خلال زيارة غير متوقعة بعد غياب لثلاث سنوات وباقتراح من صديقي الدكتور رضوان من أجل الاستجمام، صدمت بشدة لا تتصور عندما رأيت الوضع المتدهور لغابتنا الجميلة "سيدي معافة" بوجدة، التي تُعتبر رئة منطقتنا، وتحولت نية الاستجمام إلى غمة ما بعدها غمة.
إن مشهد الخراب الذي شاهدناه والذي تعاني منه هذه الغابة، التي كانت يومًا ما مليئة بالحياة، أصبح مبعثا للقلق والخوف و الدمار وهو الآن بمثابة جرس إنذار لنا جميعًا. لقد رأينا منظرا فظيعا: معظم الأشجار قد ماتت، الغابة خالية من كل شيء، لا بشر ولا شجر والرؤية كارثية. أولئك الذين يعرفون الغابة لن يتعرفوا عليها، حيث تدهور كل شيء في غفلة من الزمن. واضح أن وباء إزالة الغابات قد تسلل بشكل مقلق إلى بيئتنا، ولا شك أن هناك يدًا خفية وراء كل هذا.
فبعد تدمير الرئة الاحتياطية في وسط المدينة بفعل بشري ( الغابة التي كانت في ثكنة العسكر وحل محلها مشروع الضحى السكني )، نشهد الآن خرابًا في غابتنا الرئيسية المسماة غابة سيدي معافة.آخر أمل لمتنفس كل المواطنين الوجديين و من يجاورهم و التي كل الرحال من جميع الفئات العمرية كانت تشد إليها.
السؤال المحير هو كيف يعقل هذا الصمت الرهيب من قبل المهتمين والمسؤولين تجاه هذه المأساة الغير طبيعية؟ إن فقدان هذه الغابة يعني فقدان جزء من هويتنا وثقافتنا، وهؤلاء واعون جيدا أنه علينا أن نحمي بيئتنا ونساهم في تنميتها، وأن نكون صوتًا لمن لا صوت لهم. لكن، للأسف، هذه المدينة ليس لديها أناس يدافعون عن مصالحها. يبدو أن كل من عليها يبحث عن مصالحه الشخصية، وبالطبع ليس من مصلحته أن يحشر أنفه في مشاكل مثل المحافظة على الغابة وما شابه ذلك. لذلك، فإن الجحيم ينتظر الجميع.
إننا نعتبر عواقب هذا التدهور مقلقة. فالمئات من الأشجار المتضررة، بما في ذلك أنواع محلية بارزة من النباتات، تم تدميرها واستغلالها بلا تمييز مثل نبات التين الشوكي المعروف جيدا باسم" الهندية". ومن المعروف أن هذا الدمار لا ينجم عن ظواهر طبيعية فقط، بل ينجم أيضًا عن قرارات بشرية مشكوك فيها. فالمرافق الحديثة، مثل بناء الطرق المعبدة، شوهت المسارات الطبيعية للغابة، مما أدى إلى اضطراب النظم البيئية الحساسة التي كانت تعيش فيها. ولا ننسى الفيروسات و المبيدات الكيميائية المستعملة بإفراط مهول من طرف البشر اللامبالين .
ثم إن مدينتنا العزيزة وجدة، التي تعاني بالفعل من مناخ جاف ورياح قوية أحغالبا محملة بالغبار، تشهد تدهورا عاما يومًا بعد يوم. ولذلك فالعواقب واضحة: درجات الحرارة في ارتفاع، والمناخ بات أكثر قسوة. أمام هذه الأزمة، مما أدى إلى ازدياد القلق لدى السكان حيث أصبح ثقلاً على كاهل مواطنينا، مما دفع الكثيرين إلى مغادرة المدينة بحثًا عن ملاذ في مكان آخر. لذلك فإن مستقبل أجيالنا مهدد، ولا يمكننا السماح بذلك.
لذلك أصبح من الضروري أن نتحرك بسرعة. حيث يجب أن نطالب بإجراء تحقيق شامل لتحديد الأسباب الدقيقة لهذا الوباء. ثم إن أسئلة آنية لا بد أن تطرح: من المسؤول عن هذا الاستغلال للغابات وخصوصا بيع خشب أشجارها ؟ متى تم اتخاذ قرارات تزفيت ممراتها، وكيف حدث ذلك دون تقييم مناسب للتأثيرات البيئية؟ التحقيقالجيد ضروري لفهم مدى الدمار وكذلك لتحمل المسؤولين المسؤولية عن ذلك. كيف ماتت معظم أشجا. الغابة و هل الأمر طبيعي أم هو فعل بشري؟
علاوة على ذلك، ندعو السلطات المحلية إلى فتح تحقيق دقيق في ذلك و وضع تدابير لحماية غابتنا واستعادة النظام البيئي المهدد لها وإعادة تشجيرها و قطع الطريق عن مستغلين لمساحتها . يتضمن ذلك إعادة تقييم وتقييد مشاريع التهيئة، وتعزيز الممارسات الزراعية المستدامة، ودعم إعادة التشجير. كما أن توعية السكان بأهمية الحفاظ على بيئتنا بات أمرا حيويا.
ثم إن الحفاظ على هذا الكنز الطبيعي لغابة سيدي معافة ليس واجبًا فحسب، بل هو مهمة إنسانية. وكل جهد له قيمته. ويجب على المواطنين الغيورين أن يتجمعوا لحماية رئتنا الخضراء المتبقية لدينا، من خلال المشاركة في مبادرات إعادة التشجير لهذه الغابة الأثرية، ومن خلال تقليل استخدام المواد الكيميائية، أو دعم السياسات البيئية ومن خلال قطع الطريق عن المستغلين للغابة من أجل مصالحهم الاستثمارية، وبذلك يمكننا جميعًا المساهمة في إعادة الحياة إلى غابتنا. فلنكن جميعًا حراسًا لطبيعتنا، ولنُعد الأمل إلى قلوب الأجيال القادمة.
إزالة الغابات من مصلحة المستثمرين الشرهين من أجل الاستثمار في العقار . ونحن معًا، لدينا القدرة على تغيير الواقع والحفاظ على تراثنا الطبيعي ولأجيالنا القادمة. أدعوكم إذن أن لا تدعوا مدينتنا، الواقعة على عتبة الصحراء، تصبح مجرد ذكرى. دعونا نتحد من أجل مستقبل مستدام و صحي.