أكد الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، أن برنامج تعزيز القدرات في مجال استخدام أدلة الطب الشرعي في التحري والتحقيق في ادعاءات التعذيب الذي تم إطلاقه خلال ندوة وطينة نظمتها رئاسة النيابة العامة بشراكة مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية بتاريخ 07 أكتوبر2024، يأتي لتمكين أكبر عدد ممكن من نفس الفاعلين الأساسيين المعنيين بالموضوع للاستفادة من هذا البرنامج حيث سيشارك فيها حوالي 80 قاضيا وقاضية منتدبين عن كافة محاكم الدوائر الاستئنافية بكل من مراكش وأسفي وسطات وكلميم وورززات والعيون، فضلا عن مشاركة ممثلين عن الضابطة القضائية ومندوبية إدارة السجون وإعادة الادماج وأطباء شرعيين، علما أنه سيتم تنظيم دورتين جهويتين إضافيتين لضمان استفادة ممثلين عن باقي محاكم وجهات المملكة من هذا البرنامج.
جاء ذلك في كلمة ألقاها بالنيابة عنه هشام بلاوي، الكاتب العام لرئاسة النيابة العامة اليوم الأربعاء 27 نونبر 2024 بمراكش، بمناسبة افتتاح أشغال الدورة التكونية الثانية حول "استخدام أدلة الطب الشرعي في التحري والتحقيق في ادعاءات التعذيب طبقا لبرتوكول استنبول في صيغته المراجعة المنظمة من طرف رئاسة النيابة العامة بشراكة مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وبدعم من مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن".
وذكر المتحدث ذاته بأن هذا البرنامج، يأتي في إطار مواصلة تنفيذ برنامج أوسع يتعلق بتعزيز قدرات القضاة في مجال حقوق الإنسان الذي أطلقته رئاسة النيابة العامة بتعاون مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية بتاريخ 10 دجنبر 2020، بمناسبة الذكرى 72 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حيث استفاد من الدورة الأولى التي نظمت بمدينة الرباط بتاريخ 08 و09 أكتوبر حوالي 70 مشاركا من قضاة النيابة العامة وقضاة الحكم وقضاة التحقيق، فضلا عن ممثلين عن الضابطة القضائية ومندوبية إدارة السجون وإعادة الادماج وأطباء شرعيين والمجلس الوطني لحقوق الإنسان.
وأفاد بأن اعتماد هذا البرنامج التكويني التخصصي يأتي في إطار مواكبة انخراط المملكة المغربية المضطرد في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، وترجمة إرادتها الراسخة في تكريس مبادئ حقوق الإنسان، وضمان التمتع بها من خلال مجهود متواصل لإدماج المعايير الدولية المترتبة عن الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة المغربية في التشريعات الوطنية واستحضارها في الممارسات اليومية لمختلف المؤسسات والجهات المعنية.
واستحضر الداكي مضامين الرسالة الملكية الموجهة للمشاركين في المناظرة الدولية التي احتضنتها مدينة الرباط يومي 7 و8 دجنبر 2023، بمناسبة الاحتفاء بالذكرى 75 للإعلان العالمي لحقوق الانسان، حيث أكد الملك على ما يلي" وإن تشبثنا الراسخ بالدفاع عن هذه الحقوق وتكريسها، لا يعادله إلا حرصنا الوطيد على مواصلة ترسيخ وتجويد دولة الحق والقانون وتقوية المؤسسات، باعتباره خياراً إرادياً وسيادياً، وتعزيز رصيد هذه المكتسبات، بموازاة مع التفاعل المتواصل والإيجابي مع القضايا الحقوقية المستجدة، سواء على المستوى الوطني أو ضمن المنظومة الأممية لحقوق الإنسان". انتهى النطق الملكي.
كما ذكر بمقتضيات الدستور المغربي التي تشكل ميثاقا حقيقيا لحقوق الإنسان، ولا سيما الباب الثاني منه المتعلق بالحقوق والحريات وغيرها من المقتضيات التي عززت الضمانات القانونية والقضائية لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها مما شكل ركيزة أساسية لانطلاق العديد من الإصلاحات التشريعية والمؤسساتية ببلادنا.
ومن بين تلك المقتضيات ما جاء في الفصل 22 الذي ينص على حماية السلامة الجسدية والمعنوية للأشخاص وعدم جواز معاملة الغير تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية، وعلى تجريم التعذيب بكافة أشكاله، وما جاء في الفصل 23 الذي عزز الضمانات القانونية الأساسية لحماية حقوق المتهم بما في ذلك الوقاية من التعذيب وسوء المعاملة حيث نص على احترام الإجراءات القانونية المطبقة في حال إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو ادانته، و إخبار كل شخص تم اعتقاله بشكل فوري بدواعي اعتقاله وبحقوقه التي منها الحق في التزام الصمت، وتمكينه من الاستفادة من المساعدة القانونية، والاتصال بأقربائه طبقا للقانون.
كما نص هذا الفصل على ضمان قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة وتمتيع الشخص المعتقل بحقوق أساسية وبظروف اعتقال إنسانية، وهي نفس الضمانات القانونية الأساسية التي كرسها قانون المسطرة الجنائية في المادة 66 منه ولا سيما الحق في الاتصال بمحام والحق في التزام الصمت والحق في الاتصال بالأقارب.
وتفعيلا لهذه المقتضيات، يضيف رئيس النيابة العامة، تحرص رئاسة النيابة العامة على أن تجعل من حماية حقوق الإنسان، ومكافحة التعذيب أولى أولويات السياسة الجنائية، وهو ما تعكسه التقارير السنوية لرئاسة النيابة العامة فيما يخص الجوانب المتعلقة بالمعالجة القضائية لقضايا التعذيب ومتابعة شكايات ادعاءات العنف والتعذيب وسوء المعاملة.
وفي هذا الصدد يقوم قضاة النيابة العامة بدور فعال في منع التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة من خلال السهر على تطبيق المقتضيات القانونية المتعلقة بالوقاية منه ومكافحته، والتفاعل مع الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب المحدثة لدى المجلس الوطني لحقوق الإنسان بموجب البرتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، وكذا زيارة أماكن الحرمان من الحرية، وفتح تحقيقات في الشكاوى المتعلقة بادعاءات التعذيب المقدمة إليهم، وعرض المعتقلين على الخبرة الطبية كلما اقتضت الضرورة ذلك وفقا للمادة 73 من قانون المسطرة الجنائية التي تنص على أنه " ... يتعين على الوكيل العام للملك إذا طلب منه إجراء فحص طبي أو عاين بنفسه آثارا تبرر ذلك أن يخضع المشتبه فيه لذلك الفحص. إذا تعلق الأمر بحدث يحمل آثارا ظاهرة للعنف أو إذا اشتكى من وقوع عنف عليه يجب على ممثل النيابة العامة وقبل الشروع في الاستنطاق إحالته على فحص يجريه طبيب. ويمكن أيضا لمحامي الحدث أن يطلب إجراء الفحص المشار إليه في الفقرة السابقة".
وزاد قائلا:" إذا كان برتوكول استنبول: دليل التقصي والتوثيق الفعالين للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة تم اعتماده مند سنة 1999 وتمت مراجعته سنة 2022 باعتباره يتضمن مبادئ توجيهية ومعايير دولية، يهدف إلى البحث والتحري وتقييم الأشخاص الذين يدعون التعرض للتعذيب وسوء المعاملة والتحقيق في حالات التعذيب المزعومة قصد إبلاغها للجهات القضائية لاتخاذ مايلزم من قرارات بشأنها، فإن أهمية هذا البرتوكول لا تنحصر فقط فيما يحمله من مبادئ وشروط يتعين أن يتقيد بها الخبير الطبي ويستحضرها القضاة وموظفو إنفاذ القانون، بل إن تزايد الاهتمام به انعكس في عمل هيئات المعاهدات ولاسيما لجنة مناهضة التعذيب التي تستحضره بمناسبة فحص تقارير الدول الأطراف في اتفاقية مناهضة التعذيب في البعد المتعلق بالتوعية والتكوين في هذا المجال حيث تخصص جزءا من ملاحظاتها الختامية وتوصياتها لذلك".
كما أفاد بأن اعتماد هذا البرنامج الخاص الذي يأتي في إطار مواصلة تنفيذ برنامج تعزيز قدرات القضاة في مجال حقوق الإنسان يشمل تنظيم أربع دورات تكوينية حرصت النيابة العامة على أن يتم تأطيرها من طرف خبراء دوليين مرموقين من بينهم من شاركوا في إعداد الصيغة المراجعة لبرتوكول استنبول وآخرون لهم خبرة وتجربة عملية في هذا المجال، علما أنه سيتم تنظيم دورة خاصة لفائدة مجموعة من الأطباء تكوين فريق لإعداد دليل وطني خاص بالموضوع.