما يساهم في توفير تجربة آمنة وممتعة لجميع المشاركين والزوار.
من أجل تدبير تشاركي للحكامة الأمنية الرياضية
في هذا السياق أوضحت الدراسة أن الإدارة الأمنية الجيدة للأحداث الرياضية، تتطلب تكامل أدوار عدة أطراف معنية، من المؤسسات الأمنية: الشرطة والقوات المساعدة والدرك الملكي، وزارة الداخلية، الوقاية المدنية، السلطات المحلية، ومنظومة العدالة كالسلطة القضائية، النيابة العامة، المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، والهيئات الرياضية كالوزارة الوصية على قطاع الرياضة، الجامعة الملكية لكرة القدم والعصب الجهوية والأندية، وكذلك المجتمع المدني خاصة جمعيات المشجعين، الألتراس، الشركاء الخاصون ووسائل الإعلام، والمجالس المنتخبة طبعا.
وركزت الدراسة على الجانب الحقوقي، إذ يمثل العنف في الملاعب الرياضية تحديا كبيرًا ويشكل انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان والمبادئ الأساسية التي تروج لها الهيئات الرياضية الدولية. وأكدت على أهمية التنسيق الفعال بين جميع هذه الأطراف، بل واعتبرته “أمرا حيويا لضمان استخدام القوة بشكل متناسب وناجع يتوافق مع حقوق الإنسان ومتطلبات الممارسات الجيدة في المجال الأمني، إلى جانب تعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة الأحداث الرياضية“.
أما على المستوى الدولي، فاستنادا إلى اتفاقيات التعاون المبرمة مع المنظمات الدولية مثل الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا“ والكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم “الكاف“ واللجنة الأولمبية الدولية، وغيرهم من الجهات ذات العلاقة بالرياضة، والهيئات الأمنية، فإن التنسيق يعد عنصرا أساسيا في إدارة أمن التظاهرات، بل أمرا حاسما من عدة جوانب، بما في ذلك ما يتعلق بالممارسات الجيدة في إدارة الجمهور وأمن الأحداث الرياضية، وكذلك في مكافحة الجريمة والعنف داخل وحول الملاعب الرياضية، يكفي الاستدلال بمشاركة جهاز الأمن المغربي في تدبير أمن تظاهرات رياضية دولية، من قبيل كأس العالم 2022 بقطر والألعاب الأولمبية 2024 بباريس، بل إن التعاون الدولي يمكن أن يوفر المعرفة والتجارب والخبرات والمعلومات التي تساهم في تحسين الأمن والإدارة، وتدفع بالتظاهرات صوب شط الأمان.
ووفق الدراسة ذاتها، فعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلت لتعزيز للتدبير الجيد للأحداث الرياضية في المغرب، فإن “الملاحظ أنه يتم التعامل غالبا مع العنف في الملاعب وإدارته بطريقة أمنية صرفة، دون الربط بين هذه الأبعاد المختلفة أو إدراجها في منظور أشمل للحكامة الأمنية، ذلك أن الإطار القانوني والمؤسساتي لا يبدو أنه موضع سياسة عامة واضحة“.
وعلى الرغم من أن مجلس الحكومة وافق في فاتح فبراير 2024 على مشروع مرسوم لإنشاء اللجان المحلية لمكافحة العنف في المنشآت الرياضية، كما هو مقرر في القانون رقم 09.09، فلا تزال الاستراتيجية الشاملة لتدبير الأحداث الرياضة وخاصة كرة القدم في حاجة إلى تطوير.
الحاجة إلى تفعيل وتطوير الاستراتيجية الوطنية متعلقة بالأمن والسلامة
خلصت الدراسة إلى أن الحد من شغب الملاعب وضمان بيئة رياضية آمنة يتطلب إتباع استراتيجية شاملة، تستند إلى حكامة جيدة فيما يتعلق بالترتيبات الواجب اتخاذها لتدبير المنشآت الرياضية ومحيطها، وكذا الاستراتيجية الأمنية ذات الصلة.
الأمر الذي يستدعي معالجة ظاهرة العنف داخل الملاعب، وفي محيطها، من خلال مقاربة تتجاوز الاقتصار على التدابير الزجرية الصارمة، لتشمل العمل التربوي والتحسيس الاجتماعي وتحسين البنيات الرياضية، مع إشراك كافة الأطراف المعنية.
وشددت الدراسة المذكورة، على ضرورة بناء استراتيجية شاملة وكاملة، تسهر عليها بنية حكومية وتقتضي أن تتم معالجة مكوناتها الثلاثة المتمثلة في الأمن والسلامة والخدمات بطريقة متداخلة لا بصورة منعزلة، بالإضافة إلى إعداد وتطبيق وتقييم ومراجعة الاستراتيجية الوطنية المتعلقة بالأمن والسلامة والخدمات في التظاهرات الرياضية انطلاقا من التحديات والموارد والأسبقيات المحددة سلفا.
وفي السياق ذاته دعت الدراسة إلى محاربة العنف بالتثقيف والإعلام، من خلال الدعوة إلى إعمال توصية المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المتعلقة بفتح قنوات اتصال مع الأنصار والمحبين، وبناء علاقة إيجابية بين الجمهور والفاعلين الرئيسيين في المشهد الرياضي انطلاقا من اعتبار الجماهير ليس مجرد متفرجين بل كجزء لا يتجزأ من الهوية الرياضية للأندية.
“الإعلام والتواصل جزء لا يتجزأ من الاستراتيجية الشاملة لمحاربة العنف والذي يجب أن ينبني، على سياسة استباقية ومتعددة المؤسسات ومصممة وفقا للظروف والاحتياجات الوطنية في امتداداتها المجالية، ويقع على عاتقه تكوين مكونات الاستراتيجية من التخطيط مرورا بإعمالها ووصولا إلى تقييماتها.