لحسن العسبي يفضح إذلال قنصليات أوربا للمغاربة الراغبين في "فيزا شنغن"

لحسن العسبي يفضح إذلال قنصليات أوربا للمغاربة الراغبين في "فيزا شنغن" علم الاتحاد الاوربي يتوسط ناصر بوريطة، وزير الخارجية، ولحسن العسبي
سأتحدث لأول مرة عن تجربة شخصية لي ولعائلتي الصغيرة، مرتبطة بما يمكن أن أسميه "مهانة فيزا شنغن"، لنا نحن أبناء "الجنوب المعولم".
 
فبعد إلحاح من زوجتي وأبنائي لشهور، قبلت أن أتقدم بطلب للحصول على فيزا إلى إسبانيا شهر فبراير 2024 من أجل سفر في عطلة الصيف (غشت 2024)، عبر مكتب وساطة مفروض على كل طالب فيزا مغربي إلى إحدى الدول الأروبية بأحد أكبر شوارع وسط الدار البيضاء.
 
كنت دوما أرفض طلب الفيزا الأروبية لإحساسي الدائم أن الشروط الموضوعة مهينة (كيف يحق لهم طلب معلوماتي الشخصية جدا، التي من ضمنها حساباتي البنكية ووثائق ملكية شقتي وعقد الزواج وشهادات العمل والأجر... كمثال فقط).

بعد وضع الطلب عند مكتب الوساطة الذي لا يسلمك بالمناسبة أي ورقة مختومة حول ما يتلقاه منك نقدا من سومة محددة من قبله، ويفرض عليك تسليمه معلوماتك الشخصية الخاصة (تساؤل كبير حول مدى حمايتها فعليا)، انتظرنا شهرين ونصف بالتمام والكمال قبل أن يتم الإتصال بنا للتوجه إلى مكتب مكلف من قبل السفارة الإسبانية بشارع أنوال بالدار البيضاء كلنا (أنا، زوجتي وابني الطالب حينها بقسم الباكالوريا)، حاملين ملفا ثقيلا من الوثائق المترجمة إلى الإسبانية وفي أصولها بالعربية. 
 
حدد لنا موعد في التاسعة والنصف صباحا، مما فرض علينا تعطيل كل التزاماتنا المهنية والتعليمية ليوم كامل، حيث صدمت من حجم المواطنين المغاربة المكدسين في ذلك المقر، وبلغ الأمر مداه من الحنق، حين بقينا جالسين ننتظر دورنا حتى الرابعة زوالا، نعم الرابعة زوالا. حيث تم تسلم الملف منا وأخد بصماتنا (الأصابع والعين)، مع تأدية رسوم الفيزا التي بلغت حوالي 1500 درهما لكل واحد منا نحن الثلاثة. كان يوما مقرفا بالنسبة لي نفسيا ووجدانيا، وظللت أقول مع نفسي كاظما غيضي "آشنو جابني لهذا الويل". تاركين لهم جوازات سفرنا التي أخبرنا أنها ستبقى في حوزتهم شهرا كاملا مما يعني أنني سأكون ممنوعا من السفر لشهر كامل لو كانت هناك التزامات مهنية أو عائلية أو حتى سياحية.
 
تلقينا رسالة عبر الإيميل تخبرنا بالتوجه إلى ذات المكتب المكلف من القنصلية الإسبانية بشارع أنوال لتسلم جوازاتنا وقرار الخارجية الإسبانية حول طلب الفيزا. حضرت في الموعد، وحين بلغ دوري سلمتني الموظفة الشابة جوازاتنا الثلاثة قائلة لي إنه تم رفض منح التأشيرة (الفيزا) لابني مع ورقة تعليلية باللغة الإسبانية تقول إنه قد يهرب في إسبانيا... (ههههه).. ما هذا العبث قلت لها ولم تجبني بشئ. فقد منحنا أنا وزوجتي فقط فيزا لثلاثة أشهر (انتهت يوم 15 نونبر 2024).
 
قررت مراسلة المصالح القنصلية الإسبانية عبر عنوانها الإلكتروني وعبر البريد المضمون (ضمنها رسالة موجهة باللغة الفرنسية إلى سفير إسبانيا بقيت بدون جواب). توصلت فقط برد عبر بريدي الإلكتروني أنه تبعا للقانون التنظيمي الإسباني كذا وكذا علي إعادة تحرير الرسالة باللغة الإسبانية ووضعها في مكتب بمقر القنصلية بالدار البيضاء الأمر الذي وجدت أنه من العبث القيام به.
 
مورست علي ضغوط ملحاحة عائليا للسفر ولو ليومين أو أسبوع إلى الجنوب الإسباني، وهو ما رفضته لأنه لا يمكن أن أسافر بدون ابني، فأنا أعتبر الأمر مهينا لي وله ولنا كعائلة (كيف يطيب لي السفر بدون ابني)، قلت لهم إما أن نسافر كعائلة أو "بلاش". ثم قيل لي سيتم رفض منحنا تأشيرة شينغن مستقبلا إذا لم نسجل دخولا ولو فقط إلى سبتة المحتلة، وبقيت رافضا. إما أن أسافر بكرامتي وباختياراتي الشخصية أو "بلاش". حيث ظل شيطان نخوتي الكذابة يوسوس لي أن لا فصال في الأمر، حتى لو منعت إلى الأبد من تأشيرة دخول أروبا كلها. حمقي و "نفختي الكذابة" علماني فقط أن الرضى على النفس متعة المتع في دنيا زائلة.
 
الخلاصة في النهاية، هي أننا كعائلة صغيرة، بسيطة، عادية، فقيرة إلى رحمة ربها، مثل كل الناس الغفل الذين يأكلون القوت ويمشون في الأسواق، أضعنا جهدا ووقتا وكلفة مالية (حوالي 9 آلاف درهما)، لنعيش تجربة مهانة من الشمال صوب الجنوب، الجنوب الذي أعلم أن العطب كامن فيه وفي نوع سياساته التدبيرية التي تجعل ورقتنا خفيفة في الميزان، هي هنا مهانة فيزا شينغن. لأنه بعد شهور ودفع أموال هنا وهناك لهذه الوثيقة أو تلك، لهذه الترجمة أو تلك، لهذا الموعد أو ذاك، لهاته الخدمة أو تلك، لمجرد السماح بالسفر، يكتشف المرء أن المتعة الحقيقية ليست في اكتشاف الآفاق وثقافات وجغرافيات، بل أن المتعة هي في أن تعيش امتحانا مع ذاتك عبر بوابة الكرامة والرضى على نفسك. 
صدقوني كم هي معركة غير يسيرة.
 
من باب بعض الوهم، من يدري قد يقرأ أحفاد مغاربة لنا في سنة 2224، هذه الخربشات العابرة، ليعلموا فقط كيف أننا كنا نهان في بعض من كرامتنا فقط للفوز ب "رضى فيزا الشمال"، نحن أبناء الجنوب.