يتساءل العديد من المهتمين بتطورات قضية الصحراء المغربية، عن جدوى استمرار تناول قضية الصحراء المغربية مند النصف الأول من عقد الستينات من القرن الماضي، ضمن جدول أعمال اللجنة الرابعة التابعة للجمعية العامة المختصة في قضايا إنهاء الاستعمار، مادامت هذه اللجنة تتحدث في قراراتها عن ضرورة التوصل لحل سياسي عادل ودائم ومقبول لدى الأطراف في ملف قضية الصحراء المغربية، وضرورة تعاون الأطراف المعنية بالنزاع مع مجلس الامن.
وما يدعو أكثر للاستغراب هو أن هذه اللجنة اعتمدت قرارا دون تصويت خلال شهر أكتوبر من السنة الجارية 2024،يجدد دعمها للعملية السياسية تحت الإشراف الحصري للأمم المتحدة من أجل تسوية النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية.
ويدعو القرار كافة الأطراف إلى التعاون الكامل مع الأمين العام للأمم المتحدة من أجل التوصل إلى حل سياسي، بناءا على القرارات التي اعتمدها مجلس الأمن. ويدعم قرار اللجنة الرابعة العملية السياسية على أساس قرارات مجلس الأمن المعتمدة منذ 2007، بهدف التوصل إلى حل «سياسي عادل ودائم ومقبول لدى الأطراف». ولم يتضمن هذا القرار أي إشارة إلى الاستفتاء.
لذلك فاستمرار تناول قضية الصحراء المغربية في جدول اعمال اللجنة الرابعة لا يستقيم وهو ما يعكسه قرارها الأخير الذي يتحدث عن حل سياسي تحت الاشراف الحصري لمجلس الامن، الذي يؤكد بالملموس أن استمرار طرح قضية الصحراء المغربية في اللجنة الرابعة هو انتهاك صارخ من طرفها للمادة 12 من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على أنه «عندما يباشر مجلس الأمن، بصدد نزاع أو موقف ما، الوظائف التي رسمت في الميثاق، فليس للجمعية العامة أن تقدم أية توصية في شأن هذا النزاع أو الموقف إلا إذا طلب ذلك منها مجلس الأمن».
ويعد كذلك مظهرا من مظاهر التناقض وخرق القانون من طرف هيئة دولية مدعوة أكثر من غيرها لتكون قدوة في احترام قانونها الداخلي، واستحضار التطورات الحاصلة في الملفات المعروضة عليها.
أسباب طرح الملف في الجمعية العامة وفي جدول اعمال لجنتها المكلفة بتصفية الاستعمار قد انتفت وانتهت بخروج الاستعمار الاسباني بشكل رسمي من الصحراء، واللجنة لازالت كذلك تتجاهل تتجاهل هذا المعطى كما تتجاهل بشكل مكشوف عدة معطيات أساسية في النزاع المفتعل، ذلك أن المغرب دون غيره هو من طرح أولا هذا الملف في لجنة تصفية الاستعمار سنة 1963 من اجل اجلاء الاستعمار الاسباني، أي ان المغرب تقدم بطلبه سنة بعد تأسيس دولة الجزائر و عشر سنوات قبل ظهور مليشيات البوليساريو. ومع ذلك لازال الملف يتداول في اللجنة الرابعة.
مجلس الأمن هو من يباشر حصريا حل الملف
ومما يجعل المفارقة واضحة، إن مجلس الامن هو من يباشر حل هذا الملف بشكل حصري منذ سنة 1988، ولم يعد للجمعية العامة علاقة قانونية بالموضوع، وهو ما تؤكده اللجنة بنفسها في قراراتها، كما ان مجلس الأمن لا يحيل في قراراته على ما يصدر عن الجمعية العامة الأمم المتحدة.
وقد تخلت الأمم المتحدة منذ سنة 2001 عن خيار الاستفتاء، وأصبحت تبحث عن حل سياسي واقعي متوافق عليه. وأعلنت صراحة عن استحالة تنظيم استفتاء بالصحراء، حيث وقفت على تعذر حصر قائمة الناخبين المؤهلين للمشاركة، حيث تجاوزت الطعون 131 ألف طعن على القائمة الأولى فقط التي حصر فيها حوالي 84 ألف مشارك. وقد أعلن الأمين العام للأمم المتحدة وقتها أن البت في الطعون سيكون طويال،ً وستنتج عنه خلافات أكثر. وقد اعترف عدد من المسؤولين الأمميين بعدم واقعية خيار الاستفتاء في الصحراء، فمند سنة 2001 أصبحت تقارير الأمم المتحدة تتحدث عن استحالة تنظيم استفتاء، خاصة في تقريري الأمين العام الصادر في يونيو 2001 /2001/613S،الفقرات 27 إلى 29، ورقم 2003/565/S الصادر بتاريخ 23 ماي 2003 الفقرة .26
كما سبق وأن أكد الممثل الشخصي الأسبق للامين العام «بتر فان والسوم»، الذي صرح وبشكل واضح بتاريخ 21 أبريل 2008 أمام مجلس الأمن، إثر سلسلة جولات تفاوضية مباشرة بين 2007 و2008، بأن «استقلال الصحراء الغربية» ليس خيارا واقعيا، داعيا الدول الخمسة عشر أعضاء المجلس إلى التوصية بمواصلة المفاوضات. كما أكد «بيتر فان فالسوم»، في مناسبة أخرى أن «لا تماثل، ولا تماهي ما بين مدلول مبدأ تقرير المصير والاستقلال»، موضحاً «... إن تقرير المصير ليس مرادفاً بالضرورة للاستقلال».
اتفاقية مدريد ونهاية وضعية الاستعمار
اتفاقية مدريد شكلت نهاية الوضع الاستعماري في الصحراء المغربية، وهوما صرح به رئيس الحكومة الاسبانية «ارياس نافارو» يوم 28 يناير 1976 أمام الكورتيس الاسباني، بخصوص مناقشة عقد اتفاقية مدريد، حيث أشار إلى «إن إسبانيا لم تعمل سوى على احترام إرادة الساكنة، وتوجهات الأمم المتحدة. لقد سعت الحكومة الإسبانية إلى غاية عام 1974، إلى تنظيم استفتاء، ولكنها عدلت عن الفكرة أمام "محكمة العدل الدولية" فيما يتعلق بسيادة الإقليم.
كما أن الأمر لو كان يتعلق بقضية تصفية استعمار، لما اقرت محكمة العدل الدولية بوجود روابط ولاء بين قبائل الصحراء والمملكة المغربية. كما أنه ينعدم وجود شعب يسمى بالشعب الصحراوي في الصحراء المغربية لانعدام تواجده في الأرشيف التاريخي وفي الواقع، كما ينعدم وجود جنسية صحراوية قبل وخلال التواجد الاستعماري، سوى روابط البيعة التي تربط ساكنة الصحراء بالسلطان، وقد عكست ذلك أيضا أكثر من 12 اتفاقية دولية تجمع المغرب مع الدول الوازنة، آنذاك تشمل مجال الصحراء المغربية قبل الاستعمار الاسباني والفرنسي للمنطقة.
كما أنه من المعلوم كون الأرشيفات الوطنية الإسبانية، مثل الأرشيف العام للإدارة ألكالا دي إيناريس، والأرشيف العسكري لشيقوبية، تقدم الفترة الأولى من التواجد الإسباني في الجنوب المغربي، والتقليد الأفريقاني في السياسة الخارجية الإسبانية وتقلباتها، وتؤكد بما لا يترك مجالا للشك اقتناعهم بمغربية هذه المناطق.
لقد تم استغلال أسلوب حياة الترحال وانعدام التمدن والاستقرار الذي كانت تعرفه المناطق الصحراوية الجنوبية للإمبراطورية المغربية وضعف السلطة المركزية، لبدء احتلالها من طرف كل من فرنسا وإسبانيا. وتقسيم وتحديد مناطق التدخل بين هاتين القوتين الاستعماريتين، مع تحديد وحصر المناطق التي تم اعتبارها من طرفهما أراضي خاضعة لسلطة المغرب.
ولم تكن بداية الوجود الاسباني في المنطقة الا عن طريق بناء أكواخ خشبية بسيطة على الشواطئ في ظل انعدام التمدن والاستقرار. واعتمد الإسبان في تغلغلهم على أسلوب استمالة الرحل بالهدايا والأدوية والمساعدات الطبية. وبعد بناء المحطات التجارية كانت تتعرض للهجوم والتخريب مرات عديدة، وكان العمال والجنود لا يستطيعون الابتعاد عنها أكثر من ستمائة متر خوفا من هجمات القبائل حسب ما ورد في التقارير الإسبانية. فقد ظلوا حبيسي تلك المحطات لسنوات عديدة ولا يستطيعون التوغل نحو الداخل. وقد كان الهدف الأساسي من بناء تلك المحطات هو القيام بأنشطة الصيد البحري وتمليح الأسماك قبل استعمارها، اما التجارة فكانت تتم عبر ميناء الصويرة.
وقد اكدت بشكل بارز التقارير القنصلية الإسبانية المرفوعة الى السلطات المركزية الاسبانية في تلك الفترة، كما هو موجود في الأرشيفات الوطنية الإسبانية، ان السلطان هو من كان يزود للمقاومة في واد الذهب بالأسلحة الحديثة والذخيرة التي تم شحنها من الصويرة، وكان على علم تام بتحركاتها، وأنه هو من سمح بمهاجمة الإسبان.
قضية الصحراء المغربية موضوع مشروع تقسيم وتجزئة
الصحراء المغربية هي موضوع مشروع تجزئة وتقسيم من طرف النظام العسكري الجزائري ولا تتعلق بتاتا بقضية تصفية الاستعمار، فقد فضحت الجزائر نفسها وكشفت عن مشروعها بشكل ملحوظ وبارز امام المنتظم الدولي، حيث اقترحت يوم 2 نونبر 2001 بهيوستن، من خلال رئيسها السابق عبد العزيز بوتفليقة تقسيم الصحراء المغربية بين المغرب «والبوليساريو». وابرزت هدفها الأساسي المتمثل في الوصول إلى المحيط الأطلسي، من خلال إقامة دويلة صغيرة تكون تحت سيطرتها التامة ولا يهم حجم مساحتها. وقد تطرق الأمين العام في تقريره المقدم الى مجلس الامن سنة 2002 الى مقترح التقسيم الذي تقدمت به الجزائر، هذا المقترح الذي ظهر من جديد خلال شهر أكتوبر من السنة الجارية 2024 على لسان المبعوث الشخصي ستافان دي مستورا وهو يقدّم إحاطته أمام أعضاء مجلس الأمن في جلسة مغلقة وسرية، والذي اوحت له به الجزائر مرة اخرى.
أعضاء مجلس الامن الدائمين يعترفون بمغربية الصحراء
يتوالى اعتراف الدول بمغربية الصحراء، منها الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا العضوين الدائمين في مجلس الأمن، فضلا عن كون اسبانيا التي كانت تستعمر الصحراء المغربية اعترفت بدورها بمغربية الصحراء. ويستمر كذلك سحب العديد من الدول اعترافها بالجمهورية الوهمية بعدا وقفت على حقيقة الوضع، وترصد تقارير الأمين العام المرفوعة الى مجلس الأمن توالي فتح القنصليات في مدينتي العيون والداخلة ، والتي وصلت الى 30 قنصلية، كما أن قرارات مجلس الأمن لم يسبق بتاتا أن وصفت المغرب بقوة احتلال.
روسيا والصين ترفضا بشكل قاطع حضور الجمهورية الوهمية في الاجتماعات المنظمة مع دول الاتحاد الافريقي، وتجمعهما مع المغرب اتفاقيات تجارية وبحرية تشمل الصحراء المغربية، كما أن التطورات الحاصلة في ملف النزاع المفتعل تقدم مؤشرات على اعتراف وشيك بمغربية الصحراء من طرف باقي اعضاء مجلس الأمن الدائمين، الصين وروسيا وانجلترا، هذه الأخيرة التي اقرت محاكمها بمشروعية الاتفاقيات التجارية مع المغرب التي تشمل اقاليمه الجنوبية. وفيما يتعلق بالصين أيضا فقد كشفت تقارير إسبانية عن مصادر صينية خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني، شي جين بينغ لجزر الكناري خلال شهر نونبر 2024، بأن بكين تستعد لتدشين قنصلية عامة في مدينة العيون، والاستثمار في جسر بري بين الأقاليم الصحراوية المغربية والأرخبيل الإسباني.
اعتراف أعضاء مجلس الأمن الدائمين بمغربية الصحراء يتوسع، وتقارير الأمين العام المرفوعة الى مجلس الامن وكذا قرارات مجلس الأمن، تعكس كلها يشكل واضح سقوط وهم تصفية الاستعمار، فلماذا اذن تستمر مهزلة تناول قضية الصحراء المغربية ضمن جدول اعمال اللجنة الرابعة؟.
محمد الطيار/ باحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية