عبد الحميد اجماهري: حقيقة ما راج حول التقارب بين البلدين: نحن وطهران، تقريبا جيران!

عبد الحميد اجماهري: حقيقة ما راج حول التقارب بين البلدين: نحن وطهران، تقريبا جيران! عبد الحميد اجماهري
استغربت مصادر ديبلوماسية رفيعة المستوى الأخبار التي راجت، بقوة، في الأيام الأخيرة، بخصوص «تقارب إيراني - مغربي»، والتي ذهبت إلى حد الحديث عن وجود مصدر إيراني رفيع المستوى في المغرب، وعن تبادل الزيارات بين مسؤولين أمنيين، وعن وجود وساطة سعودية إماراتية بين طهران والرباط.

تعلل الكتابات والتحليلات هذا التحول بالتغييرات التي تعيشها إيران (الحرب المباشرة وغير المباشرة مع إسرائيل وتفكيك الحليف اللبناني حزب لله، والوضع الكارثي الذي تعيشه غزة، ضعف القدرة على التأثير في التبادل العالمي عبر باب المندب أومضيق هرمز..حسابات الروس الخاصة، موقف عدم التدخل الصيني وضرورة التحول نحو البراغماتية الديبلوماسية...).

بالنسبة للمسؤولين في الخارجية المغربية، «المغرب يعمل في الوضوح»، وهو إن أراد العمل الديبلوماسي يقوم به في العلانية، ويتحمل مسؤولية مبادراته، «أما إن أرادها سرية فلن تُعرف!» مبادراته. وبالتالي فإنه استغرب هذه الأخبار ورواجها.
 
وعن سؤال حول ما إذا كانت هناك توقعات بتغييرات في الموقف الإيراني بخصوص العلاقة مع المغرب، أعاد المتحدث إلى الأذهان ثوابت الديبلوماسية الإيرانية.
 
وفي ذلك وضع زاويتين للمعالجة من حيث المبادئ التي تتحكم في القرار الإيراني:
- أولا هو أن إيران ليست من نوع الدول والبلدان التي تغير رأيها بسهولة. ذلك لأن تغيير الموقف الديبلوماسي يتطلب أولا تغييرا في الطبيعة السياسية للنظام. أي نظام» الملالي. وهو نظام بنى ويبني شرعيته على ثوابت دولية منها العداء للغرب والصراع مع الدول التي يعتبرها حليفة له . ومن هنا نفهم أن العقل الديبلوماسي المغربي يعتبر بأنه لا يمكن أن نمارس الديبلوماسية قبل السياسة! ومعنى ذلك أنه لا بد من تغيير سياسي للنظام قبل أن يغير دبلوماسيته، وفي هذا التوصيف، وبالرغم من البعد الجغرافي وحتى البعد العقدي، نجد أن الجمهورية الشيعية لا تخرج عن جمهورية الجيران في هذا الترابط بين طبيعة النظام والديبلوماسية .
هم أيضا لا بد لهم من تغيير استراتيجي في النظام حتى يحدث تغيير استراتيجي في العلاقة الدولية مع المغرب وأنصار المغرب..
وعليه . وفي هذه النقطة ... كلهم جيران المغرب.!

 
وكل تغيير في السياسة الخارجية يفترض تغييرا في الطبيعة السياسية للنظام. ولاسيما أن غاية وجوده وشرعيته مبنية على تصور محدد للعلاقات الدولية كما أشرنا إليها.. وفي هذا الجمود الاستراتيجي تندرج العلاقة مع المغرب..
 
تاريخيا، نحن نصنف في موقع الخصم اللدود حينا وفي مصاف العدو حينا آخر، وإن كانت مواقف الانفراج تحدث بين الفينة والأخرى.. وذلك، منذ بداية الجمهورية الإسلامية الدينية، مع انهيار نظام الشاه، والصراع بين الملك الراحل الحسن الثاني والخميني، وما وقع من أحداث في فترة الثمانينيات وتحالف تيارات متطرفة محسوبة على الإسلام الجهادي السني ومع اليمنية الخمينية ( العلاقة بين سيد قطب والثقافة الشيعية عند الخميني) ..
ومن السرديات التاريخية التي تحتفظ بها أرشيفات الدبلوماسية المغربية أن السفير المغربي، كان في فترة الثورة ثاني سفير غادر طهران، بعد الهجوم على السفارة الأمريكية.
وقتها كانت الأحاديث عن لجوء الشاه إلى المغرب سبب تأجيج العداء للرباط، ومن تم استهداف سفارتها في طهران.أيام الغالي بنهيمة..

 
العنصر الثاني هو البطء في تدبير العلاقات، والمراهنة على الديمومة، بحيث لا تسارع إيران في تغيير الامتداد الزمني، ( الزمنية السياسية) بسرعة، ويعطي محدثنا أمثلة على هذا بالبرنامج النووي الإيراني نفسه، الذي تشتغل عليه الجمهورية بنَفَس طويل وبطء، كما يجد في التاريخ التجاري لإيران مسوغات تراثية للديبلوماسية في ما يسمى »بديبلوماسية البازارات».(المساءلة والمساومة، المراهنة على الوقت... استنزاف المشتري)!
 
ولعلنا نرى في الموقف المغربي وعيه بأن إيران قد تعمل، ككل ديبلوماسية، بمبدأ الحساب التاكتيك، أو ما يفضي إليه هذا الحساب من «ملاءمات تاكتيكية» adaptation tactique ، باللغة الديبلوماسية وهي توافقات تُيسر التعامل مع المتغيرات الدولية ومع ما يستجد فيها من تقلبات بدون أن تصل إلى تغيير شامل.
 
وهو مبدأ تشتغل فيه الدول كلها بما فيها المغرب. وعادة ما تتم بتوافقات مسبقة: كلانا يدري بأن الرد هو تكتيكي، كلانا يحتاجه، وكلانا على معرفة مسبقة بحدوده وحظوظه، بدون الحديث عنها..
 
هذا المبدأ الثاني الذي يستحضره العقل الديبلوماسي المغربي يحيلنا على معادلة تحليل في الحقل الدولي مفادها: أن قوة الدول تتأتَّى أيضا من قدرتها على خلق الانفراج كما قدرتها على خلق الأزمة..
أي أن الدول تكون ذات نفوذ وتأثير عندما تكون قادرة على خلق الانفراج بعد إثبات قدرتها على خلق الأزمة. (ولعلها حالة المغرب الجلية).