بتصحيح الحقائق انطلاقا من حدث وطني كنت شاهدا عليه، ومن الذين كانوا وراءه صحبة ثلة من الشباب مازال بعضهم على قيد الحياة.
ولكن قبل ذلك أود القول أن مشكلتنا الرئيسية نحن أبناء الأقاليم الصحراوية المغربية، وهي من أخطر
ما يواجهنا، أن كل قبيلة من قبائلنا تدعي القيادة والزعامة والريادة للمجتمع، وداخلها يدعي كل مكون من مكوناتها أنه الممثل لها، وداخل هذا المكون نجد أن أحد أشخاصه يدعي أنه يرجع له الفضل في تأسيس ذلك المكون وتلك القبيلة، وفي هذا تضيع الحقائق، وتكثر الأباطيل، ويتم تزوير التاريخ، وتحريف الوقائع حتى ولو كان أهلها مازالوا على قيد الحياة.
مناسبة هذا الكلام ماسمعته مؤخرا من تسجيل صوتي لأحد أبناء أقاليمنا الجنوبية، الفاضل والوطني الكبير عبداتي لعريش، الذي تربطني وإياه علاقة مودة واحترام لا داعي لذكر سببها، ولولاها لما علقت على كلامه، خاصة مايتعلق منه بتأسيس جبهة التحرير والوحدة.
إن التاريخ يشهد، وهذا مايعرفه كل مسؤول أمني وإداري يحترم نفسه، كان في الطنطان أو كلميم، وكذلك بعض شباب كلميم، أن هذه الجبهة تم التفكير فيها، والتخطيط لإخراجها، على يد ثلاثة أفراد (أبو زيد اعلي سالم بن دحمان، سيدي أحمد بوليد، ماءالعينين ماءالعينين) ثم انضمت إليهم العشرات من المثقفين والأطر من أبناء كلميم. وسأكتفي بإعادة نشر مقال كتبته في الموضوع لكي يعرف القارئ حقيقة تكوين هذه الجبهة والمراحل التي مرت منها. ولعل السيد أبوزيد علي سالم ابن دحمان، والسيد بوليد سيدي أحمد، والسيد مفتاح سيداتي الباشا حاليا بمدينة تمارة، الذي كان حينها مقررا للجنة التي وضعت قانونها الأساسي بغابة معمورة، وكنت رئيسها إلى أن أنهت أشغالها عكس مايدعيه البعض أحيانا، خير من يشهد على ذلك.
وإن كنت أتذكر جيدا، أنني وأنا أترأس إحدى الجلسات، تلقيت أمرا قصد الإلتحاق بالجنرال الدليمي بمنزله من أجل ضبط بعض الأمور التنظيمية، فكلفت بعض الأخوة الذين التحقوا بنا من الرباط برئاسة تلك الجلسة نيابة عني.
لقد جانب عبداتي لعريش الحقائق التاريخية، حين أكد أنه وبتعليمات من صالح زمراك كان وراء تأسيس
الجناح السياسي لجبهة التحرير والوحدة، بل أؤكد للتاريخ أن زمراك، وهو حينئذ عاملا على إقليم الطنطان، كان في منتهى الحيرة والدهشة حين استقباله لي من أجل إخباري أن الرسالة التي وقعتها صحبة السيدين أبوزيد علي سالم ابن دحمان، وسيدي أحمد بوليد، قد صادق جلالة الملك الراحل على فحواها ويجب علينا أن ننطلق من أجل العمل...
لا أنفي ولا أؤكد أن عامل الإقليم استدعاه على الساعة الثانية صباحا من أجل الإخبار، وأمره بالالتحاق بالركب، وذلك بعد أن تفاجأ هو نفسه (أي العامل) بالتعليمات التي أعطيت إليه، والتي على إثرها استقبلني بمكتبه وهو في منتهى الغيظ والدهشة.
إن التاريخ يشهد، وكذلك العشرات من شباب مدينة كلميم، ومالدينا من حجج (سندلي بها في الوقت المناسب)، أن تأسيس الجناح السياسي لجبهة التحرير والوحدة، تم على يد مجموعة من الشباب بمدينة كلميم، دون تعليمات ولا توجيهات، من أي مسؤول مهما علت مكانته، رائدهم في ذلك، الإخلاص لثوابت الأمة، والدفاع عن مقدساتها، والإيمان بوحدة الوطن
والدفاع عنها. غير منتظرين من أي مسؤول كان إعطائهم الضوء الأخضر في ذلك، حينما توجهوا الى حضرة المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني طالبين منه إعطائهم الضوء الأخضر لتأسيس ذلك. ذلك أن الوطني الغيور على وطنيته لايحتاج من أجل القيام بها إلى تكليف أو تعليمات من أي مسؤول اداري أو أمني، مهما علت رتبته، وهذا بالضبط ماكان يقوم به آباؤنا جميعا، حينما اتجهوا من الجنوب صوب الشمال دفاعا عن ملكهم ومقدساتهم ووحدتهم الترابية وهم الذين قاموا بعدة مسيرات وحدوية من أجل ذلك.
كما يشهد التاريخ كذلك وكل من يملك ذرة من حقائقه الناصعة البياض، أنه إن كانت مدينة الطنطان هي منشأ ومركز وتأسيس جبهة البوليساريو، حيث انضم إليها بعد ذلك من انضم من بقية شباب الجهات الأخرى، فإن مدينة كلميم هي المكان الأول لمنشأ ومركز وتأسيس الجناح السياسي لجبهة التحرير والوحدة، وبعد ذلك انضم إليها من انضم من شباب بقية الجهات الأخرى. وهذا شرف يحسب للمدينة ولمن ساهم من شبابها في ذلك، ولذلك الثلاثي الذي كان وراء الفكرة،
وللمزيد من التوضيح سأكون مضطرا لإعادة مقال نشرته من قبل حول الوضوع. ولكل حادث حديث
●●●●●●●
الوطنية لا تتجزأ ولا تقبل القسمة على اثنين. فإما أن تكون وطنيا أو لا تكون كذلك. كثيرا ما عن لي القول إن جميع المسيرات التي قام بها أبناء الصحراء المغربية، في سبيل تحرير أرض الوطن، كانت تلقائية باستثناء المسيرة الخضراء. تلك التي دعا إليها جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه. لن نغوص في التاريخ القديم، وسيكون الاستهلال من البدايات الأولى لتوغل الاستعمارين الفرنسي والاسباني. في اراضينا المغربية. هب الصحراويون المغاربة للدفاع عن الأرض، يحذوهم في ذلك الاخلاص لشعار آمنوا به. وأخلصوا له وماتوا من أجله، قبل أن يكون شعارا رسميا للمملكة. منذ تلك البدايات لا ينام صغارهم ويصحون إلا على تلك الأيادي الممتدة عاليا الى عنان السماء طالبين أن يحفظ الله الأوطان وينصر السلطان. أي الاخلاص لله في التوجه اليه والدعاء للوطن وللسلطان.
حارب القوم عن بكرة أبيهم الاستعمار الاسباني في الجنوب والفرنسي في الشمال. ضحوا بأنفسهم، وإبلهم وأمعيزهم وخيامهم من أجل شعارهم ذلك، اختار الرجال منهم ضنك العيش والتخندق في المغارات والكهوف، من أجل التصدي لاستعمار واجهوه في الصحاري والجبال، اتجهوا شمالا، خاضوا معه معارك طاحنة في جبال الصحراء وسوس. وصلت الى سيدي بوعثمان. وتجاوزت إلى ثخوم تادلة والشاوية ومنهم من شارك في جيوش عبد الكريم الخطابي، وساهم في معارك خاضتها قبائل الأطلس. وايت عطا وايت خباش، ضد الاستعمار الفرنسي. وكانوا قبل ذلك اتوا على ظهور جمالهم ومنهم من أتى راجلا، قصد استقبال السلطان الحسن الأول في رحلته للجنوب المغربي. وما انخراطهم في صفوف جيش التحرير المغربي إلا أكبر برهان على ذلك. أعطوا إبلهم ومواشيهم وخيامهم وقِربهم له، إعانة منهم وسخاء في سبيل الشعار. تركوا ما كانوا عليه من عيش نعيم وكريم، استجابة لنداء الواجب. كانوا من الأوائل الذين جعلوا من الرباط قبلة لهم بعد عودة سلطان البلاد من المنفى. وكانوا قبل ذلك يأتون إلى فاس ومراكش و الرباط، من أجل لقاء السلاطين العلويين. وتجديد البيعة والولاء لهم وطلب الإعانة للتصدي للاستعمار وأذنابه، وما التحاقهم من الصحراء المغربية على ظهور جمالهم وخيولهم، ببلدة محاميد الغزلان قصد حضور الزيارة التاريخية لجلالة المغفور له محمد الخامس، بتاريخ 25 فبراير 1958 إلا أكبر دليل على ذلك. كل ذلك وغيره كثير تم دون تلقي أدنى إشارة من المركز والعاصمة والجهات الرسمية. إنه الإخلاص للشعار، والتفاني في حب الوطن والتعلق بالمقدسات. وبالجالس على عرش المملكة، وعلى هذا النهج القويم والطريق المستقيم صار الأبناء.