منذ أن خضع المغرب للحماية الفرنسية والإسبانية، بدأت الحركة الوطنية تسكن المغاربة، قبل أن تتحول إلى مقاومة مسلحة بعد أن تم نفي الملك محمد الخامس إلى مدغشقر وإعلان حالة الطوارئ، لكن المغاربة قاوموا الاستعمار بشتى الوسائل: بالسلاح وبالفكر وبالرياضة أيضا.
بالتوازي مع المقاومة المسلحة ضد المستعمر ستظهر وستتوسع المقاومة الرياضية، بداية بتأسيس نواد رياضية مناوئة للنوادي التي صنعها المحتل وجعلها جبهة للكفاح ضد المستعمر، وكانت البداية من طنجة التي كانت تحت الوصاية الدولية لتشمل باقي المدن المغربية.
كانت المقاومة بصيغة أخرى، حيث لم تكن الأندية المغربية ومعها الرياضيون في منأى عن التطورات السياسية، التي كان يشهدها المغرب في تلك الفترة، بل كان كثير من المقاومين يجعلون من الملاعب جبهة للمقاومة ومن الكرة أداة للتصدي للمحتل الغاشم.
عبد السلام بناني.. مؤسس خلايا المقاومة وصاحب فكرة كأس العرش
لعبت الرياضة وكرة القدم على الخصوص، دورا بارزا في تحريك بركة روح المقاومة عند المغاربة، ولم تكن الغاية من تأسيس فريق رياضي الفوز بلقب أو كأس، بل كانت الغاية أنبل من هذا وذاك. وكانت التنقلات لمواجهة الفرق المنافسة فرصة لتنسيق عمل الحركة الوطنية عبر التراب الوطني. وخلال هذه الفترة ظهرت عدة أسماء رياضية زاوجت بين الكرة والمقاومة. من بين هذه الأسماء نذكر عبد السلام بناني، مؤسس العصبة الحرة لكرة القدم، وهي البوابة التي منحت المغاربة فرصة مداعبة الكرة في إطار فرق رياضية، بعد أن أراد الاستعمار أن يجعل منهم مجرد جمهور احتياطي يصفق لمهارات الفرنسيين في مبارياتهم.
ولد عبد السلام بناني في العاشر من أبريل سنة 1917 بفاس، وتابع دراسته الابتدائية فيها، وانتقل إلى الرباط لينضم إلى المدرسة الثانوية مولاي يوسف في الفترة ما بين 1931 و1933. في هذه المؤسسة انخرط في الحركة الوطنية، ودشن عمله النضالي بالمشاركة في المظاهرة ضد الظهير البربري وحكم عليه بشهر واحد سجنا.
كان بناني واحدا من ثوابت الحركة الرياضية، وفي نفس الوقت من أقطاب الحركة الوطنية، حيث كان من المسيرين بالوداد الرياضي في الأربعينات، وهو أيضا من مؤسسي الاتحاد البيضاوي ومن مؤسسي العصبة الحرة لكرة القدم سنة 1946. وهو صاحب فكرة “كأس العرش“، وهو من أشرف على نسخها الأولى. إذ جرت العادة أن يسلم عبد السلام بناني الكأس الفضية للملك من أجل تسليمها لعميد الفريق الفائز.
في كتابه “الأب الهادئ“ الأقرب إلى سيرة ذاتية لهذا المناضل، نقرأ: “كان في آخر أيامه مريضا جدا، لكنه حاول جمع مذكراته في كناش فيه كثير من المعلومات عن انبثاق شرارة المقاومة المغربية وفيه جل أسماء المقاومين وكثير من الخونة“.
محمد الزرقطوني.. قلب قائد هجوم مولودية بوطويل وقائد خلايا المقاومة
يعتقد الكثيرون أن محمد الزرقطوني، لم يكن يجد متسعا من الوقت لممارسة كرة القدم بمولودية بوطويل بالمدينة القديمة، لكنه كان مفتونا بهذه اللعبة، بل وأصبح مسؤولا، إلى جانب عبد السلام بناني عن العصبة المغربية الحرة لكرة القدم، التي نافس فيها فرق أحياء المدنية القديمة. لقد كان الزرقطوني كان مناضلا ومقاوما مغربيا في عهد الحماية الفرنسية، بل يعتبر رمزا للمقاومة المغربية.
ولد محمد الزرقطوني، سنة 1927 بدرب السوينية في المدينة القديمة بالدار البيضاء، والده اسمه أيضا محمد الزرقطوني مقدم زاوية الحمدوشية، وتعلم محمد الزرقطوني الابن في هذه الزاوية القراءة والكتابة. ثم التحق بالمدرسة العبدلاوية، وهي مدرسة للتعليم الحديث ومن أوائل المدارس المستقلة الحرة التي أدارها المناضلون في عهد الاستعمار.
منذ أن كان يافعا سجل أصدقاؤه ومدرسوه تمتع الفتى بكاريزما قوية حولته إلى عضو فعال في الحركة الوطنية خصوصا بعد نسفه رفقة مجموعة من الفدائيين القطار الرابط بين الجزائر والدار البيضاء ردا على المساس برمز السيادة الوطنية السلطان محمد الخامس، فضلا عن مخططاته التي كبدت المستعمر خسائر في الأرواح والممتلكات.
بين الخامس عشر والسادس عشر من عمره، قرر الاستقلال الذاتي، فانصرف عن مدرسته لأجل الشغل وكسب لقمة العيش بعرقه، ولكنه لم يتوقف عن الدراسة. كان يطالع المصادر الغربية باللغة الفرنسية، خصوصا تلك التي لها بعد سياسي، كما أنه كان يقرأ المطبوعات المشرقية باللغة العربية. خلال هذه المطالعة، انفتح على ما حواليه، وتنامى لديه الوعي بمحيطه، فآمن بالقضية الكبرى للوطن وأعلن نفسه مقاوما لا يشق له غبار، لاسيما مع نهاية الحرب العالمية الثانية واكتساح أمواج الحركات التحررية التي تلتها.
حميدو الوطني.. المقاوم الذي جمع بين الكرة والحركة الوطنية
حميدو الوطني أو احميدو بن فارس، قدم لمدينة الدار البيضاء في سن مبكرة ليترعرع في منطقة درب السلطان ويصبح من أشهر رجالاته في تلك الفترة. كان رجل رياضة وسياسة يرجع له الفضل في اكتشاف الأسطورة “العربي بن مبارك” عندما صادفه يداعب الكرة في حديقة لارميطاج ليضمه لفريقه “الوطن“ الذي أسسه رفقة صديقه العشفوبي البوعزاوي، الصداقة الرياضية التي أنتجت واحدا من كبار أندية المغرب وإفريقيا، حين طور الرجلان فريق الوطن وطعماه بلاعبين أكثر خبرة وتجربة ليخلقا فريق الفتح البيضاوي أو فتح درب السلطان.
كان الملك محمد الخامس هو الذي يصر على أن يحمل هذا الرجل لقب “الوطني“، الذي يتعدى صداه محيط درب السلطان. وفي رواية أخرى فإن أصل اللقب يرجع لكون حميدو ظل يحمل الطربوش الوطني الذي لازمه في حله وترحاله، وقيل إن اللقب حمله لأنه ظل يحلم بوطن مستقل، كما كان البعض ينادونه بالمسفيوي لأنه مزداد بمنطقة “مسفيوة“ علما أن اسمه الحقيقي هو حميد بن فارس، حمل لقب الوطني لكونه دخل دروب المقاومة الوطنية وهو يافع فضلا عن دوره كصانع خطط للعمليات الفدائية المنفذة ضد المستعمر.
وصفه محمد الخامس بالهرم، واعتبره “هرما من أهرام المقاومة الوطنية التحررية“، فيما كان الملك الحسن الثاني يتحدث معه عن الكرة أكثر من المقاومة والسياسة، رغم أن هذه الشخصية عانت كثيرا من حيف إعلامي رهيب، واختزلت مسيرتها في الجانب الرياضي باعتبار حميدو كان من بين مؤسسي الرجاء.
تقول أدبيات الحركة الوطنية إن حميدو الوطني هو المقاوم الوحيد الذي اشترى سيارتين من نوع “جيب“ من ماله الخاص ووهبهما لجيش التحرير المغربي، وأعلن نفسه متطوعا فيه حيث كان يقوم بأعمال صيانة السيارات
عبد الرحمان اليوسفي دون اسمه في التاريخ الرياضي إلى جانب مساره السياسي الحافل
يعتبر عبد الرحمان اليوسفي، من مؤسسي فريق الاتحاد البيضاوي “الطاس“، رفقة بعض عدد من رجالات الحركة الوطنية.
شارك اليوسفي، في تنظيم وإدارة حركة المقاومة وجيش التحرير بعد عزل الفرنسيين للملك محمد الخامس من 1953 إلى 1956 أسس مع المهدي بن بركة ومحمد البصري والمحجوب بن الصديق وعبد الرحيم بوعبيد وعبد الله إبراهيم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية المنشق عن حزب الاستقلال سنة 1959.
ويعتبر الراحل اليوسفي، “الأب الروحي- لطاس“، بحكم أنه الرئيس المؤسس للنادي سنة 1946، وأول من منح النادي شهادة الميلاد، ورخصة السفر في قطار حياة المنافسة في الدوري المغربي.
المسار الرياضي للراحل اليوسفي طبعه النضال ومقاومة المستعمر، حيث شغل منصب الكاتب العام لعصبة كرة القدم الوطنية المغربية المناهضة للعصبة الفرنسية الإستعمارية، ليدون اسمه في التاريخ الرياضي إلى جانب مساره السياسي الحافل.