يقول ونستون تشرشل "في السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم هناك مصالح دائمة". و يقول السياسيون"لا عداء دائم ولا صداقة دائمة في السياسة بل مصلحة دائمة".
هذه قاعدة أو أصل من أصول اللعبة السياسية كما يقول المحللون السياسيون، بل أصل يتداول الناس في محافلهم العامة والخاصة، فالسياسة في الأساس صراع من أجل المصالح،والمصالح وحسب.
ينطلق المحللون والمتابعون السياسيون في ترسيخ أو إمضاء هذا الأصل ربما من الواقع، او من دراسة الطبيعة البشرية في كثير من الأحيان، ومن تشريح التاريخ السياسي للأمم الدول والمجتمعات والأحزاب، ومهما يكن أصبحت هذه المعادلة شائعة على الألسن، سارية مسرى المثل.
ليس من شك ليس هناك صداقة دائمة، ولا عداء دائم في السياسة بل هناك مصلحة، فإن أهم قانون يحكم الاجتماع البشري هو الصراع، صراع من أجل القوة، ومن أجل المصلحة، ولكن أعتقد أن المعادلة المذكورة ينبغي أن تصاغ بطريقة أخرى.
في تصوري لا عداء مطلق ولا صداقة مطلقة في السياسة، هذه الصياغة ربما تكون أشمل من سابقتها، إن عداء مؤقتا بين طرفين على بعض المشاكل ، وبعض المواضيع ، او تجاه هذه القضية أو تلك ، ... كل هذا لا ينفي أن يكون هناك توافقا مشتركا أو تقاطعا واضحا إزاء الكثير من القضايا ، بحيث تتحكم المصلحة المشتركة في توزيع المهمات، و أخذ القرارات، وإرساء المواقف، وفي كلا الحالتين تكون المصلحة هي سيدة الموقف، هي التي تصمم، هي التي ترسم، هي التي تقرر، هي التي توجه.استكمالا لما سبق أتصور أنه ليس هناك مصلحة بل مصالح، مصالح ، تختلف من زمن لأخر، ومن مكان لآخر، ومن حادث لأخر.
اللعبة السياسية صداقة وعداء في وقت واحد، صداقة هنا في ضوء مصلحة معينة، وعداء هناك في ضوء مصلحة معينة، لقاء هنا بسبب مصلحة مسماة وفراق هناك بسبب مصلحة مسماة، توافق هنا بضغط ثم مصلحة مشخصة وشجار هناك بضغط من مصلحة مشخصة، ليس هناك شمول، ليس هناك كليات، ليس هناك تعميم موقف، ليس هناك قطيعة مطلقة، عالم التناقضات المدهش، عالم المفارقات التي لا تخضع لقانون سوي قانون واحد كما تقول المعادلة الكبيرة، أي قانون المصالح.
اللعبة السياسية في ضوء هذا الأصل تنجو من مرض المطلق، ولا تخضع لقوانين المنطق الرياضي الصارم، وبالتالي، ليس من الحكمة بناء موقف سياسي على خلفية خلاف أو توافق ، وبلغة نافية تماما أو مُثبته تماما. فإن اللعبة السياسية هنا كما هي لعبة العلاقات بين التجار الكبار، فقد يتفق تاجر وآخر على صفقة تجارية بشكل كامل، يتبادلان الأسرار الخاصة بهذه الصفقة، ويمنعان تسرب أخبارها إلى الآخرين، ويحرصان أن تكون صفقة ثنائية صرفة، بينما يتآمر أحدهما على الآخر بالتعاون والمشاركة مع ثالث على صفقة أخرى !!
ذلك أنه ليس هناك عداء مطلق ولا صداقة مطلقة في السياسة بل هناك مصالح مطلقة؟
إذن عملية التحليل السياسي ينبغي أن تبدأ أساسا من تحديد المصالح قبل كل شي.
هذا هو منطق الأصل المذكور في اللعبة السياسية.