ما يميز أسلوب جلالة الملك محمد السادس في الحكم، هو الصبر واستثمار الوقت وتسوية الملفات على نار هادئة بدون ضجيج ولا ثرثرة. فهذه كانت استراتيجيته، شافاه الله، في تدبير العديد من الملفات ذات الحساسية الدقيقة والبالغة التعقيد، على اعتبار ان تدبير أمور الحكم، لاسيما في شقه الخارجي، مسألة تتطلب نفسا طويلا، وليس المهمة فيها كثرة الكلام، بل الأهم هو قوة الفعل ونجاعة القرار، والتأني إلى حين أن تأتي ساعة الحزم.
من هذه الزاوية، أنا أنظر إلى ملف العلاقات المغربية الإيرانية، الذي طفى على سطح الأخبار في الآونة الأخيرة. وقد كنت دائما أدعو الذين يرون بصعوبة بل باستحالة رجوع المياه لمجاريها في العلاقة بين البلدين، إلى التروي في الحكم ، تأسيسا على النشاط والحيوية اللذان يطبعان ديبلوماسية المغرب، والتي قد تفاجئنا بالذي لم يخطر على بال أحد، لاسيما ان المغرب معروف بكونه الدولة التي لا تسعى إلى خلق المشاكل مع أحد ولا إلى إشعال فتيل العداوة مع اي كان. وحتى إن وجدت بعض الخلافات، فسعيه يكون دائما نحو الحل وليس نحو تعميقها. وبخصوص ما قرأناه حول وجود مساع إيرانية لفتح علاقات جديدة مع المغرب، بما في ذلك من سعي إلى استثمار وساطات عربية من دول شقيقة وازنة، لإذابة الجليد الجاثم على هذه العلاقات، وعطفا على ما سبقت الإشارة إليه، لا أستبعد، شخصيا، إيجاد أرضية ممكنة للتفاهم وللتقارب، إذ يكفي لإيران ان تعترف بمغربية الصحراء الغربية، نافذة المغرب على الخارج، ليبدأ النقاش بين الطرفين حول نقط اخرى...
فالاتفاق حول هذه النقطة هو الأساس والمنطلق وهو التعبير الحقيقي عن حسن النية تجاه المغرب، أما الباقي فمجرد تفاصيل.
حتما إن إيران واعية بهذا الشرط المبدئي، ولو لم تكن لها نية في التعبير عن موافقتها على هذا الشرط ما فتحت الموضوع ولا التفت اليها المغرب من الأساس.
صحيح أن تاريخ العلاقات المغربية الإيرانية، أصبح مطبوعا بالمد والجزر منذ سقوط نظام الشاه وصعود الخميني، مع ذلك وجود ثمة احترام عقدي اتجاه المملكة المغربية. فقد قرأت في بعض الكثير مما كتب سي عبد الهادي التازي رحمه الله، أن علاقة المغرب مع إيران كانت على مر التاريخ علاقة خاصة...يميزها احترام الإيرانيين لأهل البيت ولأسباط الرسول صلى الله عليه وسلم وملك البلاد واحد منهم... ثم إن إيران هي التي تطلب ود المغرب اليوم، ولا أظن أن خطوتها هاته ولدت من فراغ. وليس بهذا المنطق تدبر الدول علاقاتها الخارجية، بل من المؤكد، أن دعوتها هذه، أملتها مراجعات موضوعية ومصالح حقيقية رأت أنها اصبحت مهددة، بعدما تبين لها أن أطروحة الجزائر باتت ضعيفة وتتآكل لحظة بعد أخرى، وأنها لا يمكن أن تشكل بالنسبة إليها الحليف الذي يمكن الاعتماد عليه.
فإيران تسعى الآن إلى تصحيح مسار تحالفاتها مع دول المنطقة وعلى رأسها المفرب، عن طريق الاستجابة لشرطه القاضي بالخروج من المنطقة الرمادية، اي وقف الدعم عن البوليساريو والاعتراف الرسمي بمغربية الصحراء، هذا إن كانت صادقة بالفعل في خطبة ود المغرب.
بخلاصة، فإن إيران هي الطالبة اليوم وليس المطلوبة ..وشتان بين الطالب والمطلوب في حقل العلاقات الدولية المفتوح على كل الاحتمالات.
وقديما قيل ليس هناك عداوة دائمة، بقدر ما هناك مصلحة دائمة.
رشيد لبكر/ أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة